عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شعب له لسان

أصوات القرآن الكريم تملأ شوارع وسط البلد وأضواء المحلات قد أطفئت والناس في حيرة مما يستشعرون من خوف في يوم 28 سبتمبر 1970 وأنا طفلة صغيرة مع أمي أشتري ملابس الرياضة للمدرسة ولا أدري ماذا يجري من حولنا إلي أن أعود البيت فأسمع بكاء أبي في صمت مهيب  وصراخ خالتي وأخوالي الصغار ودقات علي الأبواب من جمع من أصدقاء أبي والجيران.. وشاشة التليفزيون سوداء لا تذيع فيلم الكرتون ولا سهرة المساء...

وأعرف ان رئيس مصر جمال عبدالناصر قد مات... حزن وهم وبكاء أكبر من أن تدركه طفولة بريئة وأقسي من أن تتحمله سنوات العمر الذي يمر لأعرف أن «عبدالناصر» وعصره جزء من تاريخ أمة تحررت وقادت العالم الثالث وشكلت وجدان شعوب ثم استدرجت إلي فخ الزعامة والديكتاتورية الأمنية ودوائر حول الرئيس ومراكز قوي وتكميم للأفواه حتي وصلنا إلي هزيمة 67 ونكسة حربية وفكرية واقتصادية مازلنا نعاني آثارها حتي اليوم ذلك لأننا استسلمنا إلي لحظات انتصار وفخار لم تتبعها دوائر من أفكار وتعدد آراء وحرية تعبير تلتزم بالوطن والانتماء... «شعب بلا  ألسنة»... إذا تحول الشعب إلي مجرد تابع بالأمر المباشر ولم يكن فاعلاً متحركاً وجزءا من عملية البناء والتغيير واكتفي الحاكم بأن يكون منزهاً عن الخطأ وملهماً لكل قرار وارتفعت من حوله الجدران والأسوار التي تحجبه عن سماع صوت الناس باختلافهم وحبهم وغضبهم ومنحهم فإن مصير أي حاكم سوف يضيع كمصير «عبدالناصر» الذي ظلمه نجاحه وأعوانه ومن يحطيون به وفصلوه عن الانسان بحجة حماية الوطن لصالح الإنسان.
ومع ذكري رحيل «عبدالناصر» تقترب ذكري مقتل «السادات» بعد أيام في 6 أكتوبر 1981 علي أيدي الجماعات الإسلامية المتطرفة والتي صنعها «السادات» لتحارب التيار الناصري الاشتراكي المتطرف المسمي الشيوعية أو تيار اليسار ولكأن كل قائد وزعيم وحاكم تكون نهايته علي يد من أفرد لهم مساحات من الحرية والتحكم وتوجيه الرأي العام فكما خذل «عبدالناصر» مستشاريه ونوابه وقادة جيشه فكانت الهزيمة واحتلال الأرض والعرض... فإن «السادات» قتل علي مرأي ومسمع من أبنائه وجنوده بأيدي تيار يميني متطرف تصور «السادات» انه مجرد أداة في يده لضرب وتحجيم التيار اليساري الناصري... وجاء «مبارك» ليضع كل ثقته وسياساته في الأمن والمال... حتي أصبح الجهاز الأمني بديلاً عن الأحزاب والسياسات تحولت إلي رجال مال وأعمال وطبقة جديدة قريبة من الحاكم تنعم بمميزات وتسهيلات لخدمة مصالحها أولاً ثم الدولة ثانياً في ظل حماية أمنية وشرطية كانت أول من خذل الرئيس السابق «مبارك» هي ورجال

الأعمال الذين أساءوا إلي الحكم ونشروا الاحتكار والفساد فكانت نهاية حقبة الحكم المباركي علي يد الأمن والمال بعد أن استهان بالمعارضة واستمر في العناد والاعتماد علي القوة الأمنية والمادية وانفصل علي الإنسان المصري الذي لم يصبر إلا ليثور واستغل المتطرفون الإرهابيون حالة الخواء والفراغ الإنساني والتواصل مع الشعب واقتحموا المصريين باسم الدين واستطاعوا أن يشكلوا جيلاً ومجموعات من البشر ناقمة علي الوطن وكارهة لكل أنظمة الحكم إلا ما يندرج تحت لواء الدين والعقيدة المغلوطة الملوثة بأفكار دموية لا تنتمي من قريب أو بعيد إلي الإسلام الوسطي المعتدل الذي عرفته مصر وعلمته للعالم.
وجاء «السيسي» حاكماً وزعيماً منتخباً يجمع بين شعبية «ناصر» وإلهام «السادات» وبعض من استقرار «مبارك» ولكنه حاكم جديد في ظرف جديد لشعب آخر جديد... لذا فإن أي تجربة حكم سابق لن تتكرر لأن التاريخ لا يعيد ذاته ولأن الظرف قد تغير ولأن المصريين اختلفوا ولأن العالم من حولنا منقسم والوطن العربي مهدد ومنكسر ومع كل هذا فإن الأمل مازال لامعاً في أن يدرك الحاكم أي حاكم انه ليكسب الشعب عليه أن يقترب منه ويستمع إليه ويهدم أي أسوار تحول بينه وبين أهله ورعيته... الأمن والاجراءات والبروتوكول والدوائر القريبة التي بدأت تفرد قلوعها وشباكها حول الرئيس نذير خطر لزعيم اختاره الشعب بكامل إرادته ووثق فيه وقدره وينتظر منه ألا يعيد تجارب سابقة أو أن يبني جدراناً ليقطع ألسنة ويقرب اناساً معينة ويسمع أصواتاً دون غيرها ويطعم وحوشاً ليأمن شرها... ياسيدي السلطان... أنت حبنا ومنانا... فلا تخذل رجانا... واترك بابك لا يحرسه إلا سوانا... شعبك لا يملك إلا قلباً ولساناً...
فامدد يديك إلي يدينا...