رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مسلسلات.. أدب العشوائيات


أعتقد بكل أسف أن عهد ما يسمي الدراما التليفزيونية بالمفهوم العلمي لكلمة دراما قد انتهي تماما مع ما نشاهده ونتابعه منذ أكثر من ثلاث سنوات لأعمال لاهي درامية ولا سينمائية ولا فنية بالمعني والمفهوم المتعارف عليه في مجال النقد العلمي والمهني.. اختفي من الشاشة الكتاب المتخصصون في هذا الفن  وتحولت الأعمال إلي ورش عمل بين المنتج والنجوم والمخرج بما يؤدي إلي كتابة  أعمال بنظام القص واللزق  أو أعمال من صفحات الجرائد وتقارير المراسلين والفضائيات، هذا من جهة  المضمون البعيد تماماً عن القصة والحبكة والصراع  والشخصيات  والحوار والتيمات أو الرسائل الفنية التي يرسلها العمل للمشاهد.. كل الأعمال  تحتوي علي العناصر التالية:

1ـ الداخلية والضباط الصغار  والكبار ومشاهد الأقسام والحجز ولا مانع من السباب والضرب والتعذيب والاختراق والدسائس والعلاقة المتوترة بين الشعب الغلبان وضباط الداخلية وهم مجموعة شريفة عفيفة وآخرون ملونون أو متغيبون أو يعانون من السادية ويتفننون في التعذيب..
2ـ كباريه وبنات ليل ودعارة ورقص وأغان هابطة تكرر وتعاد في كل إعلان يومي علي جميع القنوات والفضائيات وأكثر من مرة  وساعة وساعة فترسخ الأغنية المسفة السيئة في  وجدان وآذان الصغار  والمراهقين  وتفسد ذوقهم وحسهم الفني السليم والذي يتربي علي كل الانحطاط الفني في الموسيقي الصاخبة النشاز والكلمات البذيئة والحركات الخليعة الوضيعة فيتجه الصغار والمراهقون إلي هذا النموذج من اللافن أو أن يتعصب ويرفض هذه النوعية من الإسفاف ويعتبر الفن حراماً ودعوة للرذيلة والخطيئة ويتعصب ويتطرف.
3ـ جميع المسلسلات تقدم العشوائيات بكل صورها وتعرض علي الشاشات وللعالم العربي والخارجي أسوأ مافي مصر من اخلاق وأشخاص وعادات  وسلوك وعورات تسيء إلي صورة الشعب المصري البسيط والذي يفخر بأنه شعب 7 آلاف سنة فإذا به علي غرار ابن موتة وابن حلال وابن حرام يمسك بالعصا والجنزير والسلاح الأبيض والشمروخ ويعري جسده ويسب ويلعن ليصبح بطلا مغوارا. أما الأسرة المصرية فانها توليفة غير عادية من فشل التعليم وإدمان وبنات الليل وأم صامتة أو دافعة للخطأ وأب قاس أو مغيب يرضي بالرذيلة ويغض الطرف بكل وقاحة والشارع أو  الحارة مجموعة من البلطجية واللصوص والقتلة والجميع في صراع وجنان وكراهية لبعضهم البعض..
4ـ معظم المسلسلات تقدم رجال الدين أو من يدعون أنهم متدينون ويعرفون طريق الهداية ويمسكون بالسبحة ويتكلمون بالفصحي فهؤلاء إما رجال لا تحركهم إلا شهواتهم وغرائزهم سواء الحسية أو السياسية أو المادية فمعظمهم يلهثون وراء النساء أو المناصب السياسية أو يتاجرون  في الممنوع والذي صار  مسموحاً به ومصرحاً به في ظل أدب العشوائيات الذي نعيشه ليل نهار في الاعلام وفيما يدعونه مسلسلات رمضان بالاضافة إلي هذا فإن هؤلاء المتدينين يتحولون إلي آلات صماء جوفاء لا تفكر ولا تشعر ولكنها مجرد أدوات قتل وحرق وإرهاب في أيدي آخرين يستغلونهم ويحركونهم لتدمير المجتمع ولقتل الأبرياء وذبح الأمن وخطف الأطفال وتقويض مؤسسات الدولة وإنهاك الداخلية والاقتصاد المصري.. إن الصورة المهينة التي يظهر بها كل من يسلك طريق التقوي بالتعصب أو الفساد لهي صورة تسيء إلي مفهوم التدين الوسطي وترسخ في أذهان الصغار والبسطاء أن كل توجهه نحو الدين هو علي هذا المنوال وهذا الأسلوب والمنهج المعوج الذي يؤدي إلي هدم المجتمع وأركانه ومؤسساته وشعبه وأمنه.
5- أخيراً صورة المرأة التي قدمتها تلك الأعمال وأذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر.. سجن النساء.. تفاحة آدم.. المرافعة.. الإكسلانس.. السيدة الأولي.. سرايا عابدين.. ابن حلال.. ش عبد العزيز.. هذه الأعمال التي تتنوع بين التاريخي والأدبي «سجن النساء عن مسرحية  الكاتبة الراحلة فتحية العسال» أو الحديث الذي هو خليط من السينما  والتليفزيون والتجريب وورش العمل الانتاجية والاعلام  الموجه إلي تدمير  ماتبقي من المجتمع المصري باسم الفن وحرية التعبير وتقديم الواقع كما هو علي طريقة أفلام صلاح أبو سيف العظيم.. فهذه الأعمال شوهت المرأة المصرية واساءت اليها أبلغ إساءة وقدمتها إلي المشاهد والعالم من حولنا علي أنها امرأة  وفتاة ليل أو مخدرات أو جارية  تبيع جسدها  مقابل أموال أو قوة أو مناصب سواء كانت جارية للخديو  أو خادمة له أو جارية في جهاد النكاح أو في سجن النساء باعت نفسها بسبب العوز والحاجة أو أنها خلقت تفاحة محرمة وحية رقطاء رمز الغواية والخطيئة والأنس!!! أو أنها تاجرة مخدرات أو تديربيوت دعارة أو  تطمع أن تكون زوجة رئيس أو فنانة أو فتاة

لاهية لاهثة نحو الشهرة أو العشق أو زوجة في السر أو حتي بائعة في الحارة تروح وتشتم  وتتكلم بالعين والحاجب ليل نهار.. نماذج وضيعة متكررة.. وهذا هو ما قدمته معظم الأعمال الدرامية عن المرأة المصرية في معظم الأعمال باستثناء عمل أو اثنين علي الأكثر فان هذا يستوجب أن نعيد النظر في قيمة القوة الناعمة والتي هي حجر زاوية في ثقافة مصر ومجتمعها الذي يتشكل عبر مؤسسات عدة مثل التعليم والدين والإعلام والفن فإذا خربت وهرمت تلك المؤسسات من المدرسة إلي الزاوية إلي الاعلام إلي الفن، فان وجدان الجيل الحالي والقادم سوف يكون وجداناً خرباً مشوهاً ينظر إلي المرأة باعتبارها أساس الخطيئة ومنبع الشرور فتصبح مستباحة كما يراد بها من قبل الجماعات المتطرفة وما يقدمه الفن الآن هو تأكيد علي هذا التوجه وتلك الإساءة والإهانة للمرأة المصرية التي تعمل وتكد وتشقي وتقدم كل يوم المثل والقدوة في جميع المجالات.
لماذا لم تقدم الدراما التليفزيونية نماذج لزوجات الضباط وأمهاتهم وذويهم وما يعانونه من خوف وقلق ولوعة فراق وترمل ويتم...؟!
لماذا لم تقدم الدراما نماذج لنساء مصر في الشارع أو المدرسة أو الجامعة أو المستشفي أو الصحافة وهن يعملن دون خوف من إضرابات أو مظاهرات أو رصاص أو ارهاب ليعلمن صغارهن ويداوين مرضاهن وجرحاهن أو ينقلن الاحداث في لحظة حدوثها وسط النيران..؟!
لماذا لم تقدم الدراما صوراً للمرأة المصرية في بيتها مع أولادها وزوجها تحاول أن تبعث الأمل والطمأنينة في نفوس صغارها وأطفالها وتحميهم من ويلات الفوضي التي اجتاحت الشارع والبيت علي مدار ثلاث سنوات والنصف وكيف استطاعت نساء مصر في مدنها وقراها أن يخرجن للتعبير عن الرأي في يونيو وفي الدستور وفي انتخابات الرئاسة.. ؟ وكيف قاومت التحرش ؟ وكيف قاومت الارهاب؟ وكيف استمرت ترسل ابناءها لتلقي العلم في الجامعات وسط لهيب العنف والنيران والقتل؟ وكيف حفظت أسرتها رغم ارتفاع الاسعار ونقل الوقود وانقطاع الكهرباء؟ وكيف وقفت في طابور العيش والبنزين وتحملت رزالة الطريق والانهيار الاخلاقي والانفلات الامني؟
إن المرأة المصرية شرف لمصر ولإعلامها ولفنها الاصيل وما يصدره الاعلام المسيء في ثوب رديء لفن رديء يسمي مسلسلات تليفزيونية لهو أبلغ إساءة وأقصي إساءة لنضال المرأة المصرية علي مدار تاريخها القديم والحديث وقد يعد دعوة للتحرش الاخلاقي والفكري والجسدي بالمرأة لانها ظهرت مستباحة مباحة علي الشاشات وهي صورة ذهنية تخالف الواقع والحقيقة التي سوف يذكرها التاريخ المكتوب بدماء المصريين، فهل من المنطقي والمهني والواقعي أن تكون تلك صورة المرأة المصرية في عيون العالم من حولنا..؟!
إن الدراما التليفزيونية علي وشك الانهيار الفني والجماهيري وعلي القائمين عليها مراعاة ما يطلق عليه الغرب «الرقابة الأبوية» والوسيط الفني الذي يقدم من خلاله العمل.. فما يصلح لساعة والنصف في السينما لا يصلح لثلاثين حلقة علي عشر شاشات علي مدار 24 ساعة يومياً.. فهذا حديث آخر.. كفانا أدب عشوائيات..