ثورة الكراهية
«ابك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال»، هذه هي كلمات عائشة الحرة أم آخر ملوك الأندلس أبوعبدالله محمد الثاني عشر، حيث وقف يبكي في زفرة العربي الأخيرة وقد سلم مفاتيح غرناطة عام 1492 لإيزابيلا وفيرناندر، وبهذا أضاع ملكاً استمر أكثر من ثمانية قرون في بلاد الأندلس وتم تنصير مئات الآلاف من المسلمين أو قتلهم وحرقهم وانتهي ذلك المد العربي الحضاري في بلاد الفرنجة.
وذلك لأن ملوك الطوائف في الأندلس تفرقوا وتنافروا وعقدوا الصفقات مع الفرنسيين والقشتالين والإسبان فضاعت القوة وانتشرت الكراهية والحروب بين الملوك والأمراء العرب وأصبحوا شيعاً وفرقاء فانتصر الأقوي الذي تسلح بالوحدة وامتلأ قلبه وعقله بطاقة إيجابية ألا وهي «الحب» حب الدين.. حب الله.. حب الوطن.. حب الحرية.. حب الإنسان لأخيه الإنسان، واليوم يبكي الرجال قبل النساء في مصر، يبكون وطناً علي وشك الضياع والتقسيم والسقوط في براثن الطامعين والأعداء ومن قلب السخرية والألم يخرج الندم وتنهمر دموع العجز والقهر وما أصعب قهر الرجال وهم يبكون عجزهم وخداعهم وضعفهم أمام ذلك الطوفان الجارف من الكراهية والبغض والتنافر الذي يسود قلب المصريين بعضهم بعضاً، بكي المصريون عند سماع ذلك النشيد الوطني الشامخ عن الوطن العربي حين كان حلماً وأملاً يجمع قلوب كل العرب من المحيط إلي الخليج بعد أن خرج المستعمر الإنجليزي والفرنسي والإيطالي من الأرض العربية ودفعت الشعوب دماء غالية وأجيالاً عانت حتي تصل إلي ما يسمي الاستقلال واتجهت تلك البلدان إلي الوحدة والتماسك لتبني أوطانها بعد سنوات من الاستغلال والاستعمار التي أنهكت قواها واستغلت ثرواتها وأشاعت الجهل بين مواطنيها وشعوبها مع الخمسينيات والستينيات صارت للعرب كلمة وقوة وراية وإذا بالعرب شوكة في حلق إسرائيل مندوب الاستعمار في الشرق الأوسط ولم تفلح حرب 67 والنكسة في كسر عزيمة العرب وكان انتصار 73 وانطلاقة مصر نحو السلام والاستثمار بداية حقيقية لقوة ضاربة في الشرق تقف في وجه إسرائيل والمخططات الاستعمارية، لكن قتل الزعيم أنور السادات قلب الموازين وجاء حكم مبارك لتكون الصفقة مع أمريكا هي المهادنة والتبعية ليستتب الأمر، وتفعل الشراكة الاقتصادية التبادلية النفعية مع إسرائيل وانكسر الوطن العربي وبدأ كل ملك وأمير ورئيس في عقد صفقاته الخاصة مع أمريكا وأوروبا وبدأت الصراعات العربية.. ولم تفلح الجامعة العربية في أن تكون في جهة الغرب وأن تصبح قراراتها فعالة مثل الأمم المتحدة وإنما مجرد كيان يجمع البقية قوة من وطن عربي كان من الممكن أن يصبح مارداً يملك الثروة البشرية والطاقة والموارد الطبيعية والوحدة الحقيقية من دين ولغة وتاريخ وموقع جغرافي وآمال وأحلام واحدة.
وتم غزو الكويت من قبل صدام في أغسطس 1990 وكانت تلك بداية النهاية ومخطط تقويض الوطن العربي وحذر الكتاب والمفكرون وأهل السياسة ولكن المطامع والكرسي دائماً أكبر والنفوس الضعيفة أضعف والفضاء الإلكتروني هو السلاح الذي اخترق الشباب ووجههم جميعاً نحو واجهة واحدة ألا وهي عصر الاستهلاك وعصر العولمة ودعاوي التمرد وكسر كل الحواجز وكل القيود وتحطيم جميع الرموز والسلطات سواء الدينية أو الأبوية أو الرئاسية أو القضائية، لذا فإنه حتي الجماعات الدينية تحطم الدين لأنها تتعصب لجماعتها ولمذاهبها ولأفكارها وتتخذ العنف وسيلة لإثبات عقيدتها وتكفر الآخر وهنا يتحد الكل من يلحد أو لا يؤمن
«وطني حبيبي الوطن الأكبر» في أوبريت «البرنامج» لباسم يوسف تحول إلي «قطري حبيبي الأخ الأصغر»، وهو يستثمر ويبيع ويشتري أقدم وأعرق حضارة في العالم.. يشتري الهرم والقناة والدقي وشبرا ويتحكم في حياة مصر وحكامها وهي قمة السخرية فبدلاً من أن تدخل إسرائيل وأمريكا وأوروبا وتلطخ أيديها بدماء المصريين وتنغرس في وطن قوامه 90 مليوناً ممتد الأطراف والموارد يربط أفريقيا بآسيا وأوروبا بالعرب فلا تستطيع تلك الدول الاستعمارية القديمة، فالأفضل وهو ذلك «الوكيل» العربي الذي يساند ويؤازر الحكم الحالي ويتحكم فينا بأيدينا ويعود المصريون إلي عبيد فقراء في حاجة إلي المال بعد أن يسقط الاقتصاد وينهار الجنيه والوطن فلا مفر من أن نلجأ إلي البيع بدعوي النهضة والاستثمار.. والشباب الذي قام بثورة الربيع أصبح محبطاً يائساً خائفاً مليئاً بالكراهية والعنف والغضب والكبار غاضبون كارهون والحكام أيضاً كارهون متعصبون ومصر كلها في حالة كراهية وحزن لا يملك رجالها سوي البكاء علي أشلاء وطن لم يحافظوا عليه واكتفوا بأن يذرفوا الدموع.. دموع النساء أم دموع الرجال لا يهم القضية هي أن الثورة لم تكن للكراهية وإنما كانت من أجل الحب بين البشر.