عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حمادة صابر للأبد

فرق بين جيل وجيل بين رفض الذل والمهانة والاندفاع وبين الاستسلام والخوف والضعف للعوز والحاجة والفقر هذا هو الفرق بين ابنة حمادة صابر مسحول الاتحادية، وبين أبيها ذلك المصري البسيط الذي لا يملك إلا بقية من أنفاس تتردد داخله ونبضات لقلب يحويه جسد انفضحت معالمه وانكشفت عورته وانداست آدميته أمام القاصي والداني، ذلك المصري الذي عاش 48 عاماً يعمل مبيض محارة باليومية يوم حلو وعشرة ومية مر بطعم

الحنظل، لم توفر له الدولة تعليماً ولا علاجاً ولا فرص عمل وأثقل كاهله وزوجته بأربعة أولاد ثلاث بنات وولد وعندما اندلعت شرارة الغضب في يناير 25-2011 خرج مع أسرته يأمل في غد أفضل له ولأولاده وبناته وشارك في كل التظاهرات حتى رحل مبارك الفاسد الظالم، وجاء يوم الفصل فاختار كملايين غيره من البسطاء «مرسي» الرجل الطيب الصالح الذي يعرف الله ويشعر بالغلابة والمساكين لدرجة أن ذلك الرئيس المنتخب بالصندوق وجه رسالة تحية في أول أيام حكمه لمن هم أمثال حمادة وخص بالذكر سائقي التوك توك.
ولكن حمادة لم يجد في حكم مرسي ما يسد رمقه وجوعه ويعيد الأمور سيرتها الأولى، فالحال أصبح صعباً على الجميع وانهار الجنيه ووعد رئيس الوزراء المصريين بثلاثة أرغفة من الخبز المدعوم، وحتى أصحاب التوك توك والميكروباص الذي يركبه حمادة وأولاده رفعوا تسعيرة الركوب لاختفاء السولار والبنزين، ولم يعد يأكل اللحم مع أسرته ولا الفراخ ويكتفي بأن يشرب حاجة ساقعة عند كشك في ميدان روكسي بجوار قصر الاتحادية.
الجيل الذي ينتمي إليه حمادة هو جيلي ذلك الجيل الذي ولد مع النكسة والخيبة والهزيمة وضرب مدرسة الأطفال في بحر البقر وأخبار الأسرى المصريين الذين دفنوا أحياء في صحراء سيناء ومآسي تهجير مدن القناة الثلاث حتى جاء نصر 73 وانتقلت مصر من مرحلة الاشتراكية الى الانفتاح الاقتصادي وقتل السادات على أيدي الجماعات الاسلامية الإرهابية التي عاثت في الوطن فساداً على مدار عشر سنوات وأكثر قتلت فيها سواح وأبرياء من المصريين العزل، ومع الإرهاب انتعشت مصر اقتصادياً ومعمارياً وتم بناء المدن الجديدة ولكنها كانت لطبقة دون أخرى ورصفت طرقاً وكباري ومدن ساحلية وسياحية ومترو أنفاق وارتفعت أبراج ومولات تجارية، وكان لحمادة نصيب من الانفتاح والاقتصاد لكنه نصيب هزيل ضعيف لايكفي متطلبات الأسرة والعلاج والتعليم والدروس الخصوصية والموبايل للزوجة والبنات وكل مظاهر الحياة الرغدة التي يتابعها وصغاره وزوجته عبر الفضائيات، ويقرر أن يعود لثورته مرة أخرى فيخرج ليعبر عن رفضه تلك الحكومة ورئيسها الذين لم يوفروا له علاجاً أو تأميناً صحياً ولم يوفروا له فرصاً جديدة للعمل حتى بناته لا يجدن شارعاً آمنا يسرن به أو شاباً صالحاً لديه عمل ومأوى للسكن وللزواج.. من أجل هذا خرج مع أسرته مرة أخرى مصمماً ومجدداً للثورة التي لم يجد فيها عيشاً ولا حرية ولا عدالة اجتماعية!!
كم الوحشية والهمجية والحيوانية التي تعرض لها حمادة من

مصريين أخوة له وشركاء في الهم والغم والظلم والقهر والفقر والجهل لم يصل عقله ولا فكره أن يعيشها يوماً ما.. اتعرى واتسحل وانضرب واتهان واترعب وخاف واتهدد فما كان منه إلا أن تنكر زوجته وبناته خوفاً أن يتعرضن لذات المصير.
نسى كرامته وكبرياءه وآدميته وثورته دفن كل هذا في قلبه الكسير الذليل ونطق لسانه بالحمد وسبح بالشكر لسيادة اللواء البهوات الضباط والباشوات الجنود ومعالي الوزير وفخامة الرئيس المنتخب بالصندوق ونفى وأنكر أي إهانة أو ضرب أو سحل أو تعرية وفضيحة دولية.
وأكد أنه لم يكن يوماً ثائراً أو معارضاً وإنما هو مجرد أب خرج للفسحة والسعادة والفرحة الغامرة مع اسرته يأكلون ويشربون ويغنون في وسط القنابل والرصاص والدماء!!
ابنته خرجت عن صمتها وكسرت حاجز خوفها ورفضت أن يعيش والدها مهاناً ذليلاً وصرخت بأعلى صوت يعي الحقيقة، ولكن من يحميني؟ من يضمن لي السلامة؟ من يمنحني الحرية لأن أقول إن أبي وجميعنا ثوار خرجنا رافضين للحكومة والرئيس والنظام والدستور وأن هؤلاء الجنود ضباطهم قد تجردوا من إنسانيتهم، وأن هؤلاء الجنود وضباطهم قد تجردوا من إنسانيتهم وتخلوا عن مصريتهم وحموا نظاماً جائراً ظالماً حاقداً خائنا لكل العهود، حنثوا بالقسم في خدمة الشعب وحماية إخوانهم المواطنين المصريين، وأن هؤلاء الجنود المصريين قد ضربوا وسحلوا وعروا وجردوا آباهم من ملابسه وكرامته ورجولته.. بل وامعنوا في ذله بالتهديد والوعيد فأفقدوه ايمانه وآدميته فكذب وغش وجبن هو الآخر.. «أبي يكذب» ألم يكفهم أن أبي تعري من ملابسه أيجب أن يتعرى من أخلاقه وكبريائه وأبوته فيصبح صغيراً صغيراً ذليلاً خسيساً جباناً مهاناً أمامي وأمام أهلنا وأصدقائنا حتى يطمئن هذا النظام.. إذا كان حمادة وجيلي لم يملك الشجاعة الكافية للصمود بالرغم من كل محاولاته إلا أنه جيل قد نجح في أن يزرع ويربي جيلاً أكثر شجاعة وصدقاً وأملاً وجرأة جيل ابنة حمادة الذي يرفض أن يعيش كما عاش صابر للأبد..