التعليم.. همس الجنون
من الفلسفة إلى السينما والأدب ومن الحارة المصرية إلى رحاب العالمية وجائزة نوبل ومن الكتابات التاريخية والرمزية إلى الغوص فى أعماق النفس البشرية ورصد لتاريخ مصر الحديثة وثوراتها المتعاقبة ومن كتابة السيناريو والرقابة على الأفلام إلى إبداع صفحات فنية عن تاريخ الكون
وعلاقة الفرد بالخالق من منظور فلسفى نفسى قصصي، نجيب محفوظ ذلك الغائب الحاضر فى حياتنا الثقافية والإبداعية والذى كان من أوائل الأدباء المصريين الذين تمت مصادرة أعمالهم فى الستينيات كما حدث مع روايته الشهيرة «أولاد حارتنا» والتى صادرها الشيخ محمد الغزالى ومع هذا كانت أحد الأعمال التى أشادت بها الجمعية الأدبية التى منحته جائزة نوبل فى الآداب عام 1988، ولأن الذكرى السادسة لوفاة الأديب العالمى مرت يوم 30 أغسطس مرور الكرام على الأوساط الثقافية المصرية فإن ذلك مؤشر خطير وناقوس خطر أكيد على حالة الفن والإبداع فى الوطن فى ظل تيارات إسلامية سياسية اتهمت الأديب العالمى بالكفر والزندقة، بل وأحلت دمه وتمت مهاجمته فعلياً وتعرض لحادثة اعتداء وجرح ونزف وشارف على الموت فى سبيل الحرية والكلمة الشريفة والإبداع الحقيقى وحتى بعد وفاته فإن العديد من المتعصبين مازالوا يوجهون إليه سهام التكفير والتخوين، ولكن الغريب هو ذلك الصمت المريب من قبل المثقفين والمبدعين الذين لم يحتفلوا بذكرى محفوظ وهو الذى خصصت له الجامعة الأمريكية جائزة سنوية باسمه تمنح لأفضل عمل قصصى مصرى أو عربى كل عام فى حفل كبير يدعى إليه العديد من المبدعين محلياً ودولياً، بل والأكثر من هذا فإن الجامعة الأمريكية تنشر العمل الفائز وتترجمه وتسوقه داخلياً وخارجياً فى تقدير لمكانة وقيمة الإبداع والرواية وكذلك تكريماً وعرفاناً لأديب مصرى نال تلك المكانة العالمية.. لذا فلماذا لم تتحرك وزارة الثقافة ونوادى القصة وصالون القاهرة أو الأندية والأوبرا وقصور الثقافة وهيئة الكتاب لتعلن عن مسابقة وجائزة لاسم نجيب محفوظ وللاحتفال بذكراه كمناسبة لتأكيد حرية الإبداع فى مواجهة طيور الظلام القادمة بجوارحها الفتاكة التى سوف تقضى على الحريات وتهاجم الإبداع كما يحدث الآن للإعلاميين والفنانين والمبدعين، فكان أحرى بالمثقفين ووزارة الثقافة أن تكون الذكرى نوعاً من التأكيد والإصرار على الحريات التى كفلها القانون الدولى وحقوق الإنسان وجميع الأعراف والدساتير الحديثة لكن الصمت المريب هو ما يستدعى أن ينتفض الأحرار الذين يملكون ناصية الكلم لأن يطالبوا الجهات الثقافية بأن تحدث ثورة حقيقية فى فعالياتها ونشاطها لتسجل تاريخ وأسماء مبدعيها ومثقفيها للوطن وللأجيال الحالية والقادمة ليعرفوا أن هناك تراثاً عظيماً لآبائهم فى العلم والأدب والثقافة والفنون.
همس الجنون، ولأن محفوظ كاتب استشرف المستقبل فإن أولى مجموعاته القصصية همس الجنون تنبأت بأحوال المصريين الذين سوف يعيشون حالة من الجنون وهم يظنون أنها حالة من التغيير والإصلاح، فالوضع القائم