رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

زمن الخوف

ثاني مرة في حياتي أبدأ رحلة الخوف من السياسة والسلطة والحكم، أول مرة عشت تلك التجربة المريرة كانت في الطفولة حين هزمت مصر في نكسة 1967 وبدأت أستمع الى أبي وأصدقائه من كبار الكتاب والشعراء والمثقفين وأساتذة الجامعة المناضلين وهم يتهامسون في الصالون والمكتب أو عبر التليفون في كلمات رمزية مبهمة لا أسمعها ولا أفهمها لكني أستشعر معها بالخطر وأن هناك سرا حربيا يخفيه والدي عنا جميعاً بمن فيهم أمي على الرغم من أن والدي فنان وشاعر ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالعمل السياسي المنظم،

لكنه مثل كل المصريين صدم في المشروع الناصري وفي ثورة 52 وجاء يوماً أحد الشعراء من تلاميذ والدي ليخبره باعتقال أحد الأساتذة والاصدقاء وهنا رأيت كل مظاهر وملامح الخوف على وجه والدي وكان سؤاله عن حال أولاده وأسرته، وهنا أدركت أن القصة هي الخوف على الصغار وعلى البيت من الحاجة أو العوز.. وعندما جاء السادات وحدثت ثورة التصحيح في مايو 1971 وتعالت الأصوات ولمحت فرحة في صوت والدي وأصحابه وعلا صوتهم عبر التليفون ولم يعد الحديث همهمات أو مقتطفات لا تسمع وإنما تأكدت أن الخوف قد بدأ يتلاشى ويحتجب بعد اصلاحات تعرضت للحريات الشخصية ومنعت التجسس على التليفون وعلى الآخرين مع سقوط مراكز القوى ونصر أكتوبر العظيم.
وفي بدايات عصر مبارك انتعشت حركة المسرح السياسي الذي يحاكم وينقد الوضع والمسئولين بكل جرأة تصل الى حدود التطاول والاهانة الصريحة ولم تمنع مسرحية في ذلك الوقت حتى ولو كانت بأوامر من الرئيس لوزير الثقافة لأن المناخ العام كان حراً ورافضاً لأي قيود والفنانين والمثقفين كانوا في الثمانينيات يشكلون قوة ضغط تعادل قوة ضغط شبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي وتكفي مسرحية «علي الرصيف» لنهاد جاد و«أهلاً يا بكوات» للكاتب لينين الرملي وغيرها من الأعمال التي استهدفت نظام الحكم والوزراء وحتى الرئيس المخلوع مبارك لم يسلم من النقد في ذلك الوقت إلى ما بعد التمكين والسيطرة فإن الخوف بدأ يظهر في الأعمال الفنية والكتابات الصحفية التي تنتقد وتهاجم ولكن برمزية وليست بطريقة مباشرة، وإن كانت بعض الأفلام والكتاب تجرأوا على ذات الرئاسة والرئيس مثل عبد الحليم قنديل وجمال بدوي ومصطفى شردي وابراهيم عيسى ووصل الأمر الى حد الضرب والتهديد بالقتل أو الاتهام الصريح والتقديم للمحاكمة ومع هذا استمروا.
وبالرغم من التهديد فإن الكلام والصياح والحبر الذي كان على الورق أو عبر الفضائيات لم يكن يخيف النظام طالما أنه لا يتبع تنظيما أو حزباً أو حركة ولكنه تنفيس عن غليان شعب ووطن لهذا فإن العديد من الفنانين والمثقفين لم يكونوا من رواد أو زوار أمن الدولة لأن التعبير عن الرأي كان مباحاً في حدود الهواء أو حبر الورق مع وجود هيئة قضائية مستقلة ومحامين مستعدين

دوماً للدفاع ولنصرة أي مظلوم من ذلك النظام القمعي الفاسد.
وبعد الثورة انفجرت براكين الغضب والسخط وخرج من داخل المصريين مواسير من عنف وتمرد ومياه لوثتها أيام القهر والفقر والظلم وأصبح الشارع المصري يعاني من تدهور أمني وأخلاقي وانفلات في الحياة وتجرأ وتطاول على الجميع من يختلف معي ومن يرأسني ومن يسير إلى جواري وتحول البيت الواحد والأسرة الواحدة إلى ساحة صراع وخصام وتناحر ولا قانون ولا عيب ولا شىء بحجة الحرية والثورة وزهقت أرواح وسرقت ممتلكات وروع آمنون وأغلقت مصانع وانهار الاقتصاد لأن السلطة التشريعية رفضت مناقشة واقرار قانون يحظر التظاهر وقطع الطرق أو التعدي على الرؤساء والمدراء أو حتى الأفراد وذلك ليضمن القادمون فرصة الحشد والتظاهر والاعتصام وتأديب المعارضين.
وثانية عاد زمن الخوف فالجميع صامتون خائفون بعد أن طارت رأس الذئب الأبيض وتفجرت بشائر الارهاب الفكري لكل معارض ومخالف ما بين محاصرة لقناة أو تدمير مطبعة صحيفة أو ضرب اعلاميين أو اطلاق ميليشيات الرد الاليكتروني سباً وقذفاً ولعناً أو تجهيز كتائب محامين لتوجيه الاتهامات والخيانات لكل المختلفين وجرجرة أي انسان فكر يوماً في معارضة تيار الاسلام السياسي أو جماعة الاخوان المسلمين إلى المحاكم والنيابات مع التأكيد الدائم على حرية الرأي والتعبير والديمقراطية التي تسير في اتجاه واحد بسرعة الألف ميل دون أي محطة توقف فمن يعترض يدهسه قطارها الحلال.
واختفت الأصوات السياسية والحزبية ولم نعد نسمع عن أي معارض أو معترض على أي قرار حتى ولو كان غير دستوراً ومقيداً للحريات وجامعاً للسلطات ولهذا فانني أقر واعترف أن الخوف بدأ يتسلل الى قلمي وصوتي لكني مازلت حرة في فكري وعقلي وقناعتي وسأهزم ذلك الخوف سريعاً لايماني بأن الله معي ومع كل مخلص وطني مصري يبغي صالح بلده وخلاص على رأي شعبان عبدالرحيم.. بحب مصر وبكره اسرائيل وأعوان أمريكا واللي بالي بالك..