رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التجربة الأمريكية

من أسوأ التجارب التى مرت على حياتى تلك الرحلة السخيفة الكئيبة الموحشة إلى مدينة الأحلام وبلد الحرية والتقدم والسطوة والهيمنة، ولو أننى لم أحب تلك البلاد ولا حلمت بالسفر إليها إلا أنها العدوى والرغبة فى مجاراة الآخرين وكشف الحقيقة عن تلك البلاد التى يتفاخر كل من يزورها ويشعر بالتعالى والتميز كل من يدخل أبوابها ويحمل تأشيرة الهناء والرخاء.. الحلم لم يراودنى ولم يدق أبوابى ولكنه الحلم الذى وددت أن اكتشفه أو الحلم الذى رغبت أن أشارك فيه ملايين البشر على وجه الأرض وبداخلى دوماً نقر ودق وزفير فى أن هذا الحلم كاذب وإن تلك البلاد غامضة ومبهمة وغير كاشفة للحقائق.

حتى أحصل على التأشيرة مررت بعدة مراحل آخرها طابور يمتد إلى أكثر من عشرات الأمتار وأرقام تتعدى الألف فى اليوم الواحد، ثم أجهزة إنذار وتفتيش دقيق وفيروس تعالى وكبر التقطه المصريون العاملون فى السفارة، والذين يقومون بدور المفتش والضابط والمخبر والمنظم والخبير وهم متجهمون غاضبون قاطبو الحواجب لهم نبرة حادة مثل نصل السكين تقطع كل أوصال الود مع الآخرين، وما أن تجلس فى انتظار دور المقابلة إلا وتجد الوجوم والترقب يسيطر على الحضور الذين يحلمون بالحياة الأخرى والأمل المفقود والجنة المأمولة، ومازال بداخلى النقر والدق والنفير ينفرنى من الحلم ويبعدنى عن الأمل لكنه الوسواس الذى يصر على التجربة حتى لا تضيع فرصة الكشف والتميز المزعوم.
الطائرة كبيرة ورحيبة تتسع لمئات لكن طاقم الضيافة هو الآخر كئيب متجهم غير مهندم سريع يؤدى مثل الآلة أو الروبوت.. ابتسامة مصطنعة وأداء غير ودود وأناقة ضائعة والساعات طويلة وفجأة تهتز الحياة وتسقط الطائرة فى عدة مطبات وتتأرجح وتضاء الأنوار وربط الأحزمة وصفارة الخطر وتطفأ المصابيح ونعتدل فى الجلسة وتمر ساعات من الرعب أشعر خلالها أنها النهاية فأمسك بالمصحف التقط الكلمات وأرتل القرآن وأنا واثقة أنها نهاية الحياة وأبكى لأننى لن أرى حفيدتى الجميلة مرة أخرى، وأننى لن أمتع نظرى برؤية حبيبتى لبنى فى فستان زفافها وأحتضن صغارها، ولن تكون هناك فسحة من الوقت لأقول لأميرة كم أحبها ولبناتى وتلميذاتى وحبيباتى اللاتى أفتقد حبهن وأخطاءهن.. وتهبط الطائرة بعد رحلة عذاب استمرت 13 ساعة وعندما وطأت قدما أرض مطار نيويورك تذكرت أجمل مطار فى العالم مطار القاهرة الجديد ورائحة أهل بلدى الأحباء الطيبين المغلوبين على أمرهم، انتظرت ساعة ونصف الساعة لأجد حقيبتى التى تعاملت معها أجهزة الاستخبارات والمطار أسوأ معاملة.. وركبت السيارة التى أرسلتها بعثة السفارة ورأيت البيوت القديمة والأشجار الجرداء السوداء والسحب الكثيفة ورائحة الهواء الملىء باليود ومدينة السحاب والنظام والعمل والتجارة والحياة القاسية الموحشة بلا قلب ولا حب ولا مودة ولا إنسانية.
ولأننى أمثل وفد بعثة مصر الرسمية فى مؤتمر المرأة العالمى عضوة بمجلس المرأة الجديد الذى لا يتبع زوجة رئيس مخلوع، فإن مسئولى بعثة مصر الدائمة فى نيويورك تعاملوا معى بصفتى كائناً أدنى درجة وأقل مكانة من أن يعامل معاملة ملوك وملكات الماضى وحاشيتهم، فجميع الوفود الأفريقية والعربية كانت مجتمعة مع بعثاتها الدبلوماسية يحضرون لقاءات صحفية وإعلامية ويتواصلون اجتماعياً ودبلوماسياً يلقون الكلمات ويمثلون بلادهم وأنا بمفردى لا عون ولا مساعدة دبلوماسية

سوى مكالمة من السفير، والأخطر أن مصر أرسلت وفوداً غير رسمية من الأخوات المسلمات والشابات المسيحيات ومنظمات المجتمع المدنى التى تتلقى أموالاً من مشاريع الأمم المتحدة، ومع هذا لم تقم البعثة المصرية بدورها للتنسيق مع كل هؤلاء أو هاتى الوفود المصرية لتشكيل كتلة ضاغطة تعبر عن مكانة مصر وقيمتها خاصة بعد الثورة، وتصور الدبلوماسيون المصريون أن دورهم هو التواجد فى المحفل الدولى وليس خدمة مصر والمصريين وإعلاء شأن مصر الثورة ونسائها بعد رحيل السيدة الأولى التى كان أصحاب العقول والنفوس الضعيفة يتعاملون معها باعتبارها تمثل مصر ونساء مصر، لذا فإنهم لا يعترفون فى قرارة أنفسهم إلا بالسلطة وليس بالدولة، وأيضاً مفهوم الخارجية المصرية ينظر إلى المصرى خارج وطنه بأنه عبء ومشكلة تعوق الدبلوماسية المصرية.. حتى حين عقد المؤتمر النهائى فى الأمم المتحدة بحضور بان كى مون جلست على المنصة ممثلة السودان والعراق وحضر سفير العراق وتحدث الجميع عن مدى اهتمام تلك البلدان بالمرأة لدرجة أن 34٪ من أعضاء برلمان السودان الجنوبى نساء و25٪ من العراق برلمان، بينما مصر لم يتجاوز عدد نسائها المنتخبات 4 سيدات!
مازالت الثورة الحقيقية بحاجة إلى دعم عقول وقلوب وأيادى مصرية مؤمنة بأن التغيير الحقيقى ينبع من الداخل وأن تأشيرة الجنة كاذبة وأن الحلم الأمريكى حلم العمل والذاتية والتعالى، وأن الكلام والشعارات لن تؤدى بنا سوى إلى المزيد من الفقر والجهل وأن الحل الوحيد هو التعليم والعمل فإذا لم تتم محو أمية نساء مصر فى خلال 5 سنوات فإن مصر لن تنهض أبداً سواء اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً.
لم أسمع أذاناً ولا دق أجراس كنائس ولا أغنيات فى حب أمريكا ولم أر متسولاً ولا سائق ميكروباص متهوراً ولكنى رأيت أعمدة خرسانية وحركة إنسانية تشبه حركة الآلات وبرودة وأشجار سوداء وشوارع نظيفة وعربات مسرعة وزنوج غاضبة وبضائع صينية ومحلات عربية وإعلانات مستمرة لكننى لم أر أطفالاً ولا حدائق ولا دفئاً ولا مودة ولا تخلفاً ولا قذارة ولا زحمة ولا حماساً ولا كسلاً..إنها بلاد الحلم والكابوس الأمريكى.. فى تجربة إنسانية نسائية تستحق المشاركة.