رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طائر الحرية وغراب الخوف

إن حرية التعبير وحرية الإبداع لا ينفصلان عن كونهما أهم حق من حقوق الإنسان فى المواثيق والأعراف الدولية التى كفلت للفرد مبدأ الحرية فى مقابل العبودية والاستعباد لكن الدول العظمى مازالت تخدع الدول الصغيرة والفقيرة وتطلق شعارات براقة خلابة عن الحرية وهى فى الواقع تدفع تلك الدول إلى مزيد من العبودية والتبعية عن طريق نشر العنف السياسى وتمزيق الكيانات الكبرى

ودفعها إلى طريق التقسيم والحروب الداخلية والفتن الطائفية كما حدث بعد سقوط سور برلين عام 1989. وبداية العولمة السياسية والهيمنة الاقتصادية وما تبعها من تقطيع أوصال أوروبا الشرقية والثورات البرتقالية فى يوغسلافيا وشيكوسلوفاكيا وصربيا وأوكرانيا حتى تم تدمير الاتحاد السوفيتى وسقوط الشيوعية والاشتراكية وبداية الرأسمالية المتوحشة على مستوى العالم من دمج للشركات الكبرى وبزوغ الاتحاد الأوروبى واليورو ولكأن العالم أجمع قد صار فى قبضة الغرب الرأسمالى سواء الأوروبى أو الأمريكي، وامتدت ثقافة العنف السياسى إلى الشرق الأوسط فى حرب الخليج الأولى ثم الثانية ودخول القوات الأمريكية والتحالف إلى العراق ثم تقسيم السودان بعد مشاكل وحروب دارفور وأخيراً ثورات الربيع العربى فى ديسمبر 2010 فى تونس ويناير 2011 فى مصر ومارس فى ليبيا واليمن وأخيراً سوريا وكلها ثورات تنطلق من أجل حرية الفرد والتعبير والرأى لكنها لا تتم إلا فى إطار من العنف السياسى الذى قد يصل بالمجتمعات إلى الفوضى والحروب الأهلية تلك التى تستدعى التدخل الغربى لينشر الحرية والديمقراطية ويفرض سلطته العسكرية والسياسية والاقتصادية على دول غنية وثرية، إما بمواردها الطبيعية أو بقوتها البشرية والحضارية.
فإذا كان مفكرو العالم الغربى قد اعتبروا عام 1989 بداية تاريخ الإنسانية الجديد مثل «فوكوياما» و«هنتنجتون» و«برستون» وغيرهم فإن تلك البداية هى السيطرة الكاملة لأوروبا وأمريكا على التجارة العالمية منذ يناير 1995 لتفرض على كل بلاد العالم حرية التجارة والثقافة دون قيود وهو ما أدى إلى تفتيت القوميات وتشجيع الحركات الانفصالية وازدياد ظاهرة العنف على الصعيد الدولى والعربى وحتى بعد الفرج والأمل فى تغيير خريطة الوطن العربى من الديكتاتورية وحكم الفرد والقمع والقهر مع سقوط أقوى النظم الديكتاتورية فى تونس ومصر وليبيا واليمن، إلا أن ظهور التيارات على الساحة السياسية يهدد بشكل واضح سباق الحريات العامة وكذلك الخاصة وذلك بعد تصريحات بعض الجماعات المتشددة عن تكوين جماعات للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأيضاً محاولة بعض رموز تلك التيارات فى تقييد حرية الفكر والإبداع وربط الفن بالمنظومة الأخلاقية فقط أو تحليل العمل وفق معايير دينية ترتبط بالحلال والحرام وهو ما دعا المثقفين والفنانين والإعلاميين إلى تكوين جبهة وجمعية لحرية الإبداع والتعبير تقف فى وجهه أى محاولة لخنق الإبداع والفن من أى تيار أو اتجاه.
لكن القضية الأهم هى أن ثقافة الخوف انتشرت فى المجتمع المصرى خاصة بعد أن أصبح الاختلاف يعنى إما الانتماء إلى العهد البائد من الفلول أو الفساد أو أبناء مبارك أو أن الاختلاف على أساس دينى سواء إسلامى أو مسيحى أو أن الاختلاف يقع تحت طائلة القانون لحركات ليبرالية قد تتهم بالتمويل الخارجى لقلب نظام الحكم وهدم الدولة المصرية ولم يعد المواطن المصرى يقبل أى فكر مختلف عن رأيه وصارت الديمقراطية التى قامت من أجلها الثورة

مجرد شعار لا يمارسه المصريون حتى أكبر المثقفين والمفكرين ينفجر فى ثورة غضب واتهام لأى رأى مخالف لرأيه أما الإعلاميون والصحفيون فالويل كل الويل لأي فرد ينطق بكلمة أو جملة أو رأي لا يتوافق مع معتقداته وتوجهاته ولا ينحصر الأمر في تعليقات الشباب على شبكة التواصل الاجتماعي وهي تعليقات ساخرة وصادقة وبعضها يحوي سباباً وتطاولاً ولكأن العالم الافتراضي حر من أي قيود أو اعتبارات قد تسىء وتجرح وتسيل الدماء، فليس شهداء الثورة ومصابيها هم من فقدوا حياتهم أو أعضاءهم، ولكن هناك مصابين من جراء ثقافة حرية الابداع والعبير التي تصيب وتدمي ولا تعترف بفكر الاختلاف وتقبل الرأي والآخر في ظل فكرة الديمقراطية وحرية الفرد في اعتناق رأي أو فكر أو عقيدة أو سلوك يخالف الفرد الآخر لكن ما يربط الجميع هو الانتماء الى وطن والولاء إلى هوية والتمسك بثقافة تمتد حضارتها الى آلاف السنين ومع هذا فإن الخوف أصبح سمة تسيطر على المصريين جميعاً الكل خائف من الآخر والكل مترقب للآخر والنتيجة حالة مرعبة من العنف الاخلاقي والسياسي والاجتماعي تظهر ملامحه في سلوك الفرد والجماعة في الشارع وفي العمل وعلى صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون وهو ما يهدد الوطن ويثير مخاوف الجميع من يوم 25 يناير 2012 في ترقب لفوضى أو غوغائية يغذي نيرانها بعض الجهات الأجنبية وبعض النفوس الضعيفة التي تعتنق نظرية الأناركية أو الفوضى غير الخلاقة للموتورة كونداليزا رايس المتعصبة لبلاد العم سام..
كم تمنيت أن نقرأ التاريخ الحديث والمعاصر وعلوم الاجتماع والسياسة وننشرها لشبابنا ونحكي لشيوخنا وصغارنا عن تجارب ايجابية لبناء مجتمع حر اقتصادياً ومن ثم حر سياسياً وفكرياً يستطيع أن يتقبل الاختلاف الديني والعقائدي والفكري والسلوكي والمظهري وكل أشكال الحياة المتلونة بألوان الطيف عدة دون تجاوز حدود الحرية الإبداعية والتعبيرية الى عنف لفظي وفكري وجسدي وسياسي.. نختلف ونعارض ونحلم بالأفضل والأجمل ونصبو الى مصر الجديدة المدنية الحرة الأبية الكريمة العظيمة لكن لا نخون أو ندمر أو نحرق أو ننشر الخوف والذعر والفوضى فيقتل قابيل هابيل ولا يجد غراباً يواري سوءته.. طائر الحرية يغرد وغراب الخوف ينعق..