رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

البرادعي وحوارات الضمير

دراسة الخطب السياسية تتعلق بعلوم اللغة وكذلك الثقافة وعلم النفس والاجتماع ذلك لأن اللغة هى أداة التعبير الظاهري عن كل المكنون النفسي والعقلي للمتحدث وحيث أنت في لحظات اجتماعية فارقة في تاريخ مصر الحديث فإنه من واجبات المثقفين والأكاديميين دراسة أحوال مصر وتوجهات الرأي وخطابات السياسيين والشباب

من منظور علمي حتى يمكن تحليل الواقع بصدق وصراحة وعلم وليس وفق الأهواء والأغراض لمصلحة فصيل دون الآخر أو لتحقيق أجندات دون وعي أو دراية أو لأحداث فرقعات وصدمات اعلامية لجذب الانتباه والاثارة والحصول على الدعاية اللازمة للترويج والتربح.. وإذا كان المفكر والعالم اللغوي ناعوم شومسكي قد أبدع في مجال دراسة وتحليل الخطب السياسية لقادة أمريكا وخصهم بالتعمق جورج بوش الابن فإن آخر تصريحات الدكتور محمد البرادعي تستحق التحليل والتمحيص لمعرفة ماذا يراد بهذا الوطن وكيف يتأثر الشباب والثوار بالكلمة والعبارة التي تغازل النفس البشرية الطامحة الى التغيير وأيضاً التمييز أو التميز والاختلاف عن فكر الجموع أو ما يعرف في عالم السياسة بسلوك القطيع أو الغوغاء الذين لا يفكرون وانما تحكمهم العواطف والمشاعر وقيادة مغناطيسية تتحكم في تحركاتهم وتوجه سلوكهم بصورة جماعية.

بدأ الدكتور البرادعي تصريحه بعبارة غريبة لا تتفق وسياسي محنك وقائد يطمع في حكم دولة بحجم مصر تعاني من فوضى وفساد وكساد اقتصادي وتدهور اخلاقي وغياب للرؤية وجهل وأمية وفقر أي أنها دولة ووطن في حالة مرضية حرجة تستدعي القوة، والحزم والصدق والرؤية السليمة الواضحة وليس عبارة «بعد حوارات عديدة مع ضميري» هل يعقل أولاً أن تكون حوارات الضمير الذي لا يعرف أحد ماذا يتضمن هي المدخل والبداية التي تحدد وتقرر قرار البرادعي بأن ينسحب من الترشح لرئاسة الجمهورية بدلاً من أن يكون الحوار أو الحوارات مع المجتمع والشباب والمثقفين والمعارضين وحتى مع المجلس العسكري حتي نعرف بالضبط ما هو الدافع وما هي الأسباب التي دعته الى ذلك الانسحاب ثانياً الاسباب التي طرحها البرادعي تحمل كماً هائلاً من التناقض غير المفهوم ولكنها عبارات رنانة تصلح علي منابر السياسة للانتخابات وليس لبناء مستقبل جديد لمصر فمثلاً قال: «ان العشوائية وسوء ادارة العملية الانتخابية يدفعان البلاد بعيداً عن أهداف الثورة مما يشعرنا جميعاً أن النظام السابق لم يسقط» ثم يستطرد قائلاً: «ان المشاركة بكثافة في العملية الانتخابية - رغم عيوبها الواضحة - تعزز الثقة في قدرة الشعب على ممارسة الديمقراطية وحكم نفسه بنفسه».

القارئ البسيط لهاتين العبارتين كيف له أن يعرف ماذا في ضمير البرادعي هل هو متأكد أن النظام لم يسقط وإذا كان كذلك فكيف تنم انتخابات جديدة يشارك فيها الشعب بكثافة مما يؤكد أن الشعب هو الذي اختار طريق صناديق الاقتراع بقوة وكثافة عددية حتي وإن اختلفنا مع اختياراته إلا أنه شعب قرر طريقاً محدداً مما يثبت قدرته على حكم نفسه كما صرح البرادعي؟!!.. ومع هذا يقول أن أهداف الثورة لم تتحقق ولذا فإنه في ضوء تلك الظروف فقد قرر عدم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وهذا ليس

انصرافاً عن الساحة بل استمراراً لخدمة هذا الوطن بفاعلية أكبر من خارج مواقع السلطة ومتحرراً من كل القيود».

إذن يعترف الدكتور البرادعي ان مواقع السلطة ومراكز المسئولية بها العديد من القيود والاعتبارات التي قد تحد من حرية القرار وسرعته لعدة أسباب وتوجهات ترى الصورة كاملة من كل الجوانب وليس من جهة واحدة أو صورة جانبية وإنما صورة شاملة ومن هنا فإن عدم الترشح من وجهة نظر  البرادعي هو للتحرر من المسئولية وأيضاً لأن النظام لم يسقط ولأن الشعب اختار بكثافة طريق صناديق الاقتراع وهو قادر على حكم نفسه بنفسه ولأن أهداف الثورة لم تتحقق بتطهير القضاء والاعلام كما ذكر البرادعي ولأن بناء الوطن هو في استمرار الثورة والاحتجاج السلمي لإعادة بناء مصر الحرة الأبية بشبابها الذين لم يلوث ضميرهم فساد النظام وأساليبه القمعية.

مرة أخري يستخدم الدكتور البرادعي كلمة الضمير وهي كلمة ومعني لا يمكن إدراكه علي المستوي المادي إلا من خلال العمل والسلوك لذا فإن القانون والدين هما من يحددان صدق الضمير أو النية عبر التواصل مع المجتمع والآخرين، لهذا فإن ضمير الشباب الذي لم يلوثه ضمير الغائب حيث إنهم جزء من المجتمع والمجتمع كله في حالة فوضي أخلاقية تعبر عن نفسها في سلوك الشارع والمرور والعمل والغش والبلطجة الأخلاقية وكسر كل القوانين والأعراف والشعور بالتعالي وهدم كل القيم ومهاجمة الثوابت والكبار بحجة الفساد والجمود وكأن الكون يقف في سلم ودرجة واحدة وليس درجات متتابعة وحلقات متصلة ما بين ماض وحاضر ومستقبل.. إن خطاب البرادعي يحمل العديد من التناقضات والسلبيات وكان من الأجدر به أن يرسم لمصر خريطة اقتصادية وادارية وسياسية جديدة يقدمها للشعب بكامل طوائفه ويطرحها للدراسة كمشروع حقيقي للرئاسة أو حتى للبناء وتحمل المسئولية وتبعاتها وخوض المعركة والفوز أو الخسارة والحوار مع الشعب وليس مع الضمير حيث قال ان «الثورة هي ضمير الأمة» والثورة حالة لكن الضمير دائم ومستقر على حد علمي وعلم النفس..

بقلم: د. عزة أحمد هيكل