تمثال العجوة
يساور الانسان الشك احيانا في أن اناس من هذا الشعب قد قاموا بثورة ، ونجحوا في ثمانية عشر يوما في التخلص من نظام حكم فاسد ظل جاثما على قلوبهم سنوات طويلة ، القوا برأس هذا النظام وعددا كبيرا من ذيوله خلف القضبان، وهبوا يصطفون في صفوف طويلة يمارسون حقوقهم الديمقراطية
في اختيار نوابهم ودستورهم ورئيسهم، ثم بدءوا يأكلون كل ما صنعته ايديهم وكأنها تماثيل عجوة عشقوها حتى جاعوا فقرروا التهامها.. البعض يأكل تمثاله لأنه لم يحقق له رغباته التي اشترطها عليه وهو يبنيه، والبعض الاخر يأكله لأنه ليس على هواه، لا يحب أن يراه في هذه المكانة العليا، ويرى نفسه أحق منه بهذا المقام الرفيع.. كيف أصنعك وارقيك واضع التاج على رأسك، ثم اجدني متوسلا اليك كي اتحصل منك على موعد أو تلبي لي طلبا؟ والبعض الثالث لا يحب العجوة نفسها، ومهما صنعت له منها من أشكال وأحجام ، فلن يرضى عن سقوطها وزوالها وأكلها بديلا، يريد تمثالا على السكين، قلبه أحمر وطعمه طيب.. والبعض الاخر يريد أن يكون هو نفسه التمثال، ولما لا .. ما الذي ينقصه؟ لقد كان على بعد خطوات قليلة من هذا الحلم، لكن ويال الاسف الشديد لم تكن كمية العجوة تكفي لصنع تمثال كامل، لم يكن الرأس موجودا.. وتمثال بلا رأس لن يجد من يعشقه.
ثائران رفضا أن يتشاركا في كمية العجوة .. كل منهما رأي نفسه في التمثال، وظن أن ما يمتلكه كافيا لهذا الغرض.. لكنه الطمع وسوء تقدير الامور، والزعامة الوهمية التي رسمها كل منهما في خياله.. عاشا في الحلم حتى استيقظا على كابوس الهزيمة، فجن جنونهما، وأقسما أغلظ الايمان على أكل التمثال وصاحبه مهما كلفهما ذلك من ثمن... الدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة تبدو حلا نموذجيا للدخول في الحلم من جديد لعله يكتمل هذه المرة .. كان حمدين صباحي وحده هو من يتبني هذه الدعوة .. كان حمدين واضحا ومباشرا منذ البداية، منذ أول كلمة خطت في الدستور الجديد، وهو يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة تماشيا مع الدستور الجديد الذي يجب معه أن يعاد بناء مؤسسات الدولة جميعها من جديد بما فيها رئاسة الجمهورية، لم يسأل أحد حمدين إن كان هو من يسكن القصر، فهل يغادره طواعية راضيا مرضيا ليدعو الى انتخابات رئاسية جديدة؟!! .. وبمرور الوقت ومع الموافقة على الدستور الجديد، ومع فشل محاولات رفضه واسقاطه ، عاد حمدين وتياره الشعبي للتأكيد