رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسطورة الموضوعية !!

أول درس يتعلمه طالب الاعلام في عالمنا العربي هو أن يكون موضوعيا ومحايدا، وأن ينحي آرائه جانبا وهو يطرح أي قضية أو موضوع للمناقشة في أي وسيلة اعلامية سواء كانت مسموعة أو مقروءة أو مرئية ..

والموضوعية هنا ليست مفهوما خياليا لا يمكن تحقيقه، ولكنها مفهوما ماديا يمكن الوقوف عند محدداته ومؤشراته لمن أراد، ومن ثم تكمن الصعوبة الحقيقية في قضية الموضوعية في الرغبة الجادة من الاعلامي أو الوسيلة التي يعمل بها في السعي نحو تحقيقها .
التحيزات الشخصية للاعلاميين تمثل أحد أهم العقبات في طريق الموضوعية، حيث يعمل الاعلاميون في سياق سياسي مضطرب ومتباين يمور بخلافات وصراعات كبيرة بين أطراف متناحرة ، يحشد كل منها جميع اسلحته من أجل كسب أرضية جماهيرية لأفكاره ومعتقداته ومصالحه الحزبية، ومن بين أهم هذه الاسلحة هي الاعلام، وفي القلب منه الاعلاميون.. القائمون بعملية الاتصال الذين يحولهم العمل الاعلامي الى نجوم ساطعة لكل منهم مريديه وعشاقه وجماهيره الذين يعتقدون ويؤمنون فيما يقول ، حتى أن الامر يصل ببعضهم إلى درجة من " التوحد " المرضي بينهم وبين الاعلامي الذي يحرصون على متابعته ويصدقون أفكاره، ولذا فإن ظهور مثل هذه التحيزات الشخصية للاعلامييين على أدائهم المهني يؤثر كثيرا في أراء وسلوكيات المتلقين ، ويحولهم إلى نسخ مكررة من بعضهم البعض .. فعندما يظهر الاعلامي تحيزه لصالح طرف ما ضد طرف اخر، فهو في هذه الحالة لا يخاطب فقط جمهوره من المؤيدين الذين قد لا يكونوا في حاجة فعلية الى هذا الخطاب الاعلامي المتحيز، ولكنه يسعى وراء معارضيه ، محاولا تغيير أفكارهم أو على الاقل تحييدها.
ثاني هذه العوائق هي اللغة الاعلامية نفسها، والتي تمتلك العديد من التكنيكات اللغوية التي يتم توظيفها في العمل الاعلامي، وبخاصة في القضايا السياسية مثل : اعادة تسمية القضية بغير مسماها الحقيقي، أو الصاق صفة سلبية أو ايجابية بهذا المسمى على غير حقيقته، أو استخدام التعبيرات البلاغية بأشكالها وصورها المختلفة، والجمل الانشائية مثل الجمل التعجبية والاستفهامية، فضلا عن الارقام التي يمكنها أن تصبح فيروساً يؤدي إلى تشويه وتدمير الحقائق والمعلومات التي تحتويها، كما أن استخدام المفردات والالفاظ القوية أو الضعيفة في غير مكانها يساهم بدوره في تقوية أو تخفيف الاثر الناجم عن تلقي الحدث السياسي في صورته الاعلامية.. وبطبيعة الحال لكل من هذه التكنيكات اللغوية دلالته التي تستقر في نفس وذهن المتلقي، وتؤثر في سلوكياته وتصرفاته وقراراته .. ولذا ينبه المتخصصون في الاعلام السياسي المتلقين عند تناول القضايا الصحفية السياسية، إلى أن العلاقة بين اللغة والسياسة، يقودها الإعلام. فبين الحدث السياسي واللغة التي تعبر عنه، مؤسسة إعلامية هي الصحيفة أو القناة التلفزيونية أو المحطة الاذاعية أو شبكة الانترنت، تحكمها اتجاهاتها وأيديولوجياتها وأهدافها وسياستها التحريرية، ومن خلال هذه المؤسسة وقنواتها يمر الحدث السياسي، ويعاد تشكيله وفقًا لأهداف هذه المؤسسة، ليخرج للقارئ وقد صيغ لغويًا وفقًا لهذه الأهداف".
أي أن الإعلام هنا "يتوسل بإمكانات اللغة وقدراتها التعبيرية.. هروبًا من بعض المآزق السياسية أو المسئولية الإعلامية حينًا، وتشكيلاً لتوجهات المتلقي حينًا، وكشفًا للمسكوت عنه حينًا، ومراوغة وإلهاءً وتضليلاً أحيانًا. وعندما يحدث كل هذا يتحول اللفظ اسمًا كان أو صفةً من مجرد لفظ لغوي عادي إلى لفظ مشحون بأيديولوجيا (أي لفظ مؤدلج) ويتحول استعمال بدائل التسمية والصفات إلى تصنيفات أيديولوجية" .
ثالث مكونات التحيز في العمل الاعلامي، يتمثل في المصادر التي يتم انتقائها وتقديمها للجمهور المتلقي على أنهم خبراء في المجال المطروح للمناقشة، دون التركيز على الخلفيات السياسية والثقافية والدينية التي تشكل عمقا استراتيجيا لكل ما تطرحه هذه المصادر من تحليلات وتفسيرات للحالة السياسية والثقافية والاجتماعية في المجتمع ، ويمكن للمصادر في هذه الحالة أن تلعب دورا كبيرا في التأثير على تصورات وادراك المتلقين للقضية المطروحة للنقاش، وذلك من خلال بعض الاليات ، منها انتقاء المصادر التي تشكل بانتماءاتها السياسية وايديولوجياتها الفكرية ميلا نحو طرفي القضية، وضد الطرف الاخر، ومن ثم يسير النقاش في اتجاه واحد فقط، أو أن تدعي الوسيلة الاعلامية الحيادية وتمثل طرفي القضية في نقاشها ، غير أنها تميل باتجاه أحد الاطراف كميا من خلال زيادة عدد المصادر التي تمثله ، أو اتاحة وقت أطول ومساحة أكبر لمصدر بعينه دون بقية المصادر ، أو نوعيا من خلال تمثيل أحد طرفي القضية بمصدر يتمتع بثقة ومصداقية عالية بين أوساط الرأي العام، مقابل مصدر ضعيف اعلاميا، ولا يحظى بنفس القبول والمصداقية، ومن ثم يصبح لهذه المصادر الفرصة الأكبر في التأثير على المتلقين.
اجمال ما سبق يعني أن الموضوعية والحيادية المهنية أصبحت أسطورة لا وجود لها في العمل الاعلامي ، وعلينا الاعتراف بهذه الحقيقة دون خجل، لأننا أصبحنا ننتهكها كل يوم في صحفنا وقنواتنا التلفزيونية ومواقعنا على شبكة الانترنت، ومن ثم بات علينا بدلا من أن نعلم طلابنا الموضوعية ، وكيفية تحقيقها وممارستها، علينا أن نعلمهم التحيز وفنونه!!.