الثقافة الغائبة في مصر
المتأمل للواقع الثقافي في مصر بعد الثورة يكتشف أنه لا فرق جوهرياً حدث في صورة الثقافة بعد الثورة عما كان قبلها. صحيح أن الوقت مازال مبكراً للحكم علي وزارة الثقافة وما ستقوم به من تغيير لوضع الثقافة في مصر، فخمسة شهور من عمل الوزير التجديد من الصعب أن تعيد بناء وخلق ما أفسدته سياسات الإهدار لأطول الوزراء تولياً في عمر مصر.. فاروق حسني الذي ظل في منصبه 24 عاماً متواصلة لم تختلف فيها ثقافة الإنسان المصري كثيراً يوم توليه عن يوم مغادرته وإنما كانت كلمة (الثقافة) حكراً علي الإنتلجنسيا التي كان همها الأوحد التنافس علي الجوائز والمنح والمكافآت ومنح التفرَّغ والنشر في مكتبة الأسرة (التي تتصدرها صورة سوزان مبارك راعية المشروع) والظهور الاستعراضي الفارغ من أي قيمة يقدمونها للناس. ظلت طاحونة الثقافة تطحن الماء في مصر هدراً طيلة عقدين ونصف العقد. والآن جاءنا وزير منفتح، المفترض أنه ينتمي إلي المعارضة وقريب من الناس، حتي إننا قرأنا تصريحه بعد الثورة بأن الوزارة مكانها الحقيقي بين الناس في الشوارع والقري لا المسارح والمكاتب المكيفة. وأنه سيقوم بالعمل بدءاً من الصعيد المنسي المهمش الذي فاته الكثير من ذهب الثقافة وعزّها. تفاءلنا خيراً بتصريحات الوزير.. والتي ظلت إلي الآن تصريحات لا تحمل إلا النوايا الحسنة حتي قرأنا في (أخبار الأدب) عنواناً رئيسيا للجريدة يشير إلي أن وزارة الثقافة بكثرة ما أصدرت من تصريحات أصبحت (وزارة النوايا الحسنة)!
والمتابع لإعلان جوائز الدولة التي ظهرت نتائجها من أيام وما رافقها من ضجة ودوي واعتراضات وانحيازات حادة في الرأي بين أن فلانا يستحق وفلاناً لا يستحق ونالها بالوسائط والمحسوبية والعلاقات.. إلخ يشعر بأن هذه المنطقة في مصر - الثقافة - لم تمر عليها الثورة! الوجوه نفسها، آلية انتخاب المقربين من الجوائز ثم التصريحات نفسها بين مهاجم ومدافع.
لقد عملت في المجلس الأعلي للثقافة قبل مغادرتي مصر، وقبل مغادرتي المجلس الأعلي للثقافة مروراً من آليات العمل به، وكان يرأسه آنذاك جابر عصفور وينوب عنه وزير الثقافة الحالي عماد أبوغازي. لا أنكر أن الدكتور أبوغازي كان
إن مصر قامت بثورة لم تحدث في التاريخ كثيراً. وأول الانعكاسات الإيجابية البناءة لهذه الثورة إنما يجب أن تبدو علي إنسانها قبل أي شيء آخر.