أخطاء مبارك الكبرى
أن أبرز أخطاء حسني مبارك كان بقاءه ثلاثين عاما في السلطة، سمح فيها خلال الخمس سنوات الأخيرة لأعوانه أن يزحفوا تدريجيا على السلطة لكي يقتسموها أو يتنافسوا فيها. ولما كانت الصفة السياسية ليست ذائعة بينهم، فإنهم تركوا فراغات كثيرة ينفذ منها آخرون يبحثون عن دور ونصيب.
هؤلاء كونوا حلقة حول الرئيس سموها «حلقة النار» التي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم، وكانوا حريصين على إبلاغ كل من يقترب بأن الاحتراق قادم بلا جدال. وهكذا كان مبارك ضحية السلطة بقدر ما كانت السلطة ضحية له، فقد انتهى وجوده فيها إلى أنه بات أسيرا بالرضا أو بالرغبة لجماعة وضعته في الظلام حتى عندما اشتد الحال أيام الثورة إلى درجة لم يعلم فيها ما يجري في البلاد حقا. وعندما نجح الدكتور حسام بدراوي الأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي في أن ينفرد به يوم الأربعاء 9 فبراير الماضي قال له باللغة الإنجليزية: سيادة الرئيس إنك تواجه لحظة تشبه تلك التي واجهها تشاوشسكو في رومانيا؛ فما كان من الرئيس إلا أن رد مندهشا، وباللغة الإنجليزية أيضا، هل الأمر بهذه الدرجة من السوء؟كان ذلك قبل يومين من التنحي، وقبل ستة شهور تقريبا من المحاكمة التي يبدو أنها سوف تكون قانونية وسياسية في نفس الوقت. ومن الناحية القانونية البحتة فإن هناك أمرين في صالح الرجل: أولهما، واستنادا إلى قرار سنه الرئيس أنور السادات فإن حسني مبارك بعد تنحيه عن الرئاسة يعود فورا إلى القوات الجوية برتبة فريق أول، ومن ثم فإنه يخضع بالفعل للقانون العسكري ومن ثم ينبغي نقل القضية كلها من القضاء المدني إلى العسكري الذي سوف يبدأ من جديد وفق تقديرات مختلفة. الأمر الثاني هو أن مبارك وقتما ارتكب ما هو منسوب له من جرائم - أساسا التربح والفساد المالي وإصدار الأمر بقتل المتظاهرين - كان رئيسا للجمهورية وفقا لدستور 1971 الذي يضع قواعد خاصة لمحاكمة رئيس الجمهورية طبقا للمادة 85 التي تنص على أن مجلس الشعب هو الذي يحاكم الرئيس في حالات الخيانة العظمى والجرائم الجنائية عن طريق محكمة خاصة يطلب فيها الاتهام ثلث أعضاء المجلس ويصدر قرار الاتهام بأغلبية الثلثين. وللحق فإن عددا من فقهاء القانون شككوا في انطباق المادة 85 على الرئيس مبارك الآن خاصة بعد تنحيه، وسقوط الدستور كله، ومن ثم فإن مبارك يصبح مواطنا عاديا ينطبق عليه القانون المدني المصري ولكن المشكلة مع هذا المنطق أن الأوضاع القانونية لا تطبق بأثر رجعي إلا في حالات بعينها حددها القانون، ومن ثم لا يجوز محاكمة شخص بقوانين تختلف عن تلك التي ارتكب في ظلها الجرائم المنسوبة إليه. الجدل القانوني هكذا متوقع في كل الأحوال، والمحاكمة تضع القضاء المصري كله في موضع اختبار كبير سواء كان هذا الاختبار عن طريق المجتمع الدولي وفقهاء القانون فيه، أو عن طريق الإعلام؛ أو أن الاختبار سوف يكون عن طريق الثورة المصرية التي لا تتلاقى أطرافها إلا على هدف