رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صدام الشباب مع شيوخ السياسة

أن الحركة الإسلامية فى مجموعها دخلت فى مراجعات مهمة ونقد للذات مست ما كان يعتبر فى الماضي فى حكم المقدسات الفكرية، وتراجع الطابع الديني المطلق الذي كان يصبغ توجهاتها الفكرية والسياسية،

ونزعت هذه الحركات عن نفسها (باستثناء التنظيمات الجهادية) رداء القدسية واحتكار التعبير عن الإسلام، واشتد الحوار داخلها بشأن البحث عن اجتهاد فقهي وسياسي جديدين هو الأقرب لاتجاه الوسطية والاعتدال.
لكن الكاتب يعتبر أن ذلك لا يعنى أن الحركة الإسلامية انطوت صفحاتها وأصبحت شيئا من التاريخ، فما تزال عناصرها قائمة على أرض الواقع، بل إنها بدأت تأخذ أشكالا جديدة من التعبئة وتفرز قيادات أخرى مغايرة فى فهمها وتقديرها لأهداف هذه الحركة عن عناصر الحرس القديم، كما أنه من ناحية الإدراك العقلى فإن الحركة لا تموت وإنما تصعد وتهبط وفقا لظروف كل مرحلة اجتماعية وسياسية لكنها لا تندثر.ما أعتقد أن جيلين اصطدما في عصر واحد كما يصطدم الشباب العربي مع شيوخ السياسة العربية في عصرنا الحاضر؛ فشيوخ السياسة عندنا نشأوا في عصر الضغط والإرهاق، وفي عهد التملق والحذر والمداراة، فلما خاضوا معركة السياسة ألفوا أنفسهم أمام دولة طامعة قوية تُدلُّ بقوتها وتتيه بكبريائها، ولم يحاولوا أن يكونوا خياليين في مطالبهم من هذه الدولة؛ فقصروا حركتهم على ما يمكن تحقيقه من مطالب الأمة، ولم يشاؤوا أن يصطدموا مع المستعمرين إلا مكرهين! فإذا أصابهم نفي أو سجن أو عنت أو عذاب، كان ذلك نتيجة تعسف المستعمر أكثر من أن يكون نتيجة عملوا لها بأنفسهم وعرفوا خاتمتها وهم في أول خطواتها.
ومن حسن حظ هؤلاء الزعماء أن كان في الأمة بقية من إيمان!. حفزها للعمل والتضحية، ونفخ فيها روح الأنفة والكرامة، ثم ألقاها في أتون الثورات والمعارك والاصطدامات؛ فقوافل الضحايا والشهداء والجرحى والمشوهين، وآثار الخراب والثكل واليتم والفقر، إنما كان نتيجة لازمة لثورة الأمة النفسية التي أجج الإيمان أوارها، ولم يكن نتيجة روح أثارها زعماؤنا الشيوخ، ولا خطط أحكموا وضعها!.
ولما حاول المستعمرون أن يفاوضوا الأمة الثائرة لم يجدوا أمامهم إلا هؤلاء الشيوخ وهم على وطنيتهم وإخلاص كثير منهم ورغبتهم في إنقاذ أمتهم، لم يكونوا على قدر كبير من متانة الأعصاب، لأنهم في الواقع كانوا يجهلون حيوية الأمة، وطبيعة الاستعمار، ومن ثم كانوا يعتقدون بضعف أمتهم، وقوة أعدائهم، فكان أقل ما يلوح لهم به المستعمر كافياً لأن يعدوه كسباً عظيماً ونصراً مبيناً. كذلك فعلوا عام 1936 في سوريا وفي مصر؛ إذ كانوا ينعتون ما حصلوا عليه من معاهدات يومئذ بينهم وبين المستعمرين بأنها وثائق الشرف والاستقلال! هذا بينما لم يتورعوا عن إضافة ذيول سريعة للمعاهدة تُفقد كل ما بقي للأمة فيها من مظاهر الاستقلال.
ذلك الجيل الضعيف في أعصابه، الشاك في حيوية أمته، الفزع من قوة أعدائه، البسيط الطيب الذي يخدع بالمواثيق بل بالابتسامات والتحيات! هو الذي يقف اليوم حائلاً دون اندلاع النار! نار الشباب الذي يستهين بالصعاب، نار الإيمان الذي يهزأ بقوى الأرض، نار الكرامة التي لا تعرف أنصاف الحلول ولا متوسط الأمور! هذه النار هي التي تضطرم في نفوس الجيل الجديد، ولكن شيوخ السياسة يحاولون إطفاءها؛ لأن الحكمة تقضي بالوقوف في وجه السياسة الهوجاء! ويريدون بالهوجاء كل تطرف في الوطنية، وتصلب في الحقوق، واعتزاز بالكرامة، ويرون من مظاهر هذه السياسة الهوجاء، كل ثورة وكل تظاهر، وكل عنف مع المستعمر؛ لأنهم أعطوه الموثق الأكيد أن يسيروا معه إلى نهاية الشوط، فكيف يتركون هؤلاء الشباب يغضبونه ويثيرون حفيظته، فتضيع الكراسي، ويذهب الجاه، وتفوت المغانم، وذلك كله عندهم معناه ضياع الاستقلال!.
إننا نمسك اليوم بالعصا نقرع بها ظهور الخوالف، ونهدد بها سلطان الباغين، ولكن شيوخنا الكبار يريدون أن يحملوا الزهور والرياحين ليشهد لهم المستعمر أنهم أهل للحكم ومحل للثقة، ومهما حاولوا أن يقنعونا بسداد آرائهم، وصدق حكمتهم؛ فنحن مع اقتناعنا بذلك نريد أن نسير!.
بشكل عام فشلت هذه القوى فشلاً ذريعاً في تقديم النموذج الملتزم بالإيفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها وبأنها زاهدة في السلطة. إدانتهم لشرعية الميدان لصالح شرعية البرلمان ومن أجل الاستقرار ولأن عودتهم للميدان. هذا بحكم رغبتهم في الاستيلاء على مقاليد السلطة برلمان وحكومة ورئاسة كانت المحرك الحقيقي للعودة للميدان، الخلاف مع العسكر رغم عدم قدرتهم على المواجهة.
أما القوى السلفية، رغم حداثة عهده في العمل السياسي لكنهم سايروا الإخوان في الانخراط بالعمل السياسي ومشاركتهم الإخوان في احتكار تشكيل لجنة الدستور وكانوا ينتقدون المشاركة في العملية الديمقراطية والتمسك برفض الخروج عن الحاكم.
شباب الثورة والقوى الأخرى، فقد برزت المصالح الشخصية وتشكيل مكونات تنظيمية عرقت اندماج الكثير من الأحزاب، أما الخطابات اليسارية والليبرالية المطروحة تتسم بالجمود وعدم القدرة على الاستجابة لمشاكل المجتمع في هذه المرحلة التي اتسمت بهيمنة الإسلام السياسي المحافظ والمهيمن على الثقافة السائدة بين الناس. ما زال الشباب لم يأخذوا دورهم المنوط بهم في قيادة العمل وما زال كبار السن هم المحتكرين لقيادة الأحزاب والقوى المدنية.
وهذا ما دعى أحد شيوخ  التيار السلفي المعاصر عبد الرحمن عبد الخالق أن يعتبر ترشيح الشاطر من باب الغدر وإخلاف الوعد والعهد. وهي الوعود التي كانت مبرراً لقرار الجماعة من قبل لفصل أبو الفتوح، أما حزب البناء والتنمية التابع للجماعة الإسلامية التي عرفت بالعنف وسيلة للتغيير في التسعينيات ثم تخلت عنه. إن ترشيح الشاطر قرار صائب لا مناص من تأييده.
أما تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور فقد كشفت نوايا الجماعة في استبعاد الآخرين ووضع دستور على مقاسها الخاص وليس على  مقاس المجتمع المصري ككل، لذلك جاءت الانسحابات من الأعضاء المحسوبين على اليسار على التيار المدني الليبرالي وانسحاب الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية ونقابة العمال. أما حزب الجماعة حزب الحرية والعدالة فقد عبر عن رغبته في إقالة الحكومة وتشكيل حكومة ائتلافية يقودها، بهذا تكون الجماعة قد أماطت اللثام عن وجهها الحقيقي وأنهم في عجلة من أمرهم وبشكل محسوب ومدروس من أجل الإمساك بمقاليد الحكم مرة واحدة وإلى الأبد. هل يتحمل الإخوان مسؤوليتهم التاريخية قبل فوات الأوان فيقوموا بسحب مرشحهم الاحتياطي كبادرة حسن نية والتوافق على مرشح رئاسي واحد لقوى الثورة، وأن يدركوا أن صاحب الشرعية هو الشعب. المفكر المصري جمال أسعد يقول أنه لا توجد دولة دينية وأخرى مدنية، بل هناك

حكومة مدنية وأخرى دينية، ذلك لأن الدولة هي كيان ذو عمق حضاري، وشدد على تأسيس عقد اجتماعي يحدد ثوابت الدولة ويكون فوق الدستور بمعنى أن يستمد الدستور مواده من هذا العقد الاجتماعي حتى تصبح مصر ذات نظام سياسي واجتماعي واقتصادي متفق عليه ولا يشوبه أي خلاف. فلا يكون هناك تخوف من أن يأتي حزب ذي مرجعية دينية أو شيوعية أو ليبرالية أو ماركسية، لأننا نضمن وقتها أن جميعها لن ولم تستطع الخروج على الثوابت التي وضعها العقد الاجتماعي والدستور
الرغم من الحراك السياسي المصري في السنوات العشر الأخيرة، وتقدم الإخوان المسلمين كقوة إسلامية صفوف المعارضة، إلا أن التيار السلفي بشكل عام غاب عن هذا المشهد، مع امتلاكه أدوات تعبئة فضائية وانتشار في أغلب المحافظات، واكتفت رموزه بمواعظ عامة -ردًّا على سؤال أو تعليقًا على موقف- تُختتم غالبًا بالدعاء بالصلاح لولاة الأمر وأن يهديهم الله لتطبيق الشريعة وأن يجنِّب البلاد الفتن. اعتبرت الدعوة السلفية أن واجب الوقت هو "التصفية والتربية،" وليس الجلوس في مقاعد المعارضة، وأن الانشغال بتفاصيل السياسة نوع من "أحاديث السمر"، التي يُقطع بها العُمر دون فائدة. لذا، فإن الخطاب السلفي كان يُعنَى بالتأصيل العلمي العقدي، أي البُعد الأيديولوجي، لا العمل السياسي. كذلك تمسكت الجمعية الشرعية وجمعية أنصار السنة المحمدية بموقفهما التقليدي (رفض الخوض في أمور السياسة للأولى، وتأييد المواقف الرسمية مع الهجوم على المعارضين الإسلاميين للثانية).
مع انتشار دعوة للتظاهر يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011، في أعقاب سقوط نظام بن علي في تونس، سُئِل الشيخ ياسر برهامي عن حكم المشاركة في هذه التظاهرة؛ وقد نُشر الرد على موقع صوت السلف الذي يشرف عليه بتاريخ 21 يناير/كانون الثاني 2011، مؤكدًا موقف الدعوة الرافض لهذه المظاهرات، تمسكًا بالدين، وتغليبًا للمصلحة، وتجنبًا للفتنة؛ كما أكد إجماع العلماء على هذا الرأي، مع عدم الرضا عن أي مظلمة أصابت الناس خاصة تغييب شرع الله (29). وقد تمسكت الدعوة بموقفها الرافض يوم "جمعة الغضب،" ونشر الشيخ برهامي خطبة جمعة مقترحة ليوم الجمعة 28 يناير/كانون الثاني 2011، أكدت على أن الإصلاح المطلوب هو "إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين"، ووضعت خطوطًا عامة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، من منطلق أخلاقي وعظي عام لا يمس الشأن العام، وحذرت من التدمير والفوضى.()
تغير موقف الدعوة السلفية مع تتابع الأحداث، فبيانها الأول الصادر يوم السبت 29 يناير/كانون الثاني 2011 استنكر التخريب والاعتداء على الممتلكات وأكد على حرمة الأموال، وهو ما تكرر في بيانها الثاني، 30 يناير/كانون الثاني 2011، مع الدعوة لحماية الطرقات والتعاون مع قوات الجيش. تحدث بيانها الثالث مساء الاثنين 1 فبراير/شباط 2011 لأول مرة عن إصلاحات مطلوبة لعلاج الموقف، وفترة انتقالية تعقبها انتخابات جديدة لاختيار الأكفأ، والتأكيد على الهوية الاسلامية والإشادة بالتعاون مع الأقباط لحماية الكنائس، والدعوة للعفو والصفح عن المخطئين في الأحداث.()
واللافت أن المؤتمر السلفي الذي عُقِد بالإسكندرية يوم الثلاثاء 8 فبراير/شباط 2011، بهدف توضيح موقف الدعوة من الأحداث، وحضره عشرات الآلاف، أكد على مطالب واضحة تتعلق بهوية الدولة والتحذير من المساس بالمادة الثانية من الدستور وإنهاء حالة الطوارئ وإصلاح المؤسسة الأمنية، كل ذلك دون التطرق لفعاليات الثورة، وتجنب الدعوة للمشاركة فيها ومساندتها، حتى إن الشيخ محمد المقدم عندما امتدح شباب الثورة خلال كلمته، وفهم من ذلك ترحيبه بموقفهم، أصدر الشيخ ياسر برهامي مُنظِّر الدعوة ورجلها القوي، بيانًا يوضح أن موقف الشيخ المقدم يقف عند امتداح الشباب دون الدعوة للاشتراك في التظاهرات، وأن المقدم قال: "لا يمكن أن نوقِّع لشباب الإنترنت في التظاهرات على بياض، فليس من حقهم تقرير مصير الأمة بل هم جزء منها")
أما المشايخ فقد تذبذب موقفهم بين الصمت التام، والدعوة لتهدئة الأوضاع وتجنب الفتن، وأحيانًا الهجوم على المتظاهرين ثم التراجع، ولم تظهر مواقف واضحة من تبني الثورة إلا في الأيام الخيرة وعقب تنحي مبارك، يُستثنى من ذلك رموز السلفية القاهرية -محمد عبد المقصود، الشيخ نشأت أحمد، الشيخ فوزي السعيد- الذين شاركوا في الميدان بالفعل، والشيخ محمد حسان الذي حسم أمره بعد اضطراب موقفه أيام الثورة الأولى، ونزل للميدان داعيًا مبارك للتنحي.