عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لغة الخطاب الديني و الديمقراطية

ان الخطاب الإسلامي أياً كانت وسيلة بثه إلى الجمهور أن يؤسس على مبادئ وقيم من الحق والصدق والخير، ومراعاة الخلفية الثقافية والعقائدية والاجتماعية للمتلقين فضلا عن التزام الوضوح والشفافية في جميع الأحوال والظروف. ونقصد به كافة الخطوات المباشرة،

وغير المباشرة التي يقع عبء القيام بها على عاتق كل من الحكومات والمجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص وذلك للسير بالمجتمعات والدول العربية قدما، وفي غير إبطاء أو تردد، وبشكل ملموس، في طريق بناء نظم ديمقراطية. وعندما نتحدث عن نظم ديمقراطية- فإننا نقصد بها - دون أدنى لبس - الديمقراطية الحقيقية التي قد تختلف في أشكالها ومظاهرها، وفقا للتغيرات الثقافية والحضارية من بلد لآخر ، ولكن جوهرها يظل واحداً، فهي تعني ذلك النظام الذي تكون الحرية فيه هي القيمة العظمى والأساسية بما يحقق السيادة الفعلية للشعب الذي يحكم نفسه بنفسه من خلال التعددية السياسية التي تؤدي إلى تداول السلطات، وتقوم على احترام كافة الحقوق في الفكر والتنظيم والتعبير عن الرأي للجميع، مع وجود مؤسسات سياسية فعالة، على رأسها المؤسسات التشريعية المنتخبة، والقضاء المستقل، والحكومة الخاضعة للمساءلة الدستورية والشعبية، والأحزاب السياسية بمختلف تنوعاتها الفكرية والأيديولوجية. كما تقتضي هذه الديمقراطية الحقيقية كفالة حريات التعبير بكافة صورها وأشكالها، وفي مقدمتها حرية الصحافة ووسائل الإعلام السمعية والبصرية والإلكترونية. والاعتماد على الانتخابات الحرة ، ، وبشكل دوري، لضمان تداول السلطة وحكم الشعب، وتحقيق أقصى قدر ممكن من اللامركزية التي تتيح للمجتمعات المحلية التعبير عن نفسها وإطلاق طاقاتها الإبداعية في إطار خصوصياتها الثقافية التي تسهم عن طريقها في تحقيق التقدم الإنساني في جميع مجالاته. ويقترن ذلك بتحقيق أقصى قدر من الشفافية في الحياة العامة، بما يعني القضاء على الفساد، في إطار يؤكد الحكم الرشيد ودعم حقوق الإنسان وفق المواثيق الدولية، وفي مقدمتها حقوق المرأة والطفل والأقليات، وحقوق الضمانات الأساسية للمتهمين في المحاكمات الجنائية، وضمان المعاملة الإنسانية في تعامل سلطات الدولة مع مواطنيها. ويرتبط ذلك بكل ما تعارفت عليه المجتمعات التي سبقتنا على طريق التطور الديمقراطي. ومن مطالب التجديد المنشود في الخطاب الديني المنقول عبر الأثير ـ خاصة ـ كسر النمطية والتقليدية في الشائعة في معظم الإذاعات بإيجاد برامج اجتماعية وجماهيرية داعية إلى العمل التخصصي والنوعي واستيعاب المتلقي، مع مراعاة تنوع ثقافاتهم وتجنب السلبية والارتجالية والحماس والامتزاج بالآمال والآلام الجماهيرية.
إن الخطاب الديني لا يزال قاصراً على أفراده سواءٌ أكان وعظاً أم إرشاداً أم إجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم، بينما اقتصر الخطاب الموجه إلى الآخر بالتأكيد على قبوله والنظر إلى المعيار الإنساني في الوقت الذي اقتصرت فيه بعض الإذاعات على الدفاع عن الإسلام والرد على شبهات المستشرقين، سالكة سبيل التحفظ في إظهار الهوية الإيمانية إلا أن تلك الأحداث الأخيرة أيقظت الجهاز المناعي عند المسلمين، وظهر خطاب إعلامي يكاد يكون واضحاً رغم بقاء البعض على المنهج التقليدي، واستخدام مفردات تراثية محضة تؤدي في أحيان كثيرة إلى اللبس والتشويش وتخلق صعوبات في الفهم وخلط في التصورات لدى المستقبلين للرسالة الإعلامية وبالتالي فشل محاولات التفعيل وضعف التغذية المرتدة. والحقيقة إن الخطاب الديني في وسائل الإعلام يعاني من أمراض كثيرة فما زالت الوجوه هي الوجوه والبرامج هي البرامج والمخرجون هم المخرجون بل مازال الكلام هو نفس الكلام الذي نسمعه منذ وقت طويل. نعم.. توجد برامج ذات مضامين ثقافية ودينية عالية، ولكنها تحتاج إلى تجديد على مستوى الأسلوب والشكل. لأن القوالب الكلاسيكية القديمة لم تعد تلبي احتياجات الجمهور وتجتذب شرائحه المتعددة إلى ما تطرحه الإذاعات الإسلامية بل إن العديد من البرامج الدينية التي اعتادت تبثها الإذاعات الإسلامية العامة والمتخصصة على حد سواء أخذت تعد من مولدات الملل والروتين وصار بعض البرامج المقدمة بهذه الطرق الرتيبة تنفر الجمهور من الإذاعة وهذا هو الفشل المركب الذي قد يصيب الخطاب الديني ويشل حركته ويفقده مزية التأثير والفاعلية.
وإلى جانب ذلك نجد أيضا تركيز البرامج الإذاعية عموما على قضايا الصراع الديني والمذهبي وتجنح في كثير من الأحيان إلى ممارسة الدور الدعائي لجهات وجماعات وشخصيات دينية أو مذهبية متجاهلة ما يحتاج إليه الجمهور من حقائق وأفكار ومعلومات وقيم معرفية وحضارية ومتناسية الطبيعة العالمية التي يتمتع بها الإسلام مما يحصر الخطاب الديني الإسلامي في أطر ضيقة ومحدودة تعزله عن الساحة الفكرية عزلا شبه تام ٍومن دون مسوغ. أما بالنسبة للحديث الديني في الإذاعة فإن علماء الدين لم يدركوا بعد التطور الذي حدث للميكروفون. فالميكروفونات الحديثة يكون الهمس فيها أفضل لكن علماء الدين تعودوا على الصوت المرتفع حتى يسمعوا أكثر عدد من الناس، وعمومًا فإن الكلام الهامس يؤثر في الناس أكثر من الزعيق. لأن الراديو يدخل حجرات النوم والإنسان عند نومه يحب أن يسمع صوتًا رقيقًا هادئًا. كما أن الخطاب الديني في الإذاعة ينبغي أن يكون على هيئة حوار حي بين إنسان يسأل ويحاور وعالم يجيب ويرد عليه حتى تناقش كل تفاصيل الموضوع بشكل حي وليس عن طريق أسئلة تجري قراءتها من ورقة. ونأتي الآن إلى القائم بالخطاب الديني، فنجد أن البرامج التي تقدم إلى الجمهور إنما هي من إعداد أشخاص بعيدين عن التخصص في الميدان الديني والأدهى من ذلك أن بعضهم ليس بعيدا عن المسائل الدينية فحسب، بل هو بعيد عن أسس العملية الإعلامية أيضا. والمفروض أن يكون المرسل لأية رسالة اتصالية على علم وإحاطة بمحتوى تلك الرسالة ، وبمجمل الظروف والتأثيرات التي تحيط بالعملية الاتصالية، وعلى دراية تامة بخصائص الجمهور المستهدف واحتمالات نوع الاستجابة وتفسيرات الرموز التي تنطوي عليها الرسائل الإعلامية وغير ذلك من أساسيات العمل الإعلامي، وإلا فإن "فاقد الشيء لا يعطيه".  إذن فمن شروط القائم بالخطاب الديني أن يكون على علم ودراية بأحوال عصره وقضايا أمته، والاهتمام بالعلوم السياسة والإنسانية والإعلامية، فضلاً عن الدراية بقوانين الشريعة والموازنة بين الثابت والمتغير، من أجل الخروج بهذا الخطاب إلى فضاء العالمية وعدم تكريس التخلف عن ركبها. وباختصار إن الخطاب الديني في وسائل الإعلام عمومًا يغلب عليه غياب التصور الكلي للإسلام فهو يذكر شيئًا عن الصوم ونتفًا عن الحج وقليلاً عن الحيض... الخ. أي أنه يقدم الإسلام مفتتًا ومفككًا، كما يقدم الإسلام حسب المواسم فقط. كل موسم بما يقابله في الشرع كما يغلب الحديث عن الشعائر والأشكال وما من نفوذ إلى الجوهر.
وبهذا فإن الخطاب الديني الحالي يحصر الإسلام في أمور ضيقة ويعتمد على تلقين المتلقي للرسالة، ولا يجهد نفسه في تكوين عقلية المتلقي حتى يستطيع أن يفكر ويبحث لوحده وبمعزل عن الإعلام. وحتى التاريخ الديني للمسلمين غالبا ما يتم تصويره بعيداً عن حياتهم المعاصرة. فالحاصل في الخطاب الديني الآن هو أن الماضي كله كان خيرًا وكان الناس فيه ملائكة أما الحاضر فكله شر والناس فيه شياطين.. وهذا خطأ. فلن يأتي اليوم الذي سيكون فيه المجتمع الإسلامي كله ملائكة وإلا لحدث ذلك من قبل.
إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يتيح وجود سائر الأديان والاتجاهات في مجتمعه ودولته،  ويمنحها الحرية الكاملة في ممارسة الشعائر والطقوس والعبادات، وتنفيذ تعاليمها وأحكامها, دون أن يفرض على أتباع هذه الديانات شعائره وأحكامه, ودون أن يتدخل في شؤونهم الدينية.
لقد تعهد رسول الله, صلى الله عليه وسلم, لنصارى نجران بضمان حريتهم الدينية ليقيموا عباداتهم وشعائرهم, وجاء ذلك في العهد المنقول إلينا في كتاب أبي الحارث بن علقمة, أسقف نجران, وهذا نصه :"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي... إلى الأسقف أبي الحارث، وأساقفة نجران وكهنتهم، ومن تبعهم، ورهبا نهم : إن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته, ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه. على ذلك جوار الله ورسوله أبداً، ما نصحوا واصطلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين".  
وقد أشاد "آدم متز" بمستوى الحرية الدينية في ظل دولة الإسلام, فقال : "لم تكن الحكومة الإسلامية تتدخل في الشعائر الدينية لأهل الذمة، بل كان يبلغ من بعض الخلفاء أن يحضر مواكبهم وأعيادهم ويأمر بصيانتهم، وإن الحكومة في حالات انحباس المطر، كانت تأمر بتنظيم مواكب يسير فيها النصارى, وعلى رأسهم الأسقف, واليهود وعلى رأسهم النافخون بالأبواق.           ويقول "جولد تسيهر" : "سار الإسلام لكي يصبح قوة عالمية على سياسة بارعة, ففي العصور الأولى لم يكن اعتناقه أمراً محتوماً, فإن المؤمنين بمذاهب التوحيد, أو الذين يستمدون شرائعهم من كتب منزلة كاليهود والنصارى والزرادشتية, كان في وسعهم متى دفعوا ضريبة الرأس (الجزية) أن يتمتعوا بحرية الشعائر وحماية الدولة الإسلامية، ولم يكن واجب الإسلام أن ينفذ إلى أعماق أرواحهم, وإنما كان يقصد إلى سيادتهم الخارجية. بل لقد ذهب الإسلام في هذه السياسة إلى حدود بعيدة, ففي الهند مثلاً  كانت الشعائر القديمة تقام في الهياكل والمعابد في ظل الحكم الإسلامي.
   وجاء في  الأخبار النصرانية  شهادة تؤيد مدى التسامح الإسلامي، وهي شهادة "عيشويابة" الذي تولى كرسي البطريركية (647 - 657 هـ), إذ كتب يقول : "إن العرب الذين مكنهم الربّ من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية، بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قسّيسينا, ويمدّون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا".
****أما أخطر الوسائل المتبعة لتجديد الخطاب الديني في ظل العولمة، فهي تحوير المناهج التعليمية وعلمنتها، تزييف التاريخ، وحذف بعض الآيات والمواضيع نهائيا من المقررات المدرسية، ومساهمة بعض الأمريكيين في تعديل المناهج،

بالإضافة إلى التضييق على المدارس والمعاهد الدينية، واستخدام القروض والمنح في الترغيب والترهيب. فالمطلوب من المناهج التعليمية، حسب المفهوم العولمي، أن تخدم مفهوم السلام العالمي، وألا تقدم الإسلام كدين متميز عن باقي الأديان المحرفة. كما يتم استخدام وسائل الإعلام وخطبة الجمعة، ولأن هذه الأخيرة أقوى تأثيرا من كل وسائل الإعلام، تحدد نوعية الخطب، وتنتهج سياسة "تجفيف المنابع"؛ منابع التدين عند الناس، فتفصل الدين عن الحياة، وتركز على الشعائر التعبدية و الأخلاق والسلوكيات الحسنة والعلم الدنيوي، ويمنع الخطباء للتعرض لكفر اليهود والنصارى، وكشف تحريفات كتبهم المنزلة. كما تجرى دورات تدريبية مكثفة للخطباء لتعريفهم بمتطلبات تجديد/تحريف الخطاب الديني، وبعضها يتم في الولايات المتحدة الأمريكية. ويتم إغراق الناس بالنتاج الفني، الذي يحرض على الوقوع في الرذيلة والتفسخ الأخلاقي، ويساعد على ذلك الوضع الاقتصادي المتردي وتأخر سن الزواج.
أن رؤى الإصلاح التي قاموا بصياغتها لا تقع مسؤولية تنفيذها على الحكومات وحدها، وإنما على المجتمع المدني والحكومات معا، فالمستقبل الواعد لأمتنا العربية لن يتحقق إلا باستثمار كل الطاقات الخلاقة والاجتهادات الأصيلة والعمل الدءوب الذي يجمع بين الرؤية والتنفيذ. والسبب في كل ذلك ينبع من وصفه خطاب دعوة وإصلاح يستند إلى التعاليم التي بشر بها الإسلام وهو يقع على الامتداد الطولي لدعوة الأنبياء والأولياء الصالحين. كما أنه يقوم على الحقائق ويهدف إلى الإقناع بالحكمة والموعظة الحسنة والبرهان العلمي والدليل المنطقي وليس من أغراضه الدعاية الكاذبة والتضليل والإثارة الفقاعية، فالخطاب الإسلامي يختلف عن غيره، فهو يحترم الديانات السماوية ويقوم على الحكمة ومخاطبة الناس بما يفهمونه وما تقبله عقولهم وليس بما يعجزون عن فهمه وإدراكه. هذه الأوصاف تفرض على الإعلام الإسلامي سواء أكان مقروءاً أم مسموعاً أم مرئياً قوانين والتزامات أخلاقية صارمة لا يمكن الإخلال بها، مثلما تمنحه استحقاقات كبيرة لا يمكن التخلي عنها تحت أي ذريعة كانت. ويقتضي ذلك أيضاً توحيد الجهود لتقديم الخطاب الديني الإعلامي في أفضل صورة ، والخروج به إلى العالمية ، وملاحظة الفروق الجوهرية بين ما هو مشترك إنساني وما هو خصوصية حضارية مع الحرص على إبراز ثوابت الإسلام وقيمه الإنسانية السامية ولذلك يفترض أن يكون صاحب أو صانع الخطاب على علم ودراية بما يقدمه لجمهوره ، ومتسلحاً بالفقه الإسلامي وله الإحاطة الواسعة بمجريات العلوم والتقنيات الاتصالية الحديثة.
وبناءً على هذا يرى أهل العلم والإيمان أن الدخول في هذا المعترك ـ الذي أقل ما يقال فيه أنه ملتبس وغامض ـ ينطوي على أمور مشبوهة في منطلقاتها ومآلاتها، أن يتفهم موقفهم هذا وأن يقدره، فهؤلاء الدعاة والعلماء والمثقفون المسلمون أصدق مواقف، وأكثر انتماءً للأمة وفيهم علماء الشريعة ، وأهل الفتوى ، وأرباب الدعوة وأهل الصلاح ، وهم الأقدر على تقدير مصلحة الأمة من أولئك الذين قام بهم سـوق المزايدة ، وراجت بهم بضاعة المناكدة ، وغرقوا في الوهم واللبس والوهن والخور . لم يشارك الإسلاميّون في إشعال الثّورات العربيّة، وإنما انضموا إليها بعد نشوبها. وشعاراتُ تلك الثّورات ليس فيها شيء أو أثر من خطابات الإسلام السياسي، فهي تطلب الحريّة والكرامة والعدالة والديمقراطيّة والتداول السلمي للسلطة".من وجهة نظري، فإنّ الخطاب الديني تجاه هذه الثّورات لم يكن واضحاً بالمقدار المطلوب، وكذلك لم يكن موفَّقاً بما فيه الكفاية بشكل عام المجتمعات العربية هي مجتمعات إسلامية بأغلبها وبالتالي التأثير الإسلامي لم يكن غائباً عن هذه الثورات ولكن ما غاب فعلاً هو القيادة الإسلامية لهذه الثورات وهنالك مخاوف من أن يتحول الخطاب الديني الذي يشكل صمام أمان لاستقرار المنطقة إلى خطاب مذهبي، فلا خوف على الثورات من الخطاب الديني لأنه خطاب وحدوي جامع لكن الخوف من الخطاب المذهبي على هذه الثورات، أي تطييف ومذهبة هذه الثورات بما يحقق غايات انقسامية ممكن أن تدخل المنطقة في آتون صراعات طائفية لا نهاية لها. الثورات العربية تعبر عن إرادة شعبية تريد الحرية والاستقلال والسيادة،. فلذك هذه الثورات إذا قدر لها أن تبتعد عن المنطق الطائفي التقسيمي والتدخلات الغربية فيها، فإنها حتما سوف تأخذ الوجهة الصحيحة. وكل ذلك يرتب مسؤولية على القوى الفاعلة في الساحة العربية والإسلامية والحركات الإسلامية لصيانة هذه الثورات والمضي قدما بها بالاتجاه الصحيح. - لأن المزاج الشعبي العام خارج الأحزاب والأطر التنظيمية هو مزاج إسلامي تلقائي عفوي، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار بأن الشعب العربي المسلم غير المنظم هو الأكبر داخل هذه المجتمعات
لعل النظرة الموضوعية للفعل السياسي تفترض أن تكون القوى السياسية معبرة عما يتمخض داخل الشارع العربي والإسلامي، وأن تسود فيما بينها علائق سياسية واضحة ومؤطرة بالتعايش والاختلاف الديمقراطي. إن هذه النظرة تفترض في أساسها الاعتراف المتبادل بين مكونات الطيف السياسي، وتفترض الإيمان بالاختلاف والتعدد على مستويات كثيرة. لكن المراقب للمشهد السياسي، ولطبيعة الحراك السياسي السائد، يلمس أن منهجية أخرى، تقتات من ثقافة المصادرة والإلغاء والإقصاء، وتوظيف كل السياقات، بل وافتعالها من أجل الاستئصال. حتى بدأت تظهر بعض الجهات المتشددة في أوساط العلمانيين، تستعدي الإسلاميين وتضع مطلب حلهم على طاولة الأنظمة السياسية. لقد بات مطلوبا أن تراجع هذه القوى السياسية مواقفها، وأن تلتقي على أرضية مشتركة يكون مدخلها الاعتراف بالآخر والقبول به، واعتبار ذلك ضرورة وجودية للذات قبل أن تكون حاجة للآخر، ويكون التعدد وقبول الآخر شرطا في إثراء النقاش والتجربة الديمقراطية. إن حراكا اجتماعيا مؤطرا بوجهات نظر مختلفة من شأنه أن يبدد جو الرتابة والسكون والمراوحة الذي يميز مجمل الساحة العربية، ثم إن قبول المنهجية الديمقراطية واعتبارها قناة طبيعية لتصريف الاختلاف وإدارته، من شأنه أن يؤسس لثقافة جديدة تتكافأ فيها فرص القوى السياسية في الانغراس في القواعد الشعبية، والتعبير عن تطلعاتها وطموحاتها، وجعلها بعد ذلك حكما عليها وعلى أدائها السياسي واختياراتها الفكرية والساسية. إن مراجعة بهذا الحجم ستمكن لا محالة من تنظيم الحياة السياسية في أوطاننا العربية والإسلامية، وستمكن من مراجعة ثقافة الانقسام والانشطار في وعينا العربي والإسلامي، وستكون في نفس الوقت أداة حقيقية لإرساء عملية سياسية حقيقية يجد فيها كل الفرقاء السياسيون ذواتهم. ولعل التعاطي مع الحركة الإسلامية من داخل هذه الثقافة سيزرع الثقة بين جميع مكونات الطيف السياسي، وسيكون مقدمة لتحالفات متعددة الأشكال، على محاور سياسية وحقوقية ومرجعية، وستتغير خريطة التواصل السياسي، بنحو يؤشر على دينامية سياسية جديدة تفتقدها أوطاننا العربية والإسلامية.