عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسوياء فى زمن المعاقين

لو قيس التميز والعبقرية بمدى قوة الجسد فلنسلم بأن الحمار هو أعظم فلاسفة العصر ولنسلم كذلك بأن كل من يمتلك جسداً قوياً عفياً سليماً هو بالضرورة شمشون العلم والأدب والتاريخ والفلسفة، هو من يملك القرار ويستطيع الإصلاح والتغيير والسير بالحياة في الاتجاه الذي يريده، طبعاً هذا كلام فارغ قد يصلح للحياة في الغابة، أما حياة بني البشر فمن المفترض أنها تخضع لمقاييس بني البشر، فالإنسان إنسان لأنه يفكر ويبدع ويبتكر ويحس ويتخيل، لا لأنه مفتول العضلات كثيف شعر الصدر ضخم الجثة خشن الصوت، فكم من بشر تشابهت أجسادهم في قوتها وضخامتها بأجساد الثيران ومع ذلك أتوا إلى الدنيا مثلما ذهبوا، لم يشعر بهم أحد ولم يشعروا أحداً بوجودهم وكم من بشر فقدوا عضواً من أعضاء جسدهم أو حاسة من حواسهم ووصفوا بأنهم معوقون وإذا بعزمهم وبإرادتهم وبإيمانهم بذواتهم يملأون الدنيا نوراً وعلماً وفلسفة وأدباً وسياسة وموسيقى.. إلخ، من هؤلاء:

هوميروس الشاعر اليوناني العظيم وصاحب أشهر ملحمتين في التاريخ الإنساني هما «الإلياذا والأوديسا» كان أعمى لكن نور عبقريته بقي ساطعاً منذ عاش في القرن التاسع قبل الميلاد إلى يومنا هذا.
«بتهوفن» المؤلف الموسيقي الأشهر في تاريخ ألمانيا وإمام المطورين للموسيقى الكلاسيكية، وضع تسع سيمفونيات أثناء حياته، كانت أروعها وأجملها – برأي النقاد – السيمفويتين الخامسة والتاسعة واللتين ألفهما بعد إصابته بالصمم الأمر الذي يؤكد أن الإصرار أحد مفاتيح الخلود وأن الفن عندما يسكن إنساناً لا يفارقه أبداً، قال يوماً: «يا لشدة ألمي عندما يسمع أحد بجانبي صوت ناي لا أستطيع أن أسمعه أو يسمع آخر غناء أحد الرعاة بينما أنا لا أسمع شيئاً، كل هذا كاد يدفعني لليأس وكدت أضع حداً لحياتي اليائسة إلا أن الفن وحده هو الذي منعني من ذلك».
«توماس أديسون» مخترع المصباح الكهربائي والهاتف والتلغراف كان أعرج لكنه وصف إعاقته بأنها نعمة عليه.
«هيلين كيلر» المرأة المعجزة المتسلحة بالإرادة الحديدية التي لم تكن ترى أو تسمع أو تتكلم لكن إيمانها بحقها في الحياة جعلها ملء الأسماع والأبصار، تعلمت لغة الإشارة منذ الصغر كما أجادت الكتابة والقراءة بطريقة برايل ودرست في الجامعة وكتبت العديد من المؤلفات والمقالات منها: «العالم الذي أعيش فيه»، و«الخروج من الظلام»، و«مفتاح حياتي».
«فرانك روزفلت» الرئيس الثاني والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية كان من مواليد عام 1882، ومن خريجي كلية الحقوق جامعة كولومبيا نجح في أن يكون نائباً عن ولاية نيويورك في مجلس الشيوخ ثم أسندت إليه وكالة وزارة البحرية بعدها وبالتحديد أصيب روزفلت بالشلل ومع ذلك واجه بدعم من مجتمعه المحنة بشجاعة وأخذ يرتقي خطوة بعد خطوة حتى وصل لأن يجلس على كرسي الرئاسة الأمريكية أربع دورات متتالية بالانتخاب طبعاً وعلى خلاف الدستور المعمول به في أمريكا ونزولاً على رغبة الشعب، تخيلوا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كان مشلولاً ولم يقل له أحد اجلس في بيتك ولا تتعب نفسك وسيصلك مرتبك إليك، لم يقل له أحدهم اللوائح والقوانين تمنعك يا روزفلت من أن تتولى هذه المناصب لأنك

أصبحت مشلولاً.
تخيلوا كان أحد وزراء داخلية بريطانيا «ديفيد بلانكت» كفيفاً ولم تكن فكاهة يتندر بها الناس ويعتبرونها نكتة الموسم، لأن هؤلاء قدر لهم كمعاقين أن يعيشوا مع مجتمع من الأسوياء يحترم طاقاتهم ولا ينظر لرصيدهم من الحواس أو الأعضاء المفقودة.
أما هنا في مصر، فما أكثر نوابغ المعاقين، خاصة من الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية لكنهم مجردون تماماً من الدعم المجتمعي يتسولون حقوقهم ويحرمون من مناصبهم بل وربما من العمل أساساً وأتصورهم ينادون بأعلى أصواتهم على من يتحملون مسئولية هذا البلد: «ارحمونا من هذا التهميش، لا تقتلوا فينا الرغبة في الحياة، لا تسقطوا علينا عجزكم وضعفكم وقلة حيلتكم، لا تتاجروا بنا من أجل مصلحتكم، صحيح أن الله أخذ منا لكنه أعطانا بقدر ما أخذ وربما أكثر رحمة بنا، فمن فوضكم في تعذيبنا؟.. لماذا تستشعرون قوتكم في ضعفنا؟.. متى تتعاملون معنا باعتبارنا بشراً مثلكم؟.. أليست الحياة حق لنا مثلما هي حق لكم؟».
عندما سقط أحد المكفوفين تحت عجلات المترو عام 1973 بالعاصمة اليابانية طوكيو، لم يستطع وزير المواصلات الياباني تحمل هذا الذنب واحتراماً لنفسه قرر الاستقالة فوراً، وأقسم بالله أن لي أصدقاء مكفوفين سقطوا في بالوعات وحفر ومن فوق كباري وآخرهم صديقي «أيمن» الذي سقط تحت عجلات المترو منذ سنة تقريباً بعد أن يئس من الحصول على سيارة معفاة من الجمارك من وزارة المالية وكتبت عن هذه الحادثة بالذات مقالاً تحت عنوان: «دم أيمن في رقبة من؟».. فهل رد علي أحد؟ هل قدم أي مسئول استقالته أو حتى اعتذر عن دم الشاب الذي راح هدراً؟
يا سادة المعاق ليس من أقعدته إعاقته عن الحركة الطبيعية وممارسة الحياة بنفس كفاءة الشخص غير المصاب، وإنما المعاق هو من يملك عقلاً لا يوظفه وطاقات لا يستثمرها وضمير معطل وقلب أعمى وانفعال بليد، المعاق من يرى نفسه سليم الجسد سريع الحركة بينما تسير الحياة بدونه ولا يشعر أحد بوجوده، المعاق هو كل مسئول يجلس في مكان عاجزاً عن تحمل المسئولية.