عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أحلام مشروعة 4

كنت مشغولا جدا بما قد ينتظر المصريين في 25 يناير وبالتهديدات الإرهابية لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف تحول هذا اليوم العظيم من كونه عيداً للشرطة واحتفالاً بذكرى أعظم ثورة في تاريخ مصر المعاصر إلى كابوس يترقبه الناس

بحذر ويتوقعون بسببه أحداثا لا تحمد عقباها، وبينما أنا أسير أفكار تذهب وتأتي هنا وهناك ،غفلت قليلا ورأيت في المنام أنني موجود بمنطقة قناة السويس في ليلة 25 يناير عام 1952 ومختبئ خلف ساتر مكنني من أن أرى كل شيء دون أن يراني أحد، وفجأة سمعت الجنرال الإنجليزي «أرسكين» وهو يطلب من قواته التحرك بسرعة داخل مدينة الإسماعيلية لمحاصرة قوات الشرطة المصرية وإجبارها على تسليم أسلحتها والانسحاب من مواقعها، قال أرسكين: (إن رجال الشرطة المصرية في منطقة القناة يعملون ضدنا ويتحيزون لمن يرفضنا بل ويمدون أيديهم للفدائيين كي يوجهوا ضربات قاسية إلينا، لذلك ضيقوا الخناق عليهم وحاصروا تجمعاتهم عند مبنى المحافظة وقسم الشرطة ومستوصف وزارة الصحة ومحطة السكة الحديد).
على الفور قامت القوات الإنجليزية بتنفيذ الأوامر وراحت تتحرك بدباباتها ومدافعها وبنادقها صوب الأهداف المقررة بينما بقيت سيارات «الجيب» الإنجليزية توجه الإنذارات للأهالي محذرة إياهم من أنها سوف تطلق الرصاص عليهم في حالة مغادرتهم بيوتهم ونزولهم إلى الشارع، ومع ذلك سارع أحدهم لإبلاغ بعض قيادات الشرطة الموجودة اليوزباشي «مصطفى رفعت، عبدالمسيح مرقص، مصطفي عشوب» - والتي أصرت على ألا تقضي إجازتها الأسبوعية في القاهرة كما سبق أن تعودت وأن تبقى في إحدى اللوكاندات القريبة من الأحداث - بخطورة ما يجرى قال: (الحقوا يا سادة، المدينة يحتلها الإنجليز) رد مصطفى رفعت: (هذا ما كنت أتوقعه، علينا أن ننزل جميعاً لإنقاذ اصدقائنا) وبلا تردد قرأوا جميعاً الفاتحة والشهادتين بمن فيهم عبدالمسيح ثم نزلوا إلى الشارع وساروا جنباً إلى جنب فى خطوات ثابتة إلى أن وصلوا لمبنى المحافظة واستوقفهم أحد الضباط على بابها وسألهم : (إلى أين أنتم ذاهبون؟) أجابه مصطفى رفعت: (إلى المحافظة طبعاً حيث مقر عملنا) قاطعه الضابط: (لكن اليوم هو يوم الجمعة يوم إجازتكم، هل نسيتم؟) رد عبدالمسيح بغضب: (أوقات عملنا نحن أدرى بها والأوامر نأخذها من قيادتنا لا منك أنت) ثم أضاف مصطفى عشوب: (من فضلك دعنا نمر) رد الضابط الإنجليزى: (سأعطيكم خمس دقائق فقط لكى تنصرفوا) فقاطعهم مصطفى رفعت بتحد: (وإذا لم نفعل؟) رد الضابط: (سأطلق الرصاص) فرد عشوب: (ونحن لن ننتظر وسوف نرد فوراً) وبمنتهى الصلابة واصل الضباط سيرهم إلى أن انضموا لأصدقائهم داخل مبنى المحافظة، وفى السابعة صباحاً بدأت إنذارات

الإنجليز للشرطة: (سلموا وإلا ستموتون جميعاً، لا فائدة من المقاومة، حياتكم فى خطر سوف نهدم مبنى المحافظة فوق رؤوسكم) لم يستسلم رجال الشرطة للخوف وأصروا على المقاومة حتى الشهادة والتصدى لقوات الاحتلال الإنجليزى إلى آخر رصاصة موجودة فى بنادقهم، بدأت القوات الإنجليزية تطلق رصاصاتها فى الهواء ثم أعطت مهلة جديدة لمدة ربع ساعة أخرى بحيث يستسلم رجال الشرطة ويلقون بأسلحتهم لكن إيمانهم بموقفهم دفعهم للثبات عليه والاستمرار فى الرفض، وأمام هذا التحدى لم تجد القوات البريطانية من سبيل سوى إطلاق نيران مدافعها كى تعيث فى مبنى المحافظة تخريباً وتدميراً كما لم يجد رجال الشرطة المصرية أمامهم من سبيل سوى المقاومة ثم المقاومة برغم سقوط الجرحى والشهداء من بينهم.
استمرت المعركة حتى الرابعة عصراً مما اضطر الطيران والسفن الحربية الإنجليزية للتدخل عبر الجو والبحر وبعد أن نفدت ذخيرة قوات الشرطة المصرية سلموا أنفسهم وأصروا على أن يكون أهم شرط لهم كى يوافقوا على الخروج من المحافظة هو الإبقاء على العلم المصرى مرفوعاً فوق مبنى المحافظة وعلى أن تؤدى لهم التحية العسكرية، وكان لهم ما اشترطوه بعد أن كبدوا القوات الإنجليزية أكثر من عشرين قتيلاً وستين مصاباً بينما سقط من قوات الشرطة المصرية حوالى 46 شهيداً رحت أبكيهم بحرقة وأنا نائم ثم استيقظت على حلقة تذيعها إحدى القنوات الفضائية تتضمن شهادات مسجلة لبعض القيادات الشرطية التي شاركت في معركة الشرف هذه لكن بقي بعد استكمالي مشاهدة بقية الحلقة وأنا في كامل يقظتي سؤال واحد أخذ يلح على خاطري ولا يزال: هل يمكن أن تعود العلاقة بين الشعب والشرطة المصرية إلى النحو الذى كانت عليه فى 25 يناير عام 1952؟.