عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحلام مشروعة (1)

في شقتي غرفة كثيرا ما أحب أن أجلس وأكتب وأقرأ فيها لأنها تريني الدنيا بشكل مختلف وتملأ نفسي دائما بالتفاؤل، هي دون بقية غرف الشقة بحرية الموقع وبها العديد من النوافذ، لذلك يدخل إليها الهواء من كل مكان وفي أي وقت، وكم من مرة حاولت زوجتي أن تنتزع هذه الغرفة مني لصالح الأولاد بالحوار أو بالخناق أو بوضع اليد إلا أنني كنت دائما مستبسلاً في الدفاع عنها خاصة أن فيها مكتبتي التي لا يمكن أن تتسع لها أي غرفة أخرى داخل الشقة.

العيب الوحيد في هذه الغرفة أنني كلما جلست فيها وقتاً طويلاً حاصرني هواؤها وتسلل إلى كل أعضاء جسدي وراح يداعبها عضواً عضواً إلى أن أفقد وعيي تدريجياً وأذهب في نوم عميق وأسقط فريسة النسمات اللطيفة وهي تحرك جلباب نومى صعوداً وهبوطاً يميناً وشمالاً لأجدني فجأة أسير أحلام وأوهام وتهيؤات قد لا يصدقها حتى نزلاء مستشفى المجانين.
ذات مرة رأيتني جالسا في قاعة فخمة بحضرة كبار رجال الدولة، على يميني كان يجلس الرئيس عبدالفتاح السيسي ومن بعده المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء ثم وزير الشباب ووزير الداخلية والطريف أن باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة كان هو من يقدم الشاي للحضور، أما عن يساري فكانت تجلس زوجتي التي لا أستطيع حضور أية مناسبة بدونها، وأمامي جمع غفير من الإعلاميين جاءوا بمناسبة مؤتمر صحفي سيعقده الرئيس والحكومة وأنا طبعا، همست إلى زوجتي باستغراب: لماذا أنا هنا يا حبيبتي؟ أجابتني: لقد رشحك الرئيس وزيراً للتعليم العالي في حكومة محلب الجديدة، رددت: أنا، محلب الرئيس، حكومة جديدة، أحمدك يا رب، فجأة تنغزني زوجتي في جنبي بعنف وحدة قائلة: امدد يدك وخذ الشاي من أوباما ولا داعي للرغي فقد أمسك الرئيس الميكروفون وسوف يبدأ بالحديث حالاً.
لم تكد تنتهي زوجتي من نطق آخر حرف حتى شعرت وكأنني أسقط بسريري الذي أنام عليه من أعلى إلى أسفل وبسرعة مفزعة كادت تيقظني لكن يبدو أن سحر الهواء ونسماته كانت أكثر تأثيراً عليَّ فعدت مستمعاً لحديث الرئيس والذي استمر لفترة طويلة لكنني لم أذكر منه إلا مقتطفات بها الكثير من اللخبطة: (مصر شافت كتير وعانت من سلب ونهب كتير والحكاية معكوكة ومش هاتخلص في يوم وليلة بس المهم تتحملوا.. إللي فات كوم وإللي جاى كوم تاني خالص ولسة قدامكم أيام أصعب مما تتخيلوا وبمنتهى الصراحة ومن الآخر ما عنديش، أجيبلكم منين؟ يعني هاتسيبوا مصر هاتبيعوها هاتتخلوا عنها؟ لازم تتحملوا... أنا اضطريت علشان مستقبل أولادنا أرفع عنكم الدعم في الكهرباء والمياه والغاز والسولار لكن خلوا بالكم محدش هايقدر يقترب من الفقراء دول في عيني ولازم هما كمان يتحملوا ومش عايز أحلفلكم والله العظيم والله العظيم المعاقين في عنينا علشان كدة اخترنا واحد منهم هو دكتور طارق عباس علشان يكون وزير للتعليم العالي ولازم كلكم تحيوه).
تصفيق حاد كاد يخلع قلبي من شدة الفخر والسرور حتى إنني كنت أدعو الله في الحلم ألا يكون ما أشاهده حلماً.
فجأة يحدث قطع وأنتقل إلى مشهد آخر بنفس شخوصه وفي نفس المكان والزمان كنت فيه متحدثا عن خطتي التي سأنفذها في الوزارة الجديدة، صحيح أنها لم تكن مرتبة لأن الأحلام يستحيل أن تكون مرتبة، إلا انها تكشف عن رغبتى الملحة في إحداث تغيير ما في وزارة التعليم العالي ومن أهم ما قدمته في هذا الصدد:
1- يحق لكل طالب طالما هو مصري وناجح الحصول على مجانية التعليم الجامعي أما إذا رسب وعاد السنة مرة فأكثر فليس له حق في دعم الدولة وعليه تحمل تكلفة تعليمه بالكامل، فليس هناك منطق للإنفاق على فاشلين، خاصة أن غالبيتهم باتوا يمثلون وقودا للمظاهرات والاضطرابات والقلاقل وكل ما يترتب عليها من أعمال فوضى وشغب وتخريب وغيرها من العمليات الإجرامية التي يقوم بها طلاب تدعمهم الدولة دون أن يستحقوا هذا الدعم.
2- في كل محافظة جامعة قادرة

على استيعاب أبنائها وبالتالي لا يجوز أن يلتحق طلاب جامعة الفيوم بجامعة كفر الشيخ ولا طلاب الإسكندرية بجامعة القاهرة لأن مثل هذه التنقلات قد تحدث خلخلة في التوزيع الجغرافي للطلاب بحيث يتزايد عددهم في جامعات وينقص في أخرى لذلك ينبغي أن يكون المجموع المحدد لدخول كل كلية موحداً على مستوى الجمهورية إلا إذا لم يكن للطالب في الكليات المختارة وجود في محافظته وتكمن أهمية تنفيذ هذا القرار في إلغاء المركزية المتوارثة وتخفيف الضغط على جامعتي القاهرة وعين شمس، وفي الوقت نفسه فتح أبواب المدن الجامعية أمام عدد أقل بكثير ممن يدخلون إليها سنوياً، الأمر الذي سيجعلها قادرة على تقديم خدمة أفضل للطلاب من ناحية وتقليص الإنفاق من ناحية أخرى.
3- الاستعداد للتنسيق مع وزير التربية والتعليم لاستبدال نظام الثانوية العامة الفاشل –في أسرع وقت ممكن– بنظام الثانوية التخصصية بحيث يتحدد مسار الطالب في الكليات التي يرغب فيها بالمواد التي سوف يدرسها بدءاً من السنة الأولى من المرحلة الثانوية فمن يريد الالتحاق بكلية الطب يدرس المواد التي ترفع مستواه وتؤهله للدخول إلى كلية الطب وكذلك الأمر بالنسبة للكليات الأخرى الهندسة والعلوم والحاسب الآلي... إلخ. وبهذا تنتهي فوضى الخلط بين الدراسات العلمية والأدبية وتلغى مواد يدرسها الطلاب دون أي داع ويؤهل الطالب بما يضمن خروجه محملاً بالخبرة والمعرفة اللائقة بسوق العمل.
وبينما كنت أستعد لاستكمال اقتراحاتي والتى كانت كثيرة ومتنوعة، إذا بالرئيس «السيسي» يضع يده على كتفي برفق وحنان وهو يقول: (دكتور طارق في رأسه الكثير لكن لضيق الوقت من يريد أن يسأله في شيء فليتفضل، وفي ثوان تمتلئ القاعة بأصوات تتسابق فيما بينها: دكتور طارق، ماذااااا؟ دكتور طارق، كيف؟ دكتور طارق، متى؟ فجأة تتحول الأسئلة إلى فوضى وضجيج ثم صراخ ثم اهتزاز رهيب للمنصة التي نجلس فيها ثم صوت يزعق: ما عنديش، أجيبلكم منين؟ ثم خبط ورزع ودربكة وطرق غير طبيعي على باب غرفتي: (اصح يا أستاذ أولادك مش عايزين يقوموا للمدرسة شوف شغلك معهم).
هنا تملكتني رعشة غريبة أيقظتنى اكتشفت بعدها أن جلباب نومي رفع عني تماماً بسبب هواء هذه الغرفة الملعونة وأنني كنت بلا غطاء يحميني من الهلوسة وأن كل ما شاهدته مجرد حلم وراح لحاله يستحيل أن يتحقق في الواقع لأن أمثالي من المعاقين بصرياً لا يفلحون في الحصول على أدنى المناصب في الوظائف الحكومية ولن يكونوا وزراء مثلي إلا إذا كانت لديهم غرفة كتلك التي أمتلكها في شقتي حتى يروا في الحلم ما لن يتحقق في الواقع أبدا، وفي الأسبوع القادم حلم جديد، ربنا يجعله خير.