رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الاستثمار الحرام

لا تؤاخذوني إن تحدثت في هذا المقال بصراحة ربما تصل إلى حد الجرح وبوضوح ليس فيه لبس وبتحديد غير قابل للتأويل خاصة أنه يتعلق بطائفة همشت إلى حد الإقصاء وأهينت حتى باتت بلا كرامة وحوصرت بالعجز إلى أن تعودته واستسهلته وحكم عليها بالعذاب لا لأنها فاقدة عقل أو قليلة خبرة أو محدودة تجارب وإنما لكونها قد حرمت إحدى حواسها أو أحد

أعضائها واعتبر هذا الحرمان نوعاً من الذنب الذي ينبغي أن يحاسب عليه المجتمع كل كفيف أو أصم أو أبتر أو أعرج أو مشلول أو أو، ويحكم عليه أن يبقى في الظل سجين إعاقته وظلم مجتمعه تارة بالتهميش وثانية بالإقصاء والأخطر من هذا وذاك بالاستثمار، وقد تسألني عزيزي القارئ وهل يعقل أن تستثمر الإعاقة في مجتمع يقال إنه مسلح بالعادات والتقاليد والتشبث بالتدين؟ أجيب: نعم، خاصة أنه يوجد بيننا من لا يستحي من الاستثمار مهما كان حراما ولا يجد مطلقا أية غضاضة في احتراف ممارسته والحصول منه على أكبر قدر من المكاسب، فقد وجدنا من يستثمر في الأعضاء البشرية وفي شراء عقول بحثا عن مجد كاذب وفي نهب أموال الصدقة والزكاة وفي مواد البناء المغشوشة وفي استيراد مواد غذائية وطبية منتهية الصلاحية ،كما وجدنا أن هناك من يبدع في استثمار المعاقين وقضاياهم وأزماتهم وأحزانهم بما يعود عليه بالنفع مهما كانت أضراره على تلك الفئة وما أكثرهم، فهذا رجل ضعيف الإيمان انتهازي الطبع قليل الضمير، ظل يفتش لنفسه عن مجال يتربح منه فهداه تفكيره المريض إلى أن يؤسس جمعية لرعاية المعاقين وهو على ثقة بأنه بمجرد تأسيسها سوف تحظى بدعم مادي كبير باسم هذه الفئة سواء من رجال أعمال أو سفارات أو هيئات او شركات أو بنوك في صورة أجهزة طبية أو تعويضية أو رياضية أو ساعات برايل أو أجهزة تسجيل أو موبايل أو عصي أو أثاثات أو كمبيوترات أو أموال، وهذه سيدة تريد أن تضفي على نفسها وجاهة اجتماعية لتظهر أمام الناس فاعلة خير محبة لأهله تستضاف في برنامج هنا وبرنامج هناك وحوار مع هذه الصحيفة أو تلك، وذاك يريد أن يركب سيارة يستحيل شراؤها من السوق لغلو ثمنها وبدلا من أن يضاعف جهده ويسعى لما يعينه على شراء هذه السيارة من السوق، لا يستحي ولا يتردد في تصيد أحد المعاقين حركيا ممن يسمح لهم القانون بالحصول على سيارة معفاة من الجمارك ويدفع لهذا المعاق حفنة من الجنيهات كي يشتري منه الحق في هذه السيارة ويظل يركبها على مدى سنوات إلى أن يرفع عنها الحظر وتئول ملكية السيارة إلى من لا يستحقها ويبقى للمعاق الحسرة ومص الأصابع، وهؤلاء اعضاء في الحكومة يريدون ارتداء ثوب المثاليين الطيبين الحكماء، إما من أجل كسب تعاطف الناس وانتزاع صفات ليست أصيلة فيهم أو أملا في الحصول على مكسب سياسي يسمح بمد فترة بقائه في السلطة.
بالمناسبة أحد هؤلاء الوزراء ادعى أنه أسس مكتبا للمعاقين في وزارته وطلب مني أن أكون أحد أعضائه وذلك قبل الاستفتاء على دستور ثورة 30 يونيو أملا في ألا يذهب مع الببلاوي رئيس الوزارة السابق وبقي الوزير فعلا وبقي معه مقر المكتب الذي اتضح فيما بعد أنه كان دورة مياه لمسرح هذه الوزارة ثم تحول إلى بوفيه لخدمة المسرح ثم أصبح بقدرة قادر مكتبا للمعاقين يعلن عن افتتاحه في مؤتمر صحفي قبل تجهيزه وحتى بعد افتتاحه لم يسمع أحد عنه حسا

ولا خبرا إلا على فترات متباعدة خاصة أن سيادته لم يعد في حاجة إلى أن تلتقط له الصور مع المعاقين كي يحظى بقبول من عليهم العين والنية، والغريب أن معالي الوزير المغرم بالإعلام عندما استشعر قرب الانتخابات البرلمانية وأنه يتطلع للبقاء في منصبه كوزير لم يتردد في اللجوء لنفس الاستثمار الحرام ورجع يلتقط لنفسه الصور بين المعاقين تارة في ملتقى للتوظيف وأخرى في تنظيم مباريات للمعاقين إلى آخر هذا الكلام الذي لا يجيد صنعه سوى المتربين في حظيرة الحزب الوطني وهو في النهاية واثق بينه وبين نفسه بأنه يدفع من جيب غيره ويكسب على قفا غيره وأنه مستعد للتضحية بكل شيء من أجل أن يقال عنه صاحب مبادئ وهي لا وجود لها في قاموس حياته الشخصية أو العملية .
في أكتوبر عام 1973 سقط أحد فاقدي البصر تحت عجلات المترو في محطة طوكيو وفقد حياته، وإزاء هذا الحدث الجلل لم يجد وزير المواصلات الياباني طريقة يعتذر بها عن خطأ هو متهم بارتكابه ضمنيا إلا تقديم استقالته نهائيا من وظيفته وتكريس بقية حياته للدفاع عن هذه الفئة أما هنا في مصر فملايين المعاقين يدهسون تحت عجلات العجز المفتعل والإقصاء المقيت والتأمين الصحي الغائب دون ان يستشعر أي من المسئولين الحرج أو الخجل أو أي من مفردات الذوق والإحساس التي كان من المفترض أن يتحلى بها أي مسئول عنده نظر أو أخلاق، في الصين يعلمون الكفيف كيف يوظف حاسة اللمس عنده في تعلم العلاج الطبيعي، وفي هولندا يعلمونه كيف يستخدم حاسة السمع في العمل لدى المخابرات، أما هنا في مصر فيحرمونه من كافة ترقياته وإن حصل عليها فمن خلال الورق فقط يتركونه يعاني الأمرين حتى لو حصل على أرفع الدرجات العلمية ويحببون إليه الكسل والعجز والتسول وتقاضي الراتب نظير جلوسه في البيت حتى تحول هذا الكفيف بمرور الوقت من مواطن شديد الحساسية ومنتهى الذوق إلى إنسان بليد ناقم على حياته وكاره لنفسه وللآخرين في كل بلدان العالم المتحضر المعاقين طاقات مستثمرة في كافة المجالات أما عندنا في مصر فالمعاقون لبنة في مطامع أصحاب المصالح وإحدى أهم أدوات تربحهم من خلال أسوأ استثمار يمارسه بشر في أية دولة وهو الاستثمار الحرام «استثمار المعاقين» ربنا يكفينا ويكفيكم شره.