الفقر قاهر الرجال
ليس هناك أخطر على أية أمة من الفقر لأنه المرادف الأول لعدم الاستقرار والمفتاح السحري لانتشار الجريمة وهمزة الوصل القبيحة بين الإنسان والفشل والشريان الرئيسي الذي يغذي اللصوص والمرتشين وقتلة الإبداع والمبدعين والآفة التي تتسبب في انهيار المجتمعات قيميا وتنمويا وعلميا، إذ كيف يفكر من حرم من الغذاء والرعاية الصحية والتعليم ؟ كيف يبدع من يذوق الأمرين في البحث عن لقمة العيش ويعجز عن الحصول على دخل محترم يوازن بين ما يتقاضاه من أجر وما ينفقه على المتطلبات؟ كيف يتطور من لم يعد يفكر سوى في الأمس الذي مر بلا جدوى واليوم الذي لا يستمتع به والغد الذي لا يعرف ماذا سوف يحمل إليه؟.
الفقر مر مؤلم استعاذ منه الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (اللهم إنني أعوذ بك من الفقر والفاقة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم) وقال الإمام علي بن طالب: (لو كان الفقر رجلا لقتلته) وقال ابن كثير: (الفقر هو الموت الأكبر.. القبر خير من الفقر) وقال سعيد بن عبد العزيز رحمه الله: (ما ضرب العباد بسوط أوجع من الفقر) ومن فصول ابن المعتز: (لا أدري أيهما أمر؟ موت الغنى أم حياة الفقر؟) وقال الشاعر:
ولم أر بعد الدين خيرا من الغنى ولم ار بعد الكفر شرا من الفقر
ورغم ثورتي 25 يناير – 30 يونيو واللتين استهدفتا زحزحة هذا الفقر عن مكانه وتحقيق العدالة الاجتماعية إلا أنه كان قويا عفيا وبقي يمثل نفس الخطر الذي سبق أن مثله، لا يزال هو الراعي الرسمي لكل الأمراض المجتمعية المستعصية مثل: «البطالة، الأمية، العنوسة، الزواج العرفي، الطلاق، زيادة معدلات الجريمة» لا يزال يكشف عن نفسه بوضوح في التقارير الرسمية وغير الرسمية ومنها: تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي أشار في فبراير الماضي لزيادة معدل الفقر في مصر إلى 36,3 % من إجمالي السكان وفقا لمقاييس الفقر القومي خلال عامي 2012 – 2013 كما أشار التقرير إلى أن 49 % من سكان الوجه القبلي لا يستطيعون الوفاء بحاجاتهم من الغذاء، ففي أسيوط وحدها يوجد حوالي 60% من سكان المحافظة تحت خط الفقر وفي قنا 58% وفي سوهاج 55% وقد سبق أن أشار إلى أحد تقديرات البنك الدولي إلى أن عدد الأشخاص الذين يحصلون على أقل من دولار واحد يوميا بلغ حوالي 2.1 مليون شخص علما بأن خط الفقر وفقا للتقديرات الدولية هو 1 دولار يوميا وأن عدد الأشخاص الذين يحصلون على أقل من 2 دولار يوميا يصل إلى حوالي 35 مليون شخص ولا شك أن هذه
يا سادة ليست الهزيمة في اغتصاب الأرض وتسلط المحتل على أهلها فقط، وإنما في قهر الرجال، وما يقهر المصريون الآن هو: الفقر ثم الفقر ثم الفقر ثم ما ينتج عن هذا الفقر من مآس وكوارث لا تقع تحت حصر وما ينبغي مقاومته والانتصار عليه الآن هو: الفقر ثم الفقر ثم الفقر، فهو العدو الأكبر للمصريين والتحدي الحقيقي أمام أي رئيس فإن تم تقليصه أو تحجيمه والحد من تغلغله فستكتب شهادة ميلاد جديدة لهذا البلد، أما إن ترك يتنامى ويتنامى فلا بديل عن ثورة ثالثة والتي إن اندلعت لا قدر الله فسوف يحترق بها الجميع لأنها ستكون هذه المرة ثورة للجياع وآه من الجياع لو ثاروا وآه من الفقراء إن كفروا بحصولهم على حقهم المشروع في الحياة الكريمة.