موسم الخونة
أدهشني أن قامت الدنيا ولم تقعد بسبب حق المصريين في التظاهر، بينما لم يتحرك أحد والملايين يكويهم الفقر والعوز والمرض والتخلف، أدهشني أن قامت الدنيا ولم تقعد لأن الشرطة تصدت بحزم لمن خرج على قانون التظاهر وقاموا بواجبهم في محاولة لإنقاذ مصر من هذه الفوضى التي تُمارَس باسم الحرية، ولم يتحرك أحد تعاطفاً مع شهداء الشرطة والجيش ممن طالتهم يد الإرهاب وهم يحمون أمننا وسلامتنا وأرضنا من كل مكروه.
أدهشني أن قامت الدنيا ولم تقعد بسبب حادثة المنيا الأخيرة والموصوفة بالطائفية في الوقت الذي لم يتحرك فيه أحد لحوادث أخرى كانت أكبر وأشد خطراً رغم كونها تضرب استقرار المجتمع وتعرض أمنه للخطر، معارك كثيرة كاذبة تُفرض علينا فرضاً وتستهلك جهدنا ووقتنا وأموالنا ولا طائل من ورائها سوى أن يفقد هذا البلد طاقاته واستقراره وتسقط مصر فريسة للصخب والجدل والاختلافات وانتصار صاحب الصوت الأعلى واليد الأطول وتظل تتخلف وتتخلف حتى تغيب عن شمس الدنيا فهل هذه هي المعارك التي ينبغي لنا أن نخوضها يا سادة؟.. وهل هذه مصر التي كم حلمنا بها بعد ثورتين؟.. وما مصلحتنا في توقف البناء واستهداف الجيش والشرطة بهذه الطريقة الوحشية؟.. وماذا لو سقطنا لا قدر الله؟.. هل سنشتري من يحمينا ويعيد إلى بلادنا الأمن؟.. هل سنجد بلداً آخر يستضيفنا وأرضاً أخرى نُدفن فيها عندما ننتقل من دار الباطل إلى دار الحق؟.. ولماذا نسكت على بعض الحمقى ممن يطالبون بتدخل الجيش الأمريكي لمواجهة الجيش المصري من أجل استعادة المعزول مرسي للكرسي؟.. لماذا نسكت على من يطالبون بوقف المساعدات عنا ومقاطعة بضائعنا وسد كافة المنافذ التجارية أمامنا؟
هل هذه هي الوطنية في ثوبها الجديد؟.. هل في تجويعنا أي مصلحة لنا؟.. هل يكون لمن حرض علينا الحق في أية شرعية أو حتى حياة؟.. أفهم أن سقوط مرسي قد ضايق القلة، لكن ماذا لو سقطت مصر كلها؟.. وأفهم كذلك أن مرسي لو كان رئيساً بجد ولكل المصريين لما سقط، أفهم أن الفريق السيسي مثل غيره من حقه أن يطمح في الترشح لأن يكون رئيساً لمصر، لكن لا أفهم كيف يمكن وصفه بالانقلابي والشعب كله قد انقلب على الرئيس: «القضاة، المحامون، الشرطة، الجيش، العمال، الفلاحون؟».. فمن الذي لم ينقلب على مرسي كي يصبح السيسي وحده انقلابياً؟.. الأزمة الحقيقية هى أن هناك من يحاول أن يجعل منا وقوداً لمعركة غير شريفة تُدار في أسوأ المواسم التي تعيشها مصر وهو موسم الخونة، نعم موسم الخونة الذي بدأ ولا يزال مستمراً برعاية قليلي الشرف والوطنية وقليلى الأدب والحياء، موسم الخونة الذي بدأ بانفجار ثورة يناير في الوقت الذي كانت تعاني فيه مصر من لحظة المخاض، فإذ بأنصاف الرجال
إن المعركة التي يخوضها الجبناء على أرضنا الآن ليست معركتنا، وحريتنا لن تكون أبداً في إسقاط القانون أو الاحتماء والاستقواء بالخارج، حريتنا في إيماننا بقضايانا الحقيقية واحترامنا لأنفسنا ولتاريخنا ونجاحنا في الانتصار على الانتهازيين وتحويل مصر من بلد راعية للفقراء إلى بلد يشعر فيها الجميع بالأمن والأمان، فهل نحلم بذلك يا عباد الله؟