عفاريت آخر زمن
من كثرة الأحداث الغريبة العجيبة المريبة التي تعرضها وتغطيها القنوات الفضائية والمحلية وتنشر أخبارها الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي، من كثرة تهاوي الرموز وسقوط الأقنعة والعجز عن تمييز الباطل من الحق والمزيف من الأصيل وإثارة الجدل واللغط وتناقض المواقف وصراع المصالح، من كثرة الحزن على ما آلت إليه الأوضاع السياسية
والاقتصادية والاجتماعية فى مصر، شعرت بالزهق والقرف وقلة الحيلة وفقدت القدرة على فهم الواقع الذى أعيشه وإذا بي – دون أن أدري – مغرم بالخيالات، سعيد بأن أعيش في التهيؤات، فأفترض أشياء لم تكن تخطر في بالي يوماً من الأيام وأعيش أوهاماً حلوة قد تكون أقرب إلى نفسي من واقع أمر من الصبار، مثلاً أتخيل أن الزمن ضحك لي وأنني أصبحت رئيساً لوزراء مصر بطعم الثورة فوضعت حدين أدنى وأقصى للأجور وضرائب تصاعدية تأخذ من الغني وتعطي للفقير وأوقفت نزيف إهدار المال العام وقضيت على الاحتكار وواجهت الفساد وانحزت للغلابة، والناس من فرط حبها لي تحملني على أكتافها وهي تهتف: «طارق يا عباس بتحبك كل الناس، حط الرز على المحشِي غير طارق ما يصلحش»، أحياناً أتصورني ممن يطلق عليهم «خبير إعلامي» تستضيفني هذه القناة وتتحايل علَىَّ تلك وتتنافس الصحف على نقل آرائي وتصريحاتي وأتقاضى منها مكافآتي بالدولار وأنتقل مثل صديقي الخبير الإعلامي «الدكتور فلان» من شقتي بالحي الشعبي الذي أسكن فيه إلى فيلا بالشيخ زايد بها جنينة وحمام سباحة وجراج وريسبشن بروسلين وحمام به جاكوزي وكلب وُلف يستقبلني ويودعني وأهم من كل هذا غرفة للخدامين الذين سيقولون لزوجتي يا ستي ويقولون لي يا سيدي، أحياناً يُهيأ لي – وأنا الحاصل على درجة الدكتوراه في الآداب بمرتبة الشرف الأولى – أن الجامعات سوف تستفيق فجأة وستتنبه إلى قيمتي العلمية وتتصارع فيما بينها على الفوز بي وضمي إلى هيئة التدريس بها ومنحي مُرتباً يليق بتعبي وجهدي وإنسانيتي، وأحايين كثيرة ولأن الأمل في ضمائر الناس بات نوعاً من الجنون، بدأت ألجأ إلى الاتصال بالعفاريت علني أجد من بينها خادم «فانوس إسماعيل ياسين السحري» ليعطيني من الأموال ما يمكنني من بعثرتها في الملاهي الليلية وأسعد بثرائي الفاحش ولو لمدة سبعة أيام مثلما سبق أن سعد إسماعيل ياسين في فيلمه «إسماعيل ياسين والفانوس السحري»، ولأن هذا الفانوس العفاريتي سيكون فعلاً مدخلي لحياة الفخفخة والعز والوز، فقد ظللت أحلم به وأفتش عنه حتى بين أكوام لعب ابني القديمة فربما يسعدني الحظ بالعثور عليه.
ظلت فكرة الفانوس هذه مهيمنة على رأسي حتى رحت ذات ليلة في سبات عميق، وقتها كان الجو شديد البرودة، ويبدو أنني نسيت نوافذ الغرفة مفتوحة، مستحيل، هل هذه حقيقة أم حلم؟ أخيراً وجدته، إنه فانوس إسماعيل ياسين بشحمه ولحمه، أحكه، نعم أحكه، هكذا تعلمنا من فيلم إسماعيل ياسين، لكن ماذا سأفعل لو ظهر لي العفريت ؟ كيف سأصرفه ؟ فرصة عمرك يا طارق، خادم الفانوس جاء إليك فلا
تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازديادِ