عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يا ثورة ما تمت

كأن هذا الشعب محكوم عليه أن يحلم بالأمل ليتألم، كأن هذا الشعب يُراد له أن يثور ضد الظالم ليستبدله بمن هو أظلم، كأن هذا الشعب مقدر له أن يظل يدور في دائرة مفرغة كي يفقد توازنه ويضطر إلى أن يمد يده بحثاً عن النجاة فإذا باليد التي تمتد له تعيده ثانية لنفس الدائرة ليعاود الكرة من جديد.

بعد ثورة 25 يناير 2011 توهم المصريون أنهم ودعوا الفساد والعشوائية والفقر والذل والمرض، توهموا أنهم سيعيشون مثل بقية خلق الله في عدالة ومساواة وحرية لا فرق بين مصري ومصري إلا بالعمل والكفاءة، وكُتبت قصائد الحب في الوطن وأقيمت ندوات في نظريات التغيير وأطلقت التصريحات المتفائلة والوعود البراقة وسُمح للفقراء لأول مرة بأن يتصوروا أن ما نُهب منهم على مدى ثلاثين سنة سوف يُعاد إليهم ويكون من نصيبهم، لكن يا ثورة ما تمت، فإذا بلصوص النظام السابق ينجون بغنائمهم إما بالتصالح بواسطة نظام مرسي وبطريقة: «ادفع لي، تنجو من الحساب» وإما بالبراءات التي نزلت على الرؤوس كالصاعقة لتترك كل مصري في الشارع يسأل نفسه: «ما دام هؤلاء اللصوص أبرياء، فضد من قامت الثورة إذن؟ إذا كان هؤلاء اللصوص أبرياء فهل الشعب هو المتهم؟» يا ثورة ما تمت.
وقتها قيل إن الثورة سارت في غير الطريق المرسوم لها لأن الإخوان قفزوا عليها وسرقوها لكي ينفردوا بالحكم وكانت كل المؤشرات تؤكد على هذه الحقيقة، وتمكن الإخوان فعلاً من البرلمان وغضوا الطرف عن تشريعات كانت واجبة وشرعوا لأشياء لم يكن هذا وقتها وأثاروا قضايا تافهة على غرار وجوب تزويج البنات في سن التاسعة ووقف تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس لأنها لغة الكفرة.. إلخ.
ثم جاء مرسي للحكم كأول رئيس منتخب ووُصف بأنه بلا رؤية ومتردد إلى حد التخبط وموظف في مكتب الإرشاد ومستبد وأن المشروع الذي جاء به للحكم باسم «مشروع النهضة» ما هو إلا مشروع الفنكوش، وأنه لم ولن ينحاز أبدا للغلابة وأن الدستور الذي سعى لخروجه للنور هو دستور مفخخ بلا سند شعبي سيعمل على تحويل مصر من نظام إلى تنظيم وأن حكومة قنديل التي أتى بها هي حكومة فاشلة لا تعرف شيئاً عن السياسة ولا تعرف كيف تمارس الاقتصاد وكل همها قرض صندوق النقض الدولي، لذلك بدأ الغضب يعشش في النفوس مرة أخرى وبدأ الحلم في التغيير يكشف عن نفسه في إضرابات هنا واعتصامات هناك إلى أن انتهى المطاف بثورة 30 يونيو 2013 عندما

خرج الملايين زاحفين للشوارع يطالبون بإسقاط مرسي وإزاحة غم الإخوان عن السلطة، وسقط مرسى وتحول الإخوان إلى مجرد ذكرى، وقتها تعالت الأصوات المطالبة بحكومة ثورية وقرارات ثورية تنقذ الناس من ذلك التردي الاقتصادي والاجتماعي والأمني الذي عاشوا فيه طيلة الفترة السابقة، لكن يا ثورة ما تمت، فقد تسلم الببلاوي رئاسة الحكومة وإذا بتلك الحكومة بطعم حكومات قنديل والجنزوري وشرف وأحمد شفيق ونظيف وعبيد في السياسات والقرارات والتصريحات وعدم الشفافية وعدم التخطيط والتلكؤ والتواطؤ والتباطؤ وقلة الحزم وقلة الخبرة وقلة أي شيء يمت للثورية بصلة، فدستور 2012 الذي قيل إنه غير توافقي وغير مشروع، يتم تعديله، فلماذا يُعدل ولا يُلغى؟ يا ثورة ما تمت، المنظومة الإدارية لا تزال محصنة من الإصلاح وأهل الثقة هم من يتصدرون المشهد والقرارات تفرضها اللحظة ولا تفرض نفسها على اللحظة والفساد يستشرى، كل شيء كان بالأمس لا يزال هو هو اليوم، يا ثورة ما تمت، لقد قامت ثورتا يناير ويونيو من أجل التغيير لا من أجل التضحية بالشهداء والمصابين وقياس مدى قدرة المصريين على الغضب والانتفاض، قامت الثورتان من أجل إنقاذ المصريين من فقر طال عذابه وفساد دمر العقول والقلوب وتوريث وزع الوظائف على أساس النسل وليس الكفاءة ورشوة باتت كالمتحدث الرسمي باسم إنجاز أية مصلحة، قامت الثورتان من أجل التفاعل مع المشكلات بما يتناسب مع حجمها واحترام الوقت بقدر خطورة الأحداث واختيار حكومة تليق بمصر ليست بطعن الحزب الوطنى ولا جماعة الإخوان، قامت الثورتان من أجل أن يحصد الناس ثمارهما لا من أجل أن يمصوا أصابعهم ندماً وهم يقولون لأنفسهم: «ياااااا ثورة ما تمت».