أثرياء الإصلاح في زمن الأنصاف
كأنني نمت ذات ليلة ثم استيقظت فإذا بي أفكر بنصف عقل وأشعر بنصف إحساس واتحدث عن نصف حقيقة وأفتش عن نصف فرصة وأعيش نصف حياة، وعندما سألت أحد المقربين عن سر ذلك الانشطار المستولي علي، أجابني بمنتهي الوضوح: «لأننا نعيش في زمن الأنصاف،
زمن مطلوب فيه قبل أن تكون موهوبا أن تمتلك أسطولا من العلاقات العامة وقدرا لا بأس به من ثقافة الشللية، قبل أن تكون انسانا نبيلا أن تكون نصف انسان ونصف شيطان لتوازن بين مصلحتك ومصلحة الاخرين، بين ما تكذب به علي نفسك أو تصدق به نفسك لتخدع الاخرين، فتهاجم من يعرفك خوفا من ان يفضحك وتعادي صديقك حرصا علي مكاسب عدوك» وقع كلام صديقي علي مسامعي كالصاعقة، لأنني احسست بصدق رغم انني كنت اتمني الا اصدقه، ما قاله لي كان مدفونا في صدري وكنت اخشي ان يبوح به صدري، فما أكثر الانصاف في ذلك النصف زمن وما أكثر من كانوا ثم أصبحوا وأضحوا وامسوا وباتوا وتلونوا وفق مقتضيات اللحظة وطبيعة المرحلة.
كان لي صديق اعرفه ويعرفني جيدا، ازوره ويزورني، فجأة قدرت له الايام أن يكون في منصب كبير للغاية بإحدي المؤسسات الصحفية، فرحت له كثيراً، فكم كان يحدثني عن الاخلاق والمثل، وكم كتب عشرات المقالات عن الغلابة وحقوق الغلابة، وبعد أن بدأ يعلو نجمه وتسلط عليه الاضواء ويصفه الكتاب الكذابون بأنه العبقري رغم أنه لم يكتب كتابا واحدا في حياته، اذا به انسان غير الذي اعرفه، اذا به جزء من النظام السابق يقوم بدور المعارضة
يا سادة المصلح الحقيقي هو الانسان المستعد دائماً لخسارة كل شيء من أجل ان تنتصر دعوته للاصلاح أما تجار الاصلاح فهم من يسعون لكسب كل شيء ولو علي حساب مبادئهم وعلي يد هؤلاء خسرت مصر اكثر ألف مرة مما خسرت في عهد مبارك وسوف تخسر المزيد إذا بقوا في الواجهة.