رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كن شجاعاً ولو مرة واحدة

ضاقت بي الأفكار وضقت بها، بعد أن فتشت عن جديد أقدمه للقارئ العزيز هذا الأسبوع ولم أجد، لا أعرف ما الذي جري لي؟ وما الذي أسلمني لتلك الحالة؟ أين الكلمات؟ ولماذا تعصاني؟ هل غادرتني أفكاري بلا رجعة؟ أم أنها احتشدت برأسي إلي درجة أنني لم أعد أعرف أيها اختار وأيها أدع؟ هل افترسني الملل من تكرار كل شيء حولي؟ أم أعجزتني كثافة الأحداث عن التفاعل معها؟

أسئلة كثيرة استولت علي، لم يرحمني منها سوي قسوة البرد التي دفعتني دفعا للذهاب إلي الفراش والاستسلام للنوم، أغلقت علي باب غرفتي كي لا أسمع أية أصوات قد تعكر إحساسي بوحدتي ولففت نفسي ببطانيتي وفجأة إذا بي في مكان غير المكان، ومع ناس غير الناس لا أسمع منهم إلا همهمات، فسرت منها فقط كلمة بلادي، المكان كأنه روضة من رياض الجنة فيه من السحر والجمال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، الوجوه مستبشرة صافية كصفحة النيل الذي كان يعبده أجدادنا المصريون ويستلهمه الفنانون والأدباء.
من فرط سعادتي مما أنا فيه، دعوت الله ألا أكون في حلم، وأن أقضي في ذلك المكان بقية حياتي، حاولت أن أفتح قلبي لأتحدث إلي أي من الحضور، لكن لا أحد يريد أن يسمعني، لا أحد يحاول أن يقترب مني، الكل يشيح بوجهه عني، صرخت، أنا هنا بينكم، فأين أنا منكم؟ من أنا ومن أنتم؟ هل أنتم غرباء عني أم أنا غريب عنكم؟ أكاد أجن، ماذا فعلت كي ألفظ هكذا؟ تفرست الوشوش التي من فرط نضارتها كدت لا أميز بينها، لم أكد أسمع لصرخاتي سوي صداها، أما قلبي فقط رأي ما لا يراه البصر، دلني علي حقيقتي وعلي حقيقتهم، ذكرني بأنني لا أزال في عالم الباطل وهم في عالم الحق، أنا حي وهم شهداء أنا أكتب عن معاناة المصريين وهم ضحوا بحياتهم من أجل معاناة المصريين، أنا أشارك في التنظير للثورة وأتغني بأمجاد الثورة وأفتش عمن سرق الثورة، بينما هم بذرة الثورة التي روت ولا تزال تروي نفسها بنفسها رغم محاولة تجفيف كل المنابع التي تضمن استمرارها، أنا أحببت مصر في خيالي بينما هم أحبوا مصر بالعقيدة، بالدم، بالموقف، لم يترددوا مثلما ترددت، لم يخافوا مثلما خفت، بدوا مصالحي علي مصالحهم، وحرصوا علي حياتي قبل

حياتهم، خرجوا إلي ميادين مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 وضميرهم، كان يهتف «تحيا مصر» وصدورهم عارية مستعدة لتلقي الرصاص مستبشرة بأذان الفجر الجديد، وكنت أنا أتابعهم في النشرات وعبر مواقع التواصل الاجتماعي باكياً علي سقوطهم واحداً تلو الآخر، وهل تنفع الدموع في تحريك حبة رمل واحدة من مكانها؟ صحيح أنني لم أكن أريد لنظام مبارك إلا تلك النهاية، لكنهم أصروا علي إسقاطه وكشف حقيقته والإلقاء به في السجون وإذاقته من نفس الكأس التي روانا منها قصرا وجبرا مدة ثلاثين سنة، أين أنا من الشهيد زياد بكير الذي آراه أمام عيني باسم الثغر يرسم بريشته الرائعة لوحات أعظم ألف مرة من تلك التي تعرض له في الهناجر الآن بعد عام كامل من رحيله؟ أين أنا من الشهيد أحمد بسيوني والذي كان مدرساً بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان ورغم كونه أباً لطفلين كان خوفه عليهما وعلي 85 مليون مصري دافعه الأساسي لطلب الشهادة؟ أين أنا من مصطفي الصاوي والذي شاء قدره أن يستشهد في يوم 28 يناير نفس يوم ميلاده؟ أين أنا من شباب في عمر الزهور اختاروا الوطن، وانتقلوا لعالمهم الأرقي والأعظم والأطهر من ذلك العالم الذي ارتضيته ولا أزال أعيش فيه؟ إذن، الحلم الذي أراه الآن ليس من حقي، والعالم الماثل أمامي ليس عالمي ولابد من أن أصفعني صفعة واحدة أستفيق بعدها.. واستيقظت فعلا وكانت آخر جملة أقولها لنفسي وأنا عائد من عالم الشهداء لعالم شهود الزور، (كن شجاعا ولو مرة واحدة).