كن شجاعاً ولو مرة واحدة
ضاقت بي الأفكار وضقت بها، بعد أن فتشت عن جديد أقدمه للقارئ العزيز هذا الأسبوع ولم أجد، لا أعرف ما الذي جري لي؟ وما الذي أسلمني لتلك الحالة؟ أين الكلمات؟ ولماذا تعصاني؟ هل غادرتني أفكاري بلا رجعة؟ أم أنها احتشدت برأسي إلي درجة أنني لم أعد أعرف أيها اختار وأيها أدع؟ هل افترسني الملل من تكرار كل شيء حولي؟ أم أعجزتني كثافة الأحداث عن التفاعل معها؟
أسئلة كثيرة استولت علي، لم يرحمني منها سوي قسوة البرد التي دفعتني دفعا للذهاب إلي الفراش والاستسلام للنوم، أغلقت علي باب غرفتي كي لا أسمع أية أصوات قد تعكر إحساسي بوحدتي ولففت نفسي ببطانيتي وفجأة إذا بي في مكان غير المكان، ومع ناس غير الناس لا أسمع منهم إلا همهمات، فسرت منها فقط كلمة بلادي، المكان كأنه روضة من رياض الجنة فيه من السحر والجمال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، الوجوه مستبشرة صافية كصفحة النيل الذي كان يعبده أجدادنا المصريون ويستلهمه الفنانون والأدباء.
من فرط سعادتي مما أنا فيه، دعوت الله ألا أكون في حلم، وأن أقضي في ذلك المكان بقية حياتي، حاولت أن أفتح قلبي لأتحدث إلي أي من الحضور، لكن لا أحد يريد أن يسمعني، لا أحد يحاول أن يقترب مني، الكل يشيح بوجهه عني، صرخت، أنا هنا بينكم، فأين أنا منكم؟ من أنا ومن أنتم؟ هل أنتم غرباء عني أم أنا غريب عنكم؟ أكاد أجن، ماذا فعلت كي ألفظ هكذا؟ تفرست الوشوش التي من فرط نضارتها كدت لا أميز بينها، لم أكد أسمع لصرخاتي سوي صداها، أما قلبي فقط رأي ما لا يراه البصر، دلني علي حقيقتي وعلي حقيقتهم، ذكرني بأنني لا أزال في عالم الباطل وهم في عالم الحق، أنا حي وهم شهداء أنا أكتب عن معاناة المصريين وهم ضحوا بحياتهم من أجل معاناة المصريين، أنا أشارك في التنظير للثورة وأتغني بأمجاد الثورة وأفتش عمن سرق الثورة، بينما هم بذرة الثورة التي روت ولا تزال تروي نفسها بنفسها رغم محاولة تجفيف كل المنابع التي تضمن استمرارها، أنا أحببت مصر في خيالي بينما هم أحبوا مصر بالعقيدة، بالدم، بالموقف، لم يترددوا مثلما ترددت، لم يخافوا مثلما خفت، بدوا مصالحي علي مصالحهم، وحرصوا علي حياتي قبل