دم أيمن في رقبة من؟
عرفت أيمن صلاح صديقاً لشقيقي منذ عشرين سنة عندما كانا طالبين بإحدى المدارس الخاصة بالمكفوفين ثم تخرجان في كلية الآداب جامعة القاهرة، لم ألاحظه يوماً متبرماً بالحياة رغم أنه ذاق الأمرين
في دق كل الأبواب حتي فاز بفرصة عمل بكلية الهندسة جامعة القاهرة، ولأن الناس غير الناس ولأن القلوب ودعت الرحمة، كان أيمن - بسبب فقد البصر - يتنقل من مكان إلى مكان برفقة ابنته التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها، وكم تعرض هو وطفلته المسكينة لكم هائل من المخاطر، حتي أنه جاءني ذات يوم بالتماس طلب نشره بجريدة «المصري اليوم» يطلب فيه من وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي منحه سيارة معفاة من الجمارك يقودها مرافق تمكنه من التحرك الآمن وتقيه شر الحاجة للآخرين ونشرت الالتماس وطبعاً لا حس ولا خبر، وبعد قيام الثورة بأربعة أشهر جاءني أيمن مرة اخرى، وقال لي: مصر بعد الثورة ليست كمصر قبل الثورة، فأرجوك اكتب مقالا يستحث الدكتور شرف وحكومته على السماح لي ولأمثالي من المعاقين بصرياً - على غرار المعاقين حركياً - بالحصول على سيارة معفاة من الجمارك وكتبت في هذه الجريدة المحترمة، وفي نفس هذا الموضوع مقالاً في هذا الخصوص بعنوان «هل هناك إعاقة سعد وإعاقة نحس؟» عرضت فيه للأسباب التي تجعل الكفيف الحق المشروع في أن يمتلك سيارة ومدى المخاطر التي سيتعرض لها بسبب تنقله في المواصلات العامة ورجوت الدكتور شرف الاهتمام بهذه المسألة واقترحت بعض الضوابط التي تضمن عدم استثمار هذا الاستثناء من جانب تجار المعاناة، وكان أيمن يسألني كلما التقاني بعد نشر هذا المقال: هل رد عليك الدكتور شرف؟ فأصمت، فيعيد السؤال فأصمت، حتي قال لي يوم الثلاثاء الماضي: الدكتور شرف مشغول فقط بالفتنة الطائفية الله يتولانا، وفي مساء اليوم التالي بينما كنت غارقاً في الكتابة إذ بطرق عنيف على باب شقتي انطلقت بسرعة وفتحت لأجد أخي يبكي الى حد النحيب أنفاسه تلهث ودموعه تكاد تحرقني وهو يقول بصوت متهدج: لا حول ولا قوة إلا بالله، أيمن صلاح تعيش انت، أيمن دهسه المترو، استولت على صدمة المفاجأة وصرخت هل أنت متأكد؟ ومن أبلغك هذا الخبر المشئوم، أجابني: زوجته، استغفرت الله وترحمت على الفقيد وقضيت ساعات صعبة عرفت بعدها تفاصيل الحكاية المأساوية، وهي: أن أيمن لم يخرج بصحبة ابنته كما تعود وذهب بمفرده لأمر ما بالجامعة، وبعد أن أنجزه
رحم الله أيمن فقد رحل ولم يكن يتمنى الرحيل وكل ما كان يرجوه أن يعيش مرتاحاً مطمئناً، رحل أيمن تاركا لابنته اليتم ولزوجته الترمل ولكل أطياف المجتمع وطوائفه سؤالاً واحداً: دم أيمن في رقبة من؟
[email protected]