رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

دم أيمن في رقبة من؟

عرفت أيمن صلاح صديقاً لشقيقي منذ عشرين سنة عندما كانا طالبين بإحدى المدارس الخاصة بالمكفوفين ثم تخرجان في كلية الآداب جامعة القاهرة، لم ألاحظه يوماً متبرماً بالحياة رغم أنه ذاق الأمرين

في دق كل الأبواب حتي فاز بفرصة عمل بكلية الهندسة جامعة القاهرة، ولأن الناس غير الناس ولأن القلوب ودعت الرحمة، كان أيمن - بسبب فقد البصر - يتنقل من مكان إلى مكان برفقة ابنته التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها، وكم تعرض هو وطفلته المسكينة لكم هائل من المخاطر، حتي أنه جاءني ذات يوم بالتماس طلب نشره بجريدة «المصري اليوم» يطلب فيه من وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي منحه سيارة معفاة من الجمارك يقودها مرافق تمكنه من التحرك الآمن وتقيه شر الحاجة للآخرين ونشرت الالتماس وطبعاً لا حس ولا خبر، وبعد قيام الثورة بأربعة أشهر جاءني أيمن مرة اخرى، وقال لي: مصر بعد الثورة ليست كمصر قبل الثورة، فأرجوك اكتب مقالا يستحث الدكتور شرف وحكومته على السماح لي ولأمثالي من المعاقين بصرياً - على غرار المعاقين حركياً - بالحصول على سيارة معفاة من الجمارك وكتبت في هذه الجريدة المحترمة، وفي نفس هذا الموضوع مقالاً في هذا الخصوص  بعنوان «هل هناك إعاقة سعد وإعاقة نحس؟» عرضت فيه للأسباب التي تجعل الكفيف الحق المشروع في أن يمتلك سيارة ومدى المخاطر التي سيتعرض لها بسبب تنقله في المواصلات العامة ورجوت الدكتور شرف الاهتمام بهذه المسألة واقترحت بعض الضوابط التي تضمن عدم استثمار هذا الاستثناء من جانب تجار المعاناة، وكان أيمن يسألني كلما التقاني بعد نشر هذا المقال: هل رد عليك الدكتور شرف؟ فأصمت، فيعيد السؤال فأصمت، حتي قال لي يوم الثلاثاء الماضي: الدكتور شرف مشغول فقط بالفتنة الطائفية الله يتولانا، وفي مساء اليوم التالي بينما كنت غارقاً في الكتابة إذ بطرق عنيف على باب شقتي انطلقت بسرعة وفتحت لأجد أخي يبكي الى حد النحيب أنفاسه تلهث ودموعه تكاد تحرقني وهو يقول بصوت متهدج: لا حول ولا قوة إلا بالله، أيمن صلاح تعيش انت، أيمن دهسه المترو، استولت على صدمة المفاجأة وصرخت هل أنت متأكد؟ ومن أبلغك هذا الخبر المشئوم، أجابني: زوجته، استغفرت الله وترحمت على الفقيد وقضيت ساعات صعبة عرفت بعدها تفاصيل الحكاية المأساوية، وهي: أن أيمن لم يخرج بصحبة ابنته كما تعود وذهب بمفرده لأمر ما بالجامعة، وبعد أن أنجزه

توجه الى محطة مترو الجامعة، يبدو أنه لم يجد من يعينه على رحلته وسار بمفرده حتى وصل للمحطة ولم تمض سوى دقائق وإذا بحركة الأقدام تنبئ بأن المترو على وشك الوصول، لم يحاول ايمن الاستعانة بأحد وربما حاول دون أن يلتفت إليه أحد، ولم يجد أمامه من سبيل سوى أذنه لتعينه على بلوغ الهدف كما تعود، لكنها دفعته للتهلكة هذه المرة عندما سار نحو المترو قبيل وصوله بثوان ليسقط المسكين فوق القضبان لتدهسه عجلاته وتضيع حياته رغما عنه، قصة مأساوية تكفي لتأنيب ضمير أي مسئول في بلدنا إن كان للمسئولين عندنا ضمائر، قصة مأساوية تدفعنا لنتساءل أين المعاقون بصرياً من القوانين التي تحمي حقوقهم في الحياة؟ ولماذا لا تمهد لهم الطرق وتؤمن الوسائل الاسترشادية التي تكفل لهم السلامة؟ من يحميهم من الحوادث التي يتعرضون لها يومياً؟ ما العيب في أن تمنحهم الدولة الحق في سيارة معفاة من الجمارك تحفظهم من الحاجة للآخرين؟ لماذا لم يقدم الدكتور شرف أو وزير مواصلاته أو وزير ماليته أو رئيس شركة مترو الأنفاق اعتذاراً رسمياً عن تلك الحادثة البشعة؟ إن كان أيمن وأمثاله أكثر من ثلاثة ملايين كفيف لا يستحقون الحياة، فلماذا لا تقوم الحكومة بالتفتيش عنهم وتستدعيهم وتجمعهم في محطات المترو وتدهسهم دفعة واحدة أو تولع فيهم بجاز ولا تشغل نفسها بوجع قلبهم؟
رحم الله أيمن فقد رحل ولم يكن يتمنى الرحيل وكل ما كان يرجوه أن يعيش مرتاحاً مطمئناً، رحل أيمن تاركا لابنته اليتم ولزوجته الترمل ولكل أطياف المجتمع وطوائفه سؤالاً واحداً: دم أيمن في رقبة من؟

[email protected]