حتى لا تنقرض المدارس (3)
استلم الوزارة وجاءت البشارة .. واستبشرنا خيرا بتصريحات الدكتور غنيم وزير التربية والتعليم التي تشجعنا علي توقع أن المدارس فعلا لن تنقرض، حيث أعلن سيادته «إنهاء عصر المدارس الليلية والدروس الخصوصية سيئة السمعة»، مضيفاً أنه لن يقبل استمرار تسلسل معاناة الأسر المصرية مع الدروس الخصوصية المسئولة عن كوارث التعليم».
يؤكد الوزير أيضاً أنه جاء ليكون « وزيراً من الميدان وليس من الديوان» بما معناه أنه سيتواصل مع المستويات التنفيذية ، ويتواجد في المواقع التعليمية ولن ينعزل عن واقع الحال في المدارس والإدارات.. وهذا شىء طيب ، علي أني أود الإشارة إلى أن التواجد فى الميدان لا ينفى الحاجة للتواجد فى الديوان أيضا بمعنى أن المتابعة الميدانية للتنفيذ لا تلغى الحاجة إلى التخطيط ورسم السياسات من الديوان، وأى تنفيذ جيد لابد أن يسبقه تخطيط جيد، ولو أحسن الوزير اختيار مساعديه فلابد أن يتولوا بأنفسهم العبء الأكبر فى متابعة التنفيذ ورفع التقارير ،على أن يتأكد الوزير من دقة ومصداقية التقارير ولذلك وسائل متعددة من بينها الزيارة التفقدية لمواقع العمل شريطة ألا تتحول الزيارات «المفاجئة» الي تمثيليات سابقة التجهيز والترتيب فينتج عنها عكس المقصود. إذن أنا لا أريد من الوزير أن ينغمس في تفاصيل الجوانب التنفيذية بأكثر من اللازم و إلا ضاع وقته فلا يتبقي وقت لمسائل التخطيط والتطوير ورسم السياسات والتقييم وتوضيح الرؤي ووضع الاستراتجيات وتغييرها عند اللزوم فتلك وظائف لا تتم في الميدان، وإنما يقوم بها متخصصون وخبراء ومستشارون ومديرون كبار في «الديوان». إن كثيراً من المسئولين تسعدهم الزيارات التفقدية وما يصاحبها من تغطيات إعلامية فيبالغون فيها إلي حد إهمال الجانب الأكثر خطورة في عملهم، والذي من أجله عيناهم في مناصب الوزراء أو كبار المسئولين . وأنا طبعا أريد للدكتور غنيم أن يهتم بالأمرين معاً: التخطيط ومتابعة التنفيذ.
أما فيما يخص « إنهاء عصر المدارس الليلية والدروس الخصوصية «فهذه بشري عظيمة لوقف التدهور الذي كاد يقضى على المدارس الرسمية والخاصة بشرط الانتباه لخطورة الظاهرة وتشابك أطرافها، وبالتالي تعقيد حلولها . فظاهرة الدروس تحميها مصالح وأطراف متعددة: المعلم الذي يعطي الدروس سيهمل في أدائه الأصلي بالمدرسة فيضطر الطالب للبحث عن بديل، وإذا المعلم لم يهمل فسيوحي للطالب بأن ما يقال في الدروس هو «الخـــــــلاصة» فيتلهف الطالب لتعـــــاطي «الخلاصة» ولا يخفي أن غالبية الطلاب ستبحث عن الحل المريح في بحثهم عن التعليم ، والمعلم الخاص يعد بهذا الحل المريح ، يضاف الي ذلك أن المعلم الخاص يعد أيضا بأن يكشف عن «التوقعات المرئية» في أسئلة الامتحان وأجوبتها النموذجية وبالتالي إمكانية حصد المجاميع الجنونية التي تقترب من وأحياناً تتخطي حاجز الـ100% فالطالب الباحث عن الدروس لم يعد هو الطالب البليد أو الضعيف وإنما كل الطلاب ، والمتفوقين منهم قبل الضعفاء . هذه واحدة ، أما الثانية فإن المعلم الخاص يحقق إيرادات كبيرة من عمله يسمح له بمجاملة المسئولين عن انضباط أدائه الأصلي في المدرسة فيتساهلون معه ويغضون الطرف عن إهماله وتقصيره . ليس هذا فقط وإنما هؤلاء المسئولين لهم
سيدى الوزير ان مشكلة الدروس الخصوصية مرتبطة أيضا بنظام الامتحانات وبنوعية الأسئلة وبوضوح رسالة المدرسة ورسالة الوزارة وبعمل النظار والموجهين. فلا يجب التعامل معها بخفة أو بتسطيح. لقد حاول وزير سابق استخدام الأساليب البوليسية ثم الضغوط الضريبية ثم العقوبات الإدارية، ولم يحقق من كل ذلك القضاء على الدروس الخصوصة فالمشكلة أكبر من ذلك، ويجب فهم كل أطرافها وجوانبها حتى نستطيع مواجهتها بفاعلية.
لا تسمح مساحة المقال بتناول باقى تصريحات الوزير، وأعد بالعودة إلى ذلك فى المقال القادم ضمن الحملة التى أطلقناها بعنوان «حتى لا تنقرض المدارس».
آخر سطر
متابعة التنفيذ لا تغنى عن جودة التخطيط