"سعيد عبدالخالق" ذكريات وفدية
جاء نبأ اصابته بغيبوبة ونقله إلي العناية المركزة كأمر غريب علي من يعرفون الأستاذ »سعيد عبدالخالق« رئيس تحرير الوفد، عرف رحمه الله بالقوة النفسية وصلابة الاحتمال وشدة البنيان ولم يكن المرض بسيطا. لحظة الموت تعيد شريطا طويلا في الذاكرة لمعرفتي بـ» سعيد عبدالخالق« وقت أن كان مديرا لتحرير »الأحرار في أواخر السبعينيات« اختاره فؤاد سراج الدين ليعبر عن أخبار الوفد وآرائه قبل صدور حكم قضائي بعودة الحزب وتم ذلك باتفاق مع حزب الأحرار وجريدته.
في تلك الفترة وبعد انقطاع مني طويل عن الكتابة الصحفية وبعد حصولي علي الماجستير عن جريدة المصري الوفدية قررت أن أكتب مقالا بعنوان تطلب من الرئيس أن يعيد الوفد للشعب. سلمت المقال إلي الأستاذ الكبير إبراهيم فرج في مكتبه للمحاماة بادر الأستاذ بظرفه المعهود بالاتصال بسعيد عبدالخالق واعدا إياه بمقال رائع. بسرعة وصل الأستاذ سعيد عبدالخالق وأخذ المقال ونشره بارزا. بعدها وبناء علي طلب الأستاذ وحيد غازي رئيس تحرير الأحرار واصلت نشر موضوعات مدروسة عن تاريخ الوفد مدافعة عن قياداته وصحفه ومواقفه التي يتم تزييفها بعد الثورة. بدا الأمر غريبا أن تنشر دراسات موثقة فيها نقد موضوعي لمواقف الثورة وأن يكون ذلك في صحيفة تميل الي الضباط الأحرار بحكم انتماء رئيس حزب الأحرار »مصطفي كامل مراد« اليهم. مع ذلك استطعت السير عكس التيار معولة علي الأثر الطلب الطيب لكتاباتي التي كانت جديدة وربما جريئة لمقاييس تلك الفترة وساعدني علي نشر ما أريد دعم الأستاذ سعيد عبدالخالق ووجوده طلب مني أن أحضر لقاءات رئيس حزب الأحرار رحمه الله للمساعدة علي تمرير هذه المقالات، أيضا وجدت تلميحا مهذبا ماذا لو انضممت لحزب الأحرار وهو ما اعتذرت عنه تماما ولم يسمح لي بالانسحاب من العمل في الجريدة بل وجدت تشجيعا علي نشر دراسات تتعطش لها الحياة الصحفية لما فيها من تصحيح لكثير من الأخطار التاريخية.
تملك كانت فترة مميزة وثرية في العلاقة مع سعيد عبدالخالق حيث كنا مع اختلاف الأسلوب نقف في صف واحد مما كان يلقي حفاوة بالغة من »الباشا« كما عرفت.
هذه البداية ومرور السنوات وتغير الأحداث في حزب الوفد وجريدته فرضت إعزازا علي العلاقة مع كل الزملاء الذين عملوا في هذه المرحلة المبكرة بالصحيفة وتشاركنا معافي اصدار صحيفة الوفد التي شقت طريقا نضاليا عظيما .. وكان سعيد عبدالخالق بالطبع من أهم هذه الشخصيات في تدرجه في المناصب المختلفة.
زخم المسيرة النابضة بالحماس والأمل في الوفد جعلنا مع اختلاف التخصصات والأعمار والأدوار نشعر دائما برابطة قوية بيننا تبدو في المواقف الأساسية ، العلاقة المحددة والموضوعية بقيادات أي جريدة تجعل الأمور
خرج سعيد عبدالخالق من الوفد في فترة رئاسة د. نعمان جمعة وظل بعيدا إلي أن أعاده الأستاذ محمود أباظة رئىس الوفد السابق ككاتب بالجريدة اتسمت كتاباته بالجرأة اللاذعة.. بدا ذلك في حملته المستمرة علي كثير من صفقات البيع لكبري المؤسسات ومنها »عمر أفندي« وغيرها الاستاذ محمود أباظة سعيد كرئيس للتحرير من جديد.
من المؤكد أن جريدة الوفد قد تأثرت سلبا بوفاة زعيم الوفد »فؤاد سراج الدين«.. افتقدنا السند العملاق الذي مثله الباشا وبلغ ذروته في مرحلة رئاسة تحرير الأستاذ مصطفي شردي أول رئيس تحرير للوفد. كما تأثر الحزب والجريدة سلبا بتلك الحادثة الشهيرة بحريق الوفد.
في الفترة الثانية لرئاسته التحرير ونظرا للظروف السياسية الصعبة التي واجهها الود بدأ سعيد عبدالخالق أكثر هدوءا وتحفظاً في كتاباته عما كان في الفترة الأولي. يجدر القول إن سعيد عبدالخالق لم يكن من رؤساء التحرير الذين يدخلون في منافسة مع كبار الكتاب كان علي ثقة بمقدرته وتفوقه في مجالات الخبر ومصادره فضلا عن امكاناته في الادارة وكانت له خبطات صحفية قوية مثل صفقة المرسيدس.
في هذا المجال الحزن لا يسعني إلا أن أذكر بعض مواقف اتسمت بـ »الجدعنة« وطبيعة ابن البلد التي كانت تميزه والحفاظ علي عشرة العمر كما كان يردد أحيانا.
أذكر هنا بالتقدير والإعزاز له وللأستاذ »محمود أباظة« موقفا معي اختارا فيه المصلحة العامة والدفاع عنها في المقام الأول مما كان له نتائج إيجابية تنعكس علي دور الصحافة الرائدة في تصحيح الأخطاء.
في لقائى الأخير معه وكنت لا ألقاه منذ فترة كان شديد الحفاوة والبشر. ستظل صورته الودودة هي الجزء الباقي مع زميل الوفد رحم الله »سعيد عبدالخالق« رحمة واسعة.