رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

اقتصاديات الفساد في مصر

كان سؤالاً في الصميم وجهه الأستاذ الكبير سعد هجرس المتخصص في الشئون الاقتصادية إلي وزير المالية سمير رضوان، إذ سأله عن حقيقة الوضع الحالي للصناديق الخاصة وهل سيستمر الإبقاء عليها كما كانت بعيدة عن الرقابة بأشكالها، أم تظل باقية وفقاً لسياسات الحزب الوطني؟! جاءت إجابة الوزير خافتة، تكاد أن تكون ملعثمة إذ قال: إن مسألة الصناديق الخاصة مثارة بشدة في الرأي العام.. ثم بعد لحظة قال: إن الأموال الموجودة فيها هي 36 مليار جنيه علي غير ما يشاع عن وجود تريليون جنيه مصري!! ثم أردف بعد لحظة تفكير وهي ستضم إلي الميزانية!!

كان لابد من »فاصل« ربما ليلتقط الجميع أنفاسه من المشاهدين والمشاركين في الندوة.. أعتقد أن إجابة وزير المالية تعد مثيرة للقلق في شكلها وموضوعها وتوقيتها المتأخر رغم الإلحاح في السؤال كما يعترف بذلك السيد وزير المالية. هذه الإجابة من سمير رضوان لابد أن تطرح عاصفة من الأسئلة القلقة والمرتابة بشأن الحقيقة بالنسبة لهذه الصناديق في هذه المرحلة الصعبة التي أطلعنا فيها أن اقتصادنا موشك علي الإفلاس.

السؤال الأهم: كيف يقول وزير المالية إن حجم أموال الصناديق الخاصة التي وضعت خارج الموازنة العامة للدولة هو فقط ستة وثلاثين جنيهاً، بينما نقرأ أن حجم الحسابات المجمعة في عام 2008/ 2009 وفقاً لتقرير الجهاز المركزي لما أمكن حصره منها هو حوالي 1.2 تريليون جنيه مصري أي ما يقارب الناتج المحلي لذلك العام.. أين ذهب الفارق الهائل ما بين 1.2 تريليون جنيه والمتبقي 36 مليار جنيه سنة 2011 أفصح عنها الوزير؟ لماذا تأخر إصدار أي بيان رسمي عن هذه الأموال رغم أنها ليست في الخارج ولا ينبغي أن تخضع للشائعات مثل أموال مبارك وفرقته؟! هذا يستدعي السؤال عما تم إهداره أو إنفاقه من مليارات حتي وصلنا إلي هذا الرقم المتواضع نسبياً الذي أعلنه وزير المالية عندما اقتحمه السؤال المهم؟!

هل تم إنفاق المبلغ قبل ثورة 25 يناير أو خلالها؟ قبل التنحي أو بعده؟ ولماذا تحاط هذه الأموال المدفوعة من دماء الشعب بالغموض والكتمان؟

قبل أن استطرد فيما يطرح من أسئلة منطقية علي إجابات الوزير لابد أن أسجل أن رقم 1.2 مليار لم يكن حديثاً مرسلاً أو تناولته أخبار في الصحافة إنما هو رقم ورد في كتاب علمي اقتصادي للأستاذ الدكتور عبدالخالق فاروق بعنوان: »اقتصاديات الفساد في مصر.. كيف جري إفساد مصر والمصريين (1974 - 2010)«.. أيضاً فإن هذا الموضوع المهم وأرقامه المذهلة أوردها الأستاذ الكبير في ورقته المقدمة في مؤتمر مصر الأول داعياً إلي سرعة السيطرة علي هذه الصناديق قبل أن يلتهما الإهدار وخلافه وهو أمر يستوجب الدهشة أن يترك الأمر طويلاً هكذا دون إفصاح عن مئات المليارات وحقيقتها، بينما يهلل البعض فرحاً بمجيء مليار أو أكثر كإعانة أو قرض من الخارج.

إن هذه الصناديق الغريبة التي مولت من دماء الشعب يقول عنها د. عبدالخالق فاروق إن رئيس الجمهورية قد سمح لنفسه بالخروج علي الدستور والقانون عبر إنشاء صناديق خاصة ملحقة بديوان عام رئاسة الجمهورية من خلف ظهر المجالس الرقابية والتشريعية وأن هذه الصناديق اتسعت ونزلت إلي درجة سلطات المحافظين وفقاً لقانون الإدارة المحلية وقانون الجامعات.. والأخطر أنه تم تمويل هذه الصناديق من خلال أساليب أقرب إلي الاحتيال بتوجيه تعليمات إلي بعض رؤساء الهيئات الاقتصادية الكبري (قناة السويس وهيئة البترول بالتلاعب في الإيرادات المسجلة لهاتين الهيئتين من أجل تمويل جزء من هذه الإيرادات لتمويل هذه الحسابات السرية الخاصة. ويطرح السؤال عن ضرورة تشكيل لجان تحقيق علي أعلي مستوي للتعرف علي حجم هذه الأموال ومجالات صرفها؟ أليس هذا الأمر الجلل

يستحق الحسم السريع واتخاذ إجراءات حاسمة واضحة بشأن هذه الأموال؟ أليس دور الإعلام هو التركيز علي هذه الأموال ومعرفة وسائل إدارتها الحالية بدلاً من إغراق المواطن في الأحاديث المملة عن صحة الرئيس السابق ومزاجه وحالته النفسية؟!

لماذا لم يعلن وزيرا المالية الحالي والسابق حتي عن هذا المبلغ الضئيل نسبياً وهو 36 مليار جنيه ولماذا لا يقال لماذا يفضل طريق الديون باللجوء إلي صندوق النقد الدولي بينما تملك مصر ما قد يحل مشكلاتها بأموال أبنائها؟ هل يمكن مفاجأتنا بأن هذه الأموال المليارية قد سقطت من خلال خزانة مثقوبة لمؤسسة فساد دولة مبارك ومدرسته التي تأبي أن تفارقنا.. هل نفقد هذه الأموال كما حدث في أموال التأمينات، وهي أموال خاصة مدفوعة من الشعب وقد أبلغنا - عرضاً - أنها ضمت للميزانية واستخدمت في الأغراض المختلفة هكذا أطلعنا د. يوسف بطرس غالي متبجحاً.. بالمناسبة لقد سأل الأستاذ سعد هجرس وزير المالية الحالي سمير رضوان عن الفارق بين سياسة يوسف بطرس غالي السابقة وسياسته الحالية فآثر عدم الجواب وهو أمر مستهجن لأنه من حقنا أن نعرف بدلاً من سياسة الصمت والغموض المتبوعة ببيانات مفزعة عن إفلاس مصر!!

لماذا الإصرار علي أسلوب الاستدانة من جديد وهي سياسة مرفوضة شعبياً ويحذر منها المتخصصون ويعرضون وسائل تتيح للمصري نفسه المساهمة في تسديد الديون الخارجية بشرط أن يتولي المجتمع المدني ولجان الشباب الإشراف بنفسه علي هذه القضية المهمة لضمان الشفافية في هذه المرحلة الخطيرة، بل في أي مرحلة لأن الرقابة علي المال العام هي من حق الشعب.

إن إبقاء سياسات الحزب الوطني مفعلة وحاضرة في جميع المجالات الاقتصادية أو الأمنية تعني بالضرورة إبقاء سياسات الفساد والإخلال بمصالح المواطن الذي يطلعونا علي إفلاسه الوشيك دون أن يطلعونا علي أمواله وحقوقه الموجودة فعلاً بدلاً من ترك الأمور بشكل عبثي يؤدي حتماً إلي الانفجارات الحالية.

لماذا يغالي السيد سمير رضوان في تقدير الفارق بين الحد الأدني للأجور في مصر والحد الأقصي ليصل إلي ستة وثلاثين ضعفاً، بينما يصل في الولايات المتحدة وأوروبا بما لا يتجاوز عشرين ضعفاً؟ أين العدالة الاجتماعية وحقوق المواطن وإلي متي سيظل غَرْف الأموال موجه إلي مصالح بعينها علي حساب الشعب صاحب المصلحة في أمواله وأجوره.

غير أن الصمت والغموض المريب لا يمنع من اطلاعنا عن أهمية الضريبة العقارية التي ستفجر المجتمع كله مادياً ومعنوياً خاصة مع استمرار لغة الأمن المفقود.