عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر في طريقها إلي النصر

من خلال كتابه الرائع «مواطنون لا رعايا» أردت أن أستعيد بعض الأمل وأن أسعي إلي الإمساك بالبوصلة حتي أستأنف الإبحار في أجواء مصر المشحونة.. كم تبدو الأجواء ملبدة، والغمة تفرض شروطها والضباب يمنع الرؤية ويجعلها شوهاء، كان هذا هو الحال قبل مطلع العام الجديد والبرد والأتربة الخانقة تجثم علي صدورنا

في غير موعدها لعل الصقيع المعنوي والتلوث السياسي أشد وطأة وخطراً.. بيانات تتسرب عن نقص الاحتياطي النقدي إلي حد اقتراب الإفلاس.. بيانات مسئولين لم يسألوا عما فعلوا ولم يطلعونا علي أساليبهم وهم يديرون البلاد ولا يحكمونها علي حد التعبير الناعم المبتكر.. ويا لها من إدارة.
في كتابه السابق كان خالد محمد خالد يتحدث عن تمصير مصر من آثار النفوذ التركي العثماني ثم الاحتلال الإنجليزي الذي رزحت تحته البلاد، بعد ما يزيد على نصف قرن من كتابه الصادر عام 1951 حتي الآن والقضية لا تزال مطروحة كيف تنجو مصر من الاغتراب والتضييع والسياسات المجلوبة والمدفوعة من أي مكان في الأرض ما جعل البعض يتجرأ علي رفع أعلام غير مصرية لكنها ابتلعت.. ابتلعها التاريخ والحاضر والمستقبل.
كل من في مصر يرفع رأساً مصرياً كريماً ولن يتأتي هذا إلا بهزيمة الوحش الكاسر الذي ما أن يتلبس حكماً حتي يحول المواطنين إلي فرائس.. وحش الاستبداد أياً كان الرداء الذي يرتديه أو القناع الذي يختفي تحته هو الأب الشرعي للفساد الذي ثار عليه الشعب في عظمة لا مثيل لها، هذه الثورة في 25 يناير تعرضت لعملية تدبير وإنهاك مستمر، وتشتيت لجمعها الصامد ومحاولات تقزيم لإعادة المارد المصري إلي القمقم من أجل ما كان وما يكون اقرأ مع كاتب الديمقراطية الأهم: «إن الحكم الاستبدادي يقوض سيادة الدولة.. يهيئ الأمة للعبودية والاستسلام لذلك يجب أن يسلك كل حاكم طاغية في عداد الخائنين العظام فيرحب بكل طارق يقرع أبواب بلاده ويري المقاومة ضرباً من العبث، والجنون.. الحكام المستبدون أياً كان لونهم أو رأيهم أو زيهم هم طابور الأمة الخامس الذي يعمل بشعور أو لا شعور لحساب الغزاة ومؤامراتهم الواضحة الجلية للتقسيم والتفتيت والضياع.. هم الذين يحيلون الشعب الصلب المتماسك إلي زبد طري تجري فيه السكين».. هي كلمات تصلح لتفسير كل ما تتعرض له مصر بل والعالم العربي كله من مآس بدا فيها الحاكم المستبد جسراً حقيقياً للتدخل الأجنبي ونهب الثروات وإعمال خطط التقسيم الجاهزة. لطالما قرأنا وأخذنا من حديث نبي الإسلام الكريم: «من أعان ظالماً سلط عليه».
بدت الظلمة حالكة لكن لنا يقين بالله لا ينتهي ولنا إدراك منا لا يغيب لأصالة شعب ودماء شهداء لم يجففوها إلا بغيرها وأعراض لم يقربوها إلا بانتهاكها، الشعب يقاوم ويقاوم وهم يتباطئون أو يتواطئن أو يسرعون لطمس الصورة الحقيقية لثورة مصر، صرنا نري الاتهامات توزع والتعذيب مستمراً وقد اختاروا من السياسات أردأها وأقساها.
كانت ثورة 25 يناير بلا قائد ولا تنظيم لكن كل من شارك فيها بالملايين كان قيادة وطليعة وبشير فجر ونذير نهاية للظالمين من مضوا أو من هم في رحم الغيب، ارفع رأسك فوق أنت مصري شقت عنان السماء وسمعها الرحمن ولنا فيه كل الرجاء أن ينصر هذا الشعب من مكائد جهنمية هل أتت من قريب أو بعيد؟.. تريد أن تكسب الوقت لصالح الاستبداد وبقاء الغنيمة وسرقة الخبز من أفواه الجياع، كان لابد لمجابهة هذه العظمة السلمية التي أظهرها المصريون في ثورتهم بأساليب أخطبوطية تغرق الجمال في القبح وتستبدل الثوار بالبلطجية وتضيع الأوراق والوثائق فلا تصدر الأحكام.. الهدف إرجاعنا إلي الوراء باستدعاء الغوغائية والبطش حتي لا يستجمع الشعب المنتصر نفسه ولا يعرف بالتحديد ثرواته في الأرض والماء والبشر.
فوضي مدبرة سمعنا تهديداً بها من ذلك المحمول علي سريره يمشي الهوين إلي محاكمات لا تنتهي وقد لا تسفر عن شيء.. ذلك حسني مبارك التلميذ الأنجب في مدرسة التبعية وحب الأعداء ومحاباتهم علي حساب الشعب.
وصفت السلطة التي تسلمت البلاد بتفويض شعبي في فبراير الماضي بأنها اتسمت بالمحافظة في الأداء، هذا فيه جانب من الحقيقة إذا قصد به المحافظة علي السياسات القديمة.
لكن النظرة المحدقة لأسلوب تنفيذ هذه السياسات اتسم بالتطرف بل منتهي التطرف.. تطرف في إقصاء مطالب الثورة الشعبية وتطرف في منح الفوضي والانفلات الأمني فرصاً جوهرية بلا محاسبة حتي أصبحت مصر مرتعاً دائماً للعنف والبلطجية والثأر والجباية واللصوصية، ثم تطرف في الهرولة المنظمة لتغيير غير مسبوق للخريطة السياسية

المعتادة التي عاش عليها أهل مصر، نعم لم تكن مثالية ولا عادلة تماماً وإلا فلماذا ثارت مصر؟.. لكن تغييرات مفرطة تمت باستدعاءات منحازة أطلق لها العنان بشكل مفاجئ مما أثر سلباً علي التوافق المصري المعتاد.. بضربة واحدة تم إطلاق صافرة البدء لتيارات بعضها متطرف لم يكن لها سابقة ممارسة السياسة مما قد يعرض المجتمع إلي طرح أسئلة أبجدية في كل المجالات بدلاً من مواجهة القضايا الملحة في هذه الفترة الفارقة.
كان من الطبيعي والمنطقي أن يحوز حزب الإخوان المسلمين علي الأغلبية في انتخابات نزيهة.. لأنهم حازوا علي هذه الأغلبية فعلاً في عهد المخلوع لولا أن أعملوا التزوير.. وقتها وقف قضاة مصر الشوامخ والإعلام المستنير كله ضد تزييف الانتخابات وقاموا بوقفاتهم، دافع الديمقراطيون والليبراليون عن النزاهة وحق الشعب في الاختيار حتي لو كانت النتائج لن تصب في صالحهم، أيضاً فإن ثورة 25 يناير دافعت عن الحرية والديمقراطية للجميع ونزفت دماء شهداء بررة ولا تزال تنزف بدون أي تصور في هذه اللحظة لمكاسب ليبرالية، احترم الجميع نتائج انتخابية ليست بالضرورة معبرة عن القوي السياسية بتوازنها الفعلي، ذلك أنه تم عرقلة الثوار من تشكيل حزبهم بشروط مادية وعملية صعبة بينما حظي التيار الديني ولا سيما الإخوان المسلمين بقدرات تنظيمية وتمويلات مالية ضخمة سمعنا عنها ولم ينكرها أحد منهم.. مع هذا كله نحترم حكم الشعب ونتطلع إلي اللحظة التي يتم فيها تسليم السلطة من المجلس العسكري إلي البرلمان والحكومة المدنية، سيعود الجيش المصري العظيم إلي موقعه الأكرم في حماية أرض الكنانة وستنتهي حقبة قاسية بدروسها بدأت منذ 23 يوليو 1952 ببدء حكم عسكرى مستبد.. نعتقد أن حسابه النهائي كان سلبياً بالنسبة لمصر رغم احترامنا لبعض قياداته الوطنية.. مصر اختارت التيار الديني لكن علي من يتصدرون الساحة السياسية بفضل دماء الشهداء أن يدركوا أن الشعب لم يخترهم لأنه يريد جبابرة جدداً أو تنويعاً لأشكال الذل وامتهان كرامة الإنسان.. ولم يخترهم من أجل اختراع العجلة والبدء من الصفر إنما اختير مشروعاً نهضوياً يسعي إلي تحقيق مطالب مصر المشروعة، مستنيراً بعظمة الإسلام.. أحسب أن مصر ناجية بإذن الله، إن لم تنج بقدرة قياداتها فستنجو بسبب حجم معضلاتها أو مشكلاتها التي لن تسمح لأحد أن يتغافلها أو يقفز عليها، الإخوان المسلمون جزء من نسيج هذا الوطن ونحن نعرف أنهم أصحاب تجارب سياسية ودعوية لكن المسئولية باهظة وتستوجب التوافق الوطني بدلاً من أساليب الإقصاء والانفراد واقتناص الفرص علي حساب المصلحة العامة.
كانت الأجواء ملبدة قبل نهاية العام عندما جاء الاحتفال الكبير برأس السنة الميلادية فرأيت مصر كلها فيه تقول إنها حاضرة وجميلة وأنها ناجية بوحدتها وتماسكها وتضحياتها وحبها.. مصر المتدينة والمتحضرة والمبدعة والشاعرة.. كانت مصر تغني ولا تخجل من دموعها، دموع علي أغلي الشهداء، كان يوماً من أيام ثورة 25 يناير الفريدة قلت: إن مصر كبيرة وجليلة والنصر سيكون لها بإذن الله.