رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حفظ الله الوطن

عندما تم احراق الأوبرا المصرية فى السبعينيات فوجئنا بأعداد من عامة الشعب فى الشوارع ونساء تولول حزنا على الأوبرا الأثرية التى لم يكن هناك أمل لأحدهم أن يزورها أو يتذوق فنونها.. وعندما كاد المتحف المصرى أن يقتحم من بلطجية الحزب الوطنى إبان ثورة 25 يناير فوجئنا بالمخرج الرائع خالد يوسف وقد كان يلهث من الجرى حتى وصل الى احدى الفضائيات طالباً النجدة من الشباب والتوجه الى المتحف للحماية وهذا ما حال دون الاجتياح والنهب.

أذكر عندما ذهبت فى أوائل التسعينيات الى مركز الرسائل الجامعية فى جامعة عين شمس وهو أكبر مركز فى الشرق الأوسط فوجئت بحريق من نوع آخر.. كان ثمة اجتياح مدبر لنسف عظمة هذا المركز وذلك بالقضاء على آليات علم المكتبات الذى يتخرج فيه كل عام أعداد من الشباب الواعد تم جلب غير المتخصصين وتم بهم اهدار أساليب التصنيف المتبعة عالمياً وعلمياً لتوضع الكتب رصاً كيفما اتفق، كما لو كان المركز مجرد سوبر ماركت!، ضربت كتب التراث النادرة والمراجع التاريخية فى مقتل إذ تم إلقاؤها فى أحد أركان حجرة جانبية دون تبويب أو توثيق، بدأ التركيز فقط على الرسائل والكتب الجديدة التى سجلت على المايكروفيلم وجعلوا الباحث يدفع رسماً نظير القراءة، ولم تكن تلك هى القضية.. التحديث المزعوم للمركز حمل معه نسف القديم النادر والتليد الخالد، واكب ذلك بالتبعية عملية اقصاء للقيادات المتخصصة فى مجموعات شابة غيورة على هذا المركز العالمي.. الأدهى هو استجلاب بعض من كان متهما بسرقة وتسريب الكتب التراثية اعطوهم المسئولية عن هذا المكان بثرواته التاريخية!
كانت زيارتى للمركز ضمن ما اعتدت أفعله عندما أريد أن أتزود بمراجع علمية من كافة انحاء الجامعات المصرية والعربية.. بالحديث المتصل مع الاخوة الذين اعتدت أن أفيد خدماتهم وحماسهم للعمل أيقنت أن المسألة ليست مجرد فساد أو سرقات لكنه نوع من التخريب المنظم المتعمد.. كتبت ثلاث مقالات نارية بهذا المعنى لكن كل ما حدث كان هو انزعاج المسئولين الكبار من أين حصلت هذه الكاتبة الصحفية على هذه المعلومات الدقيقة؟!
تذكرت هذه السياسات عندما رأيت المجمع العلمى يحترق فى موقعة مجلس الوزراء وقصر العينى رأيت نيرانا تشتعل ولا اطفاء.. طاردنى صوت المذيع وهو يسأل أين المطافى إنها على بعد أمتار قليلة من هذا المجمع العلمي.. لكن المجمع ترك للنيران بينما تم القبض والسحل والجرح والقتل لشهداء جدد وسط ادعاء أن ذلك كان ضرورياً لحماية الممتلكات المصرية! وبعدها قامت اعداد من الشباب والمواطنين العاديين لمحاولة انقاذ الكتب بأياديهم ونقلها بعيداً فى محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه.. لماذا لم تستخدم خراطيم المياه الموجهة للمعتصمين فى الاطفاء؟
قبل المجمع العلمى وفى اثناء حكم مبارك المخلوع تم حرق المسافرخانة وقيل أن سيارات المطافئ لا تستطيع أن تدخل فى الشوارع الضيقة.. يومها تساءل نجيب محفوظ حتى لو كانت الشوارع ضيقة على عربات المطافئ هل خراطيم المياه أيضا لا تستطيع الدخول الى المكان الأثرى الرائع الذى ترك ليحترق أياما!؟ انها مشاهد تشعرنا ببؤس السياسات القاتلة للبشر الغالى والحجر الخالد.. انه الهوان لايزال يبحث لنفسه عن مكان فى مصر العظيمة حفظها الله.
إذا عدنا الى معتصمى مجلس الوزراء المسالمين الذين ظلوا يبيتون أياما طويلة بعيداً عن بيوتهم ليسجلوا فقط موقفاً رافضاً لحكومة الجنزورى والمطالبة بحكومة انقاذ حقيقية.. قد نختلف معهم أو نتفق فى جدوى هذا الموقف لكننا نرى من خلالهم موقفا استشهاديا بالدرجة الأولى، تقييمنا لهذا الموقف لا ينبغى أن يخضع للمقاييس العادية عن موازين القوى التى تعرض حياتهم للخطر.. ينبغى أن نحتضن ارادتهم وبطولتهم وتضحياتهم من أجل مصر جديدة ناهضة.. نحتضن كفاحهم حيث تركوا وحدهم فى العراء اللهم الا بعض البلطجية الذين اندسوا بينهم لتقتلوهم من قريب، كما قتل الزعيم الأزهرى الكبير «الشيخ عماد رفعت» نقرأ عنه ونطالع وجهه المغوار فنرى فيه نصرة المظلوم والدفاع عن الحق وحماية الثورة وعظمة الصادق الأمين.
ان المعتصمين المسالمين والشهداء الأبرار من الاعلام والطب والفتوى والتشريع لا يحتاجون لنصحنا لهم بالهدوء والحساب الدقيق انهم عقل الثورة المصرية.. هذا العقل الباسل الذى تريد أياد قاسية داخلية واقليمية وعالمية تريد سحقه وتبديد نصره المؤزر بتلك الضربات الموجعة التى واجهت عصب الثورة وقياداتها فى البالون والعباسية وماسبيرو ومحمد محمود ثم قصر العيني.
إن كل بيت فى مصر فى كرب وفى حزن وألم يعصر القلوب على شهداء أبرار وشباب أفقدوه العيون وأن يتم ذلك بأيد مصرية يتبع الاعتداء ذلك المطلب الباهت المكرر بتحقيق عادل وسريع غير أننا لم نشهد أى نتائج لأى تحقيقات قبل 25 يناير وما بعدها.
ستلحق الطلبات بعضها ببعض كما تلحق التهديدات مع كل اعتداء على صرعى وقتلى وجرحى لم يكن لهم جريرة الا الرأى والموقف والحفاظ على ثورة فتية أبهرت العالم.. ثورة ضمت مصر بكل أطيافها وألوانها وأجزائها المدنية والعسكرية المخلصة.. كانت مصر متوحدة

ففرقوها وكانت صلبة فعملوا على تفتيت نواتها الصلبة والمتهم دائما هو الطرف الثالث المجهول الذى يمكن للسلطة الحاكمة أن تجرمه وتقضى على وجوده لأن هذه مسئولية الحكم لا المواطن العادي.
ترك الشباب الثائر بغير مساندة حقيقية، مصر لم تنضب من العقول المفكرة ولا من الحزبيين المخلصين ولا المواطنين العاديين الذين قد يكونون أكثر وعياً وحبا ممن نظن بهم وكان لكل هؤلاء أن يتجمعوا ويتحدوا للانقاذ، إنقاذ مصر الثورة التى بها وحدها نتطلع الى فجر جديد.
لقد شعر الكثيرون بألم وغصة من توجه المجلس الاستشارى منذ البداية.. ان قيادات الأمة العظيمة فى هذا المجلس وقفت مهما حسنت النوايا فى غير المكان الأساسى والأهم الذى كنا ننتظرها فيه ولانزال: إلى جانب ثورة 25 يناير، ان اكثر من حكومة قد تشكلت قبل وبعد الثورة فلم يستطع القائمون فيها القيام بمسئولياتهم الحقيقية تجاه مطالب الشعب المشروعة فلماذا ظن اعضاء المجلس الاستشارى - مع كل الاحترام والاجلال لرموزه - لماذا ظنوا أنهم قادرون على الامساك بدفة الأمور وتوجيهها نحو الصواب أو الانقاذ؟ أنهم بلا صلاحيات فى الواقع.
أذكر حواراً تم مع عميد الأدب العربى د. طه حسين مع مجموعة من المناضلين والمثقفين وكان منهم المفكر اليسارى محمود أمين العالم وغيره.. فاجأهم العميد طه حسين بسؤال توقف عنده الحضور مرتبكين: هل درستم معلم الثورة؟ سؤال مفاجئ لكنه شديد الأهمية وهو جدير بأن يطرح اليوم على شباب ثورتنا الشعبية وفلذة أكبادنا من أبناء واحفاد.. ادرسوا علم الثورة وأنتم أقدر الجميع على هذا، لكن الثورة ليست الشباب فقط لقد انضمت لها جموع الشعب بقياداته ومفكريه القادرين على تقديم العون والمشورة للثوار الذين يستشهدون دفاعا عن مصر ضد الظلم أيا كان مصدره وعنفه.
كانت مصر كلها فى حاجة الى المجلس الاستشارى الموقر بعد الثورة مباشرة «هذا إذا لقيت مشورته استجابة».. التوقيت الحالى لتشكيل هذا المجلس اعتبره غير موفق بل خاطئ.. لماذا؟ لأنه أعقب مباشرة حوادث محمد محمود الدامية وما أسفر عنها من شهداء بالرصاص والغازات الخانقة.. قبول تشكيل هذا المجلس الغالى علينا بعد هذه الاحداث مباشرة يعطى الانطباع عملياً أنه قد تم التجاوز عن كل ما حدث من مآس وجرائم لاتزال الدماء فيها تسيل ثم البدء من جديد دون قراءة للتجارب المتكررة.. البدء فى تقديم الاستشارات للسلطة الحاكمة بتركيبتها الحالية المنفردة بالرأى والقرار.
إن الثورة المصرية هى الأحوج بالمشورة والموقف الحاسم والرأى السديد من قبل المجلس الاستشاري، المجلس العسكرى يستطيع أن يجد المشورة أينما طلبها وفى كل وقت فهو الطرف الأقوى بغير منازع حيث إنه الطرف الحاكم لعل ما رأيناه من ارتباك واضح فى تصريحات البعض من هذا المجلس الاستشارى ما يعبر بجلاء أنهم لم يبدأوا بداية صحيحة تماما مثل الارتباك والمصاعب التى يواجهها الشعب عندما تم تأجيل الدستور بعد تشكيل البرلمان!!
ان عتابنا على المجلس الاستشارى دافعه الاساسى الاعتزاز والغيرة على مواقفه.. هل كان هناك احتمال أن يكون لمجلسكم الاستشارى الكلمة الأخيرة أو الحاسمة بينما لم يتح هذا التأثير للحكومات المشكلة نفسها وآخرها حكومة الجنزوري؟
يا أساتذتنا فى المجلس الاستشارى قدموا رأيكم وموقفكم المساند الى الجهة الأساسية المعرضة للخطر شباب مصر وشعب مصر الذى يعانى أخطر مرحلة فى تاريخه الحديث.