عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بين عهد مبارك والمماليك

كنا فى دراساتنا التاريخية التعليمية قد اعتدنا أن نرى حكام المماليك فى مصر قد اتسموا بالكثير من الشجاعة والفروسية والزود عن الوطن ضد أعدائه لذا توقفت عند تسمية أبشع أنواع الفساد فى عصر مبارك بعصر المماليك.

ها هو كتاب الأستاذ صلاح عيسى بعنوان «رجال مرج دابق» قصة الفتح العثمانى لمصر والشام يشدنى إليه رغم قدمه بين مجموعة كتبي. فكرة الكتاب بدأت فى أتون نكسة 1967 وآلام عصفت بأحلام أجيال وقد نشر الكتاب سنة 1982. استهل الأستاذ صلاح الكتاب باختيارين من اختياراته الفريدة تشير إلى مضمون الكتاب الذى عرّى حكم المماليك سياسيا وموضوعيا. تقول العبارة الأولي: «فسدت أحوال المملكة.. ويدك يا مولانا فى الماء البارد» وهى من كلمات أمير مملوكى للسلطان قنصوة الغورى الذى شهدت مرحلته نهاية أيام العز وانتهاء دولة المماليك.
العبارة الثانية: «المظالم تجعل الرعية لا يجدون فرقا بيننا وبين الغزاة» قالها الأمير علان دوادار السلطان طومان باي.
الكتاب يبحث فى المماليك وفترة حكمهم وانهيار دولتهم، فى نهايات عصر الرئيس السابق مبارك بدأت أسمع عبارة ترددت كثيرا بين المثقفين وهو زمن المماليك!!.. اشتد طنين هذه العبارة بالذات حينما أخرج النظام آخر ما فى جعبته من أدوات ضرائبية تنكيلية تمثلت فى الضريبة العقارية.
لم يكن لهذه الضريبة أى منطق سوى أن عصابة مبارك تريد أموالا لتعيد ضخها من جديد بين المنتفعين دون أن يكون لها أى عائد على مصر.. فعلوا هذا بعد أن أنهوا على أموال التأمينات والمعاشات وأنهى وزيرهم يوسف بطرس غالى المطالبات الشعبية بها كأموال خاصة فقط فى عبارة مختصرة أنها قد استخدمت فى عمليات البناء والمشروعات وسد عجز الميزانية. وكان اللجوء إلى هذه الأموال بعد مراحل طويلة بكل أنواع السرقة لإنتاج مصر وخيراتها والزعم البليد أن ما تواجهه مصر من فقر إنما يأتى من كثرة العيال!.
ومع هذه المليارات من دم الشعب كانت هناك مليارات أخرى لم نسمع عنها وهى «الصناديق الخاصة» التى تشمل أموالاً للمصريين دفعوها وعائد قطاعات كبيرة من مؤسساتهم كانت توزع بغير حساب ولا رقابة كمكافآت للمحظوظين بالملايين. اتسم عهد حسنى مبارك بشيوع الفساد وإدخال قطاعات مستفيدة منه ولو بالفتات لضمان استمرار موائده العامرة.
سمعت ذلك التشبيه بين مبارك والمماليك عند اختراع «الصكوك الشعبية» التى يعطونها للمصريين مقابل التنازل عن المطالبة بأى حقوق مادية فى كل ممتلكاتهم وكانت ستكون أكبر عملية نصب تاريخية لم يمكنوا منها بسبب صرخات المتخصصين وثورة الرأى العام.
وكان الإهدار للمال وسيلة لا يشق لها غبار فى السرقة والانتفاع من ذلك مشروعاتهم الذكية والمستقبلية التى أهدرت فيها المليارات فى مشروعات منتقاه زعموا أنها تخاطب المستقبل وتتجه إلى الأجيال القادمة وفى مقدمتها مشروع توشكى الذى تمت مناقشته فى مجلس الشعب تحت رقم كودي!!.. أسرار فى أسرار فى أسرار تضمنتها ميزانيات العهد المباركى فلماذا شبهوهم بالمماليك رغم سابق علمنا أن منهم الصناديد والفرسان؟
نعم دافع المماليك فيما راج عنهم عن البلاد والدين وصدوا غارات الصليبيين والتتار لكنهم كما يقول الأستاذ صلاح عيسى فى مقدمة كتابه لم يكونوا يؤمنون بحرف واحد من تعاليم الدين أو يرعون الله فى معاملة إخوتهم فى الإسلام من أهل البلاد فضلا عن الإخوة فى الإسلام لم تحل دون الصراع الذى كان ناشبا آنذاك بين الدول الإسلامية الكبرى الثلاث العثمانيين السنة فى تركيا والصوفيين الشيعة فى إيران والمماليك السنة فى البلاد العربية.
عرض كتاب رجال مرج دابق إلى أسباب هزيمة دولة المماليك موضوعنا

منها الصراع الدولى الذى انتهى باكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح مما أدى إلى نضوب الموارد التجارية التى كانت تعيشها مصر فى العصر المملوكى بسبب سيطرة مصر على طرق التجارة.. أدى ذلك إلى دفع السلطان قنصوة الغورى لأن يرفض تجديد سلاح جيشه كما فعل العثمانيون مع إعطائه تبريرات عن أنه لا يريد الخروج عن سنة نبى الإسلام الكريم الذى كان يقاتل بالسيوف.
كيف شبه الكثيرون عصر مبارك بالمماليك والمملوك هو الإنسان الذى لا انتماء له لوطن أو قبيلة أو أهل لهذا تعلموا عبارة السيف والطبر والنشاب تلك الأسلحة التى انتزعوا حقوقهم بها.
ويجورون بها على حقوق الآخرين فى أغلب الأحيان؟ يحكى لنا الكتاب وسط مادته التاريخية الغزيرة أن الصراع على العرش دفع السلاطين ومنهم قنصوة الغورى ذاته للإكثار من جلب المماليك وتغافلوا يوما بعد يوم عن شروط النظام العسكرى الصارم الذى عرفه الغورى فى صباه حين كان مجرد مملوك.. هؤلاء المماليك الفسدة المعتدين بحكم الطبع والمسار صاروا خنجرا موجها لقلب مصر فى وقت ازدادت فيه شوكتهم وكثر عددهم وكل منهم يريد رزقا أو مرتبا أو إقطاعا والخزائن خاوية.. هذا وصف تاريخى قد لا يكون له علاقة مباشرة بالسؤال المطروح أو التشابه الذى سمعته بين فترة مبارك وفترة المماليك تجئ الإجابة مسهبة فيما وصلت له مصر من خراب فى العهدين مع حرص كامل على منح أفراد العصابة المباركية كل الهبات والعطايا وكذلك فعل الغورى مع مماليكه الذين تغولوا عليه.. بسبب المماليك بدأ الغورى عهده بظلم لم ينسه له عرب مصر والشام تلك هى ضريبة الشهور العشرة التى فرضها على الأملاك والعقارات.. اقترح قائد مملوكى تحصيل الضريبة التى توازى إيجار عشرة أشهر من كل عقار فى مدن السلطة تستوى فى ذلك البيوت والربوع والحوانيت حتى المراكب والسواقى والغيطان.. صدرت الأوامر بذلك لكل نواب السلطنة فى الاسكندرية ودمياط ودمشق وحلب وغزة وسائر بلاد الشام وشاع بين الناس أن السلطان سيصادر الأراضى الموقوفة على المساجد والمدارس ويديرها بنفسه ليستطيع منح نفقة البيعة للمماليك.
إنه التشابه الحاد بين العهدين.. التشابه فى التخريب وفى العنف بالشعب وإرهاقه بالأوامر العلوية الباطشة التى تحمل الشعب فوق ما يطيق إلى حد الوصول للعقارات التى يعيش فيها أصحابها آمنين بينما ينعم أصحاب السلطة بغير حساب.