رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لا وطن بغير دولة.. ولا دولة بغير هيبة!

نعلم جيدا أن الوطن يتضمن عناصر عدة، وكذلك الأمر بالنسبة للدولة، ولكننا نخص، بالنسبة للوطن، أبرز عناصره (الدولة)، والأمر نفسه بالنسبة للدولة التى تقوم على أركان متعددة، نخص منها الآن: (الهيبة)، ذلك لأن القلق بدأ يتسرب إلى قلوبنا،

والخوف بدأ يطرق أبواب نفوسنا، من التضاؤل التدريجى لهيبة الدولة، لنتجه من وضع كانت فيه الدولة نظاما طاغيا باطشا، ثم إذا بها تتصاغر شيئا فشيئا، بغير وعى بأن الدولة «الراعية» لا يمكن أن تعنى صاحبة الأيدى المرتعشة، وأن الشعب صاحب الكلمة، لا يعنى إلا مجموع أصحاب المصلحة الكلية التى تصب عند مجمل المواطنين، وأن الثوار الحقيقيين، إذا كانوا هم الذين هدموا النظام الباغى، فإن الذين يحرقون ويخربون ويدمرون ويعطلون الإنتاج ويقطعون الطرق، يستحيل أن يكونوا ثوارا حقيقيين، فضلا عن أن يكونوا مواطنين صالحين.

لكن، مع الأسف الشديد، فإن متابعة الأحداث فى الشهور الأخيرة، تشير لنا بأن أى إنسان يمكن أن يصيح فى وجه الحكومة «بخ»، لتسارع إلى الهرب، وأى نفر جلسوا على الرصيف، وصاحوا بأنهم لا يريدون هذا المحافظ أو ذاك الوزير، تسرع الحكومة: حاضر، ويتم التغيير.. وهكذا، ومن ثم نقع تحت طائلة خطر مرعب، فإذا كانت شدة القهر والبطش من الدولة قد فجرت الغضب الشعبى، فإن ضعف الدولة وتراخيها، يمكن أن يفجر الوطن، ومن ثم فإن خطر التراخى والارتعاش والتردد والضعف لدى الممسك بسلطة الدولة، يعرضها لخطر لا يقل عن خطر الممسك بهذا السلطة بالحديد والبطش والنار، ولهذا قيل بحق «الفضيلة وسط بين رذيلتين: إفراط وتفريط!، وتجىء الحكمة الإلهية المقررة (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك، ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا).

وحتى لا يكون حديثنا عاما، سوف نركز على قضية بعينها هى التى استقطبت الاهتمام والأحاديث، ألا وهى عملية اقتحام سفارة العدو الاستراتيجى لمصر خاصة والأمة العربية عامة.. ونقول العدو الاستراتيجى لمصر خاصة، لأن الذى يستقرئ تاريخ مصر، فى كل الأزمان والعصور، سوف يلاحظ بغير جهد كبير، أن ما وراء الحدود الشرقية، هو الفضاء الحقيقى لمصر، منه يجىء التهديد، وإليه يكون الامتداد الذى تفرضه الضرورة أحيانا، وأن مَثَل مصر بالنسبة للعالم العربى، مَثَل «العمود» بالنسبة للخيمة، إذا صَلُب واشتد، قوى العالم العربى، وإذا مال وتتضعضع، كادت الخيمة تتقوض، ومن هنا كان المخطط الاستعمارى، منذ أكثر من قرن، عندما بدأت ملامح الاستقلال للدول العربية تتجمع لتفرض نفسها، يدور حول: كيف يتم عزل مصر عن محيطها الشرقى؟ وكان الحل لدى قوى الهيمنة: زرع كيان عنصرى غريب يقف «جدارا عازلا» بين مصر وبقية شعوب الوطن العربى.

وبدا هذا واضحا فى الحرص على توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر بصفة خاصة، لعزلها عن محيطها، حيث بلع البعض «الطُّعم» وغرقوا فى أحلام يقظة صورت لهم أن نفض مصر يدها من العالم العربى، فيه إراحة بال، وتوفير نفقات ضخمة، مصر أحق بها. إن ما يبرهن على أن هذا كان أكذوبة، هو أن هذه الاتفاقية الملعونة، مر عليها اثنا وثلاثون عاما، ازدادت فيها مصر فقرا وتدهورا، ولم نر هذا الذى ضحكوا علينا به من أن مصر سوف تنعم فى ظلال السلام الموهوم بالخير الكثير، وتفيض أنهارها لبنا وعسلا.

ومن عجائب الأمور التى تبعث على الاطمئنان والسرور حقا، أن مئات الألوف من شباب مصر، لم يعيشوا زمن حروبها مع الكيان الصهيونى، ولم يذوقوا مرارتها..كلهم ولدوا فى عهد ما سمى بالسلام، ومع ذلك فهم أشد وعيا بالخطر الصهيونى، وهم الأكثر إدراكا بأن السلام المزعوم أكذوبة كبرى، وهم الأكثر حساسية وانتفاضا لكل ما يمس كرامة مصر والمصريين من قِبل دولة العدو الصهيونى.

ومن هنا، فعندما سالت دماء عدد من مواطنى مصر باليد الصهيونية على الحدود الشرقية، انتظر الجميع رد فعل يختلف عما كان يحدث فى ظل العهد البائد، ذلك أن من عطايا الثورة لأبنائها، رفع رؤوس المواطنين، وتقديس الكرامة الوطنية، فماذا حدث؟

هنا بدت رخاوة الدولة، بل وتصرفات تدخل فى باب الغباء، تدفع دفعا إلى «التجرؤ» عليها، فلا تفعل شيئا، كأن عينها «مكسورة»، بفعل افتقاد رشد التصرف، والأيدى المرتعشة التى تحكم حركتها.

كان يمكن استدعاء السفير المصرى لدى دولة العدو «للتشاور» لتهدأ المشاعر..وكان يمكن طلب السحب المؤقت لسفير العدو فى القاهرة، باعتباره شخصا غير مرغوب فيه.

ويشاء حظ الحكومة العاثر، أن يرى المصريون فى المقابل، تصرفات تفوح منها روح الكرامة الوطنية، ورشد القرار والشجاعة، من الجانب التركى، فيشعر المصريون بالأسى أن يروا حكومة ثورتهم تتصاغر إلى هذا الحد.

وتتجلى سذاجة السلوك السياسى للقيادة السياسية المصرية، عندما يستقبل رئيس الحكومة مواطناً استطاع أن ينزل العلم الإسرائيلى لأول مرة، ليضع العلم المصرى بدلا منه، فهذا رد فعل يخلو من الرشد، فمفروض أن الحكومة تحمى مقار البعثات الأجنبية على أرضها، وإذا كنا

قد اعتبرنا أن من أنزل علم العدو «بطلا»، فكان يمكن تكريمه عن طريق هيئات شعبية، أما أن يقوم رئيس الوزارة بذلك، وكذلك محافظ حكومى رسمى، فهذا تصرف يبعد كثيرا عن النضج السياسى.

ويزداد الطين بلة أن يقرر مسئول، فى محافظة الجيزة، سواء بأمر مباشر منه أو استجابة لأمر من هو أعلى، يفتقد أدنى درجات الحكمة أن يستفز مشاعر المصريين، فيبنى جدارا عازلا أمام مبنى السفارة الصهيونية، وكأنه يُخرج لسانه للجميع، قائلا: موتوا بغيظكم، فيشعر كل مصرى يمر بالمكان أن الدولة وكأنها تحرص على أمن العدو، ولا تحرص على حراسة الكرامة المصرية.

وكان ما كان من اقتحام، لا نقره، ولا يقره وطنى واع يدرك مصلحة الوطن، ولا يقوم به ثائر حقيقى يعرف ماذا تعنى المواثيق الدولية والسمعة الخارجية، ويتم الاقتحام أمام سمع وبصر قوى أمنية، تبدو مذعورة ومرتعشة.

وهكذا تظهر مصر بمظهر لا من تعجز عن حماية مواطنيها فى الداخل فحسب، بل تعجز عن حماية البعثات الأجنبية، مهما كان من مشاعرنا نحوها، فكيف نتوقع بعد هذا أن يأتى إلينا مستثمرون أو سياح من الخارج؟

وبعد أن كانت إسرائيل جانية على مواطنينا على الحدود، أصبحنا نحن الجناة أمام العالم!!

بل ونصل إلى ما يزيد مرارتنا، أن نسمع تصريحات للرئيس الأمريكى وكأنه يلوم بشدة ويأمر، سلطاتنا بأن تحمى البعثات الأجنبية، حيث إن هذه الحماية من الواجبات المعروفة، وبالتالى فأن يطلبها أوباما، فهذا يحمل اتهاما بالتقصير، ويحمل أمرا بتدارك الأمر!!

ويتجلى البعد التام عن روح الثورة والوطنية، أن يقوم نفر من المقتحمين بخلع أجزاء من قاعدة تمثال نهضة مصر، ليستخدموها فى معركتهم المشبوهة، بل ويصل بعض آخر إلى حديقة الأورمان، فيقتلع أشجارا نادرة، ليستخدمها هو الآخر فى المعركة المشبوهة.

كيف يمكن أن نتصور ثوارا لا يساعدون الداخلية على مزيد من ضبط الأمن، فيكسرون فى واجهتها، ويحرقون بعض سياراتها؟ أليس هذا تضييعا لآلاف من الجنيهات هى من دم أبناء هذا البلد الفقراء؟

ألا إنه مشهد يتكرر كثيرا، ولا يلفت الأنظار فى التحسب له، والإمساك بخيوطه لتتبعها، والاكتفاء باتهام «فلول» و«أيدٍ خفية»..

فما كان منذ فترة مما حدث العباسية،ومن قبل فى منطقة الزمالك، حيث كان احتفال مقر تحت مظلة الثقافة الشعبية، بمناسبة المولد النبوى، ثم أخيرا ما تم فى ميدان التحرير تحت شعار جمعة تصحيح المسار، ويبدأ الأمر، على أيد شريفة وطنية، ثم إذا به بعد فترة، ينقلب إلى عكس ما كان مرادا، ويصير إلى معركة، تسفر عن ضحايا،واتهامات توجه إلى السلطة، ودفاع من السلطة يرمى المسئولية على الطرفين إياهما «الفلول» و«الأيدى الخفية».. هنا اختبار حقيقى للأمن ومدى صلابة الدولة: ألم تستطيعوا، بعد تكرار المشهد، أن تمسكوا ببعض من «عمل العَمْلة» لتعرفوا المُحرض؟

وإذا كان هذا خطأ وتقصيرا من الدولة، فإن القوى الثورية هى الأخرى مطالبة بالكف عن تجمعات الشوارع ماداموا غير قادرين على ضبط حركته، فى ظل عجز واضح من الدولة، وفى الوقت نفسه، فلتساعد الدولة على التقليل من اضطرار الناس إلى التجمهرات الضخمة، بألا تتسم ردود أفعالها بهذا البطء المؤسف، والتردد المخزى، وإن كنتم غير قادرين على تحمل المسئولية، فإن الأمانة تقتضى مصارحتنا بهذا ليتقدم من هم أقدر!!