رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

قضاة.. لا دعاة!!

كثير منا ربما يتذكرون جيدا ذلك الكتيب المنسوب للمستشار الراحل حسن الهضيبى المرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين، والذى كتبه فى السجن، عندما لمس كيف أن أحوال المسجونين دفعت ببعضهم إلى «الغلو» والتطرف، فأراد التأكيد على تلك الدرة الغالية لبناة الشعوب،

والناهضين بمجتمعاتهم، وما هذه الدرة إلا أصداء لعدد غير قليل من التوجيهات الربانية التى توجهنا إلى أن نجادل الآخرين «بالتى هى أحسن»، وإذا كانت بيننا وبين أحد خصومة، فالأفضل أن نبادئه «بالتى هى أحسن»، حيث أن من شأن هذا أن يجعل هذا الخصم «كأنه ولى حميم»، وعندما نستمع إلى قول، نركز على الاستماع إلى «أحسنه».

وهكذا يكون المعيار الأساسى فى التحاور والمناقشة، والتعامل، هو اتباع «أحسن»، أى لا نكتفى بما هو «حسن».

ولابد أن يبرز بعض المتفلسفين ليتساءلوا عن معيار «الحسن» و«الأحسن»، ليجيب كثيرون: معيار الحسن والأحسن هو مدى الالتزام بتوجيهات الله سبحانه وتعالى، ومع التسليم بهذا بطبيعة الحال، لكننا لا نريد أن نجادل، فى واقع مؤكد وهو أننا نختلف فى التفسير والفهم والقراءة والتأويل، بحيث تختلف رؤانا وتتباين - ربما – مذاهبنا، ومن هنا نشأت عشرات الفرق والمذاهب عبر العديد من القرون.

لكننا نتجه مباشرة إلى أمر قد لا نختلف عليه، وهو أن العبرة بالنتائج، أى بما يؤدى إليه الاختلاف من بناء لا هدم، من تآلف، لا تخاصم، من ركض إلى أمام، لا تقهقر إلى خلف، من تعاون، لا تفرق، بالنسبة للحركة الكلية للأمة.

نقول هذا نتيجة ما أصبحنا نشهده على أرض وطننا منذ أن تداعت سلطة النظام المباركى - ولا أقول إسقاط النظام لأننى حقيقة لا أراه قد سقط كلية - دون أن ينتبه كثيرون إلي أن ما أوصل شعبنا إلى القدرة المذهلة على إسقاط سلطة النظام، كان هو «التجميع»، و«التآلف» و«التآزر»، وكانت ذروة الرمزية فى هذا، مما لا يغيب عن عينى وذاكرتى أبدا، نظر قبطى يصب الماء لمسلم كى يتوضأ فى ميدان التحرير.

فما الذى حدث؟

لماذا انقلب كل منا إلى «قاضى»، يحاكم غيره، ويصدر عليه الحكم بالتخطئة والتصويب، فى أحسن الأحوال، وفى أخطرها: بالتكفير أو الإيمان، بالوطنية أوالخيانة، بالعمالة أوالوطنية؟

يقولون: إن من الطبيعى أن يشترك جميع المواطنين فى عملية «هدم» النظام، حيث هنا إجماع على سوئه وضرورة التخلص منه، بعد اليأس من إصلاحه، لكن، عندما نشرع فى البناء، تختلف وجهات النظر، فهذا يريد بناء من طابق واحد، وذاك يريد أكثر، هذا يريد أن يحتوى كل طابق على شقة واحدة، وذاك يريد أكثر.. إلخ.

ذاك أمر طبيعى، لا شك فيه، حيث إن «الاختلاف» سنة إلهية فى خلقه، لكن ما هو غير طبيعى فى بناء الأمم هو هذا الوباء الفكرى: أن يتصور كل منا أنه «قاض»، لا «داعية»، ولا نقصد بالداعية هنا المعنى الدينى، وإنما نقصد به، كل صاحب رأى أو فكر أو وجهة نظر يريد التعبير عنها، وإقناع الآخرين بتبنى وجهة نظره.ونقصد «بالقاضى» هنا موقف من يتيح لنفسه حق الحكم على آخرين، مع إصراره على تنفيذ الحكم!

صحيح أن الحكم الذى يصدره هذا وذاك على رأى غيره، لا يترتب عليه بطبيعة الحال توقيع عقوبة معروفة من عقوبات القانون، وإنما نقصد بها السعى إلى الإقصاء، والسعى إلى الاستثناء، والعمل على «التصنيف» المذهبى والفكرى، والحرص على «التشليل» - إذا صح هذا التعبير، المراد بها تكوين «الشلل» - ليترتب على هذا وذاك شن المعارك، والتحارب!

إننى أصارح القراء، بشعورى بالملل الشديد مما أصبحت اسمعه واقرأه وأشاهده منذ أن انتهت ملحمة التعديلات الدستورية، التى كانت بداية الانقسام والتراشق بالاتهامات، لتبرز بعدها فتنة الدستور أولا أو الانتخابات، وهلم جرا. 

ولقد برزت إلى ذاكرتى الآن نصيحة أخرى للمرشد الأول، حسن البنا، وإن كنت أضع يدى على قلبى، لما سوف يحدث من

سرعة «حكم» بعض القراء بأننى لابد أن أكون من الإخوان المسلمين، لأستشهد بأقوال مرشديهم هنا، وعلى الرغم من أن الانتساب إلى هذه الجماعة ليس تهمة يُدافَع عنها، لكن، هذا ما حدث بالتداعى الحر، وبتلقائية شديدة، فقد قال الرجل «لنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه».

ومن باب غلبة اتخاذ موقف «القضاة » لا الدعاة، ربما تجد بعضا ممن يقرأ مقالى هذا يبادر بالقول، بأن هذا كلام جميل لفظاً، لكن الإخوان أنفسهم لا يعملون به! وبناء على هذا «تنجر» المناقشة إلى دروب وحوارى تبعدنا عن المبدأ والقاعدة.

إن الحقيقة التى نرددها عبر سنوات طويلة أن الله عز وجل، كما خلق لكل منا «بصمة إصبع» يستحيل أن تتماثل مع بصمة إصبع إنسان آخر، ففى يقينى أنه - جل وعلا – أيضاً جعل لكل عقل «بصمة تفكير» تختلف عن الآخر، فإذا ما تيقنا من ذلك، نظرنا إلى من يختلف فى فكره ورأيه عما نفكر وفقا له، وعما نصل إليه من رأى، لا على أنه «عدو»، بل زميل، وأخ، وصديق، ومواطن على أرض وطن نتشارك فيه، يمارس حقه.

ولابد أيضا أن نضع نصب أعيننا احتمالا يمكن أن يكون صوابا، ويمكن أن يكون خطأ، وهو أن يكون هذا الرأى الآخر هو الصحيح، ورأينا نحن هو الخاطئ؟!

لا أريد الاسترسال فى النهج مما يبدو أنه «نصح»، حيث عادة ما تمل الناس منه، ولكنها صيحة تحذير، وخفقات قلب يشعر بالقلق الشديد أن تتبدد هذه «الانتفاضة» الخارقة لكثير مما هو معتاد، والتى أنجزناها فى يناير الماضى، فقط أن نفكر جيدا فى أن الوطن ليس حكرا على الإخوان أو الوفديين أو المسلمين أو الأقباط، أو الليبراليين أو العلمانيين أو المتدينين، بل هو ملك كل هؤلاء، وبالتالى، فمن حق كل فريق أن يكون له دوره، وفقا لما هداه الله إليه من تفكير، فإذا ما تباينت الرؤى، واختلفت زوايا الرؤية، فطريق «البت» فى الاختلاف: نقاش يضع صاحبه نصب عينيه، أن لا حياة لأحد منا إلا بالتوافق.

إن ما يحدث الآن على الساحة، من تنصيب كل فريق نفسه «قاضيا» يحكم على من يخالفه بما يضعه فى خانة لا يستحقها، ينبغى أن «ينعدل» ليرى كل فريق نفسه «داعية»، يدعو غيره إلى هذا الرأى أو ذاك مما توصل إليه، «بالتى هى أحسن»، فإذا لم يستجب هذا الغير، فهو «حر»، وليس خائناً!!

ومن يريد أن يقصى أحداً لينفرد هو بالوطن، فليبحث عن وطن آخر غير مصر!!