رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طريق الديمقراطية الحقيقى..؟!

حتى القرن الثامن عشر على وجه التقريب، كان الأوربيون يعرفون من نظم التعليم، نظامين، أولهما لإعداد رجل الدين المسيحى، والآخر لتعليم أبناء الشرائح الاجتماعية الأرستقراطية، والتى كان من ضمنها تربية الفرسان، أما عموم الناس، فهذه قضية لم تطف على السطح، ولا شكلت اهتماما عاما، إلا فيما ندر.

 

فلما اشتد ساعد التيار الديمقراطى، والدعوة إلى تحرير العقل، برزت فكرة البرلمان، والتمثيل النيابى، وأصبحت ركنا أساسيا من أركان الحياة الأوربية، وإن لم تقتنع بها كل الدول فى البداية، حيث جنحت بعض النظم إلى الديكتاتورية، لكن نشير بصفة خاصة إلى بريطانيا، وجد أولو الأمر أن حسن التمثيل النيابى، يقتضى قدرة لدى الناخب أن «يختار» ممثله.

وحتى يستطيع المواطن أن يختار، فلا بد أن يتوافر لديه أمران، أولهما: قدر من المعرفة، به يمكن أن يزن المرشحين بناء على «معلومات»، لا مجرد انطباعات وعلاقات قرابية وعرقية وشخصية، الأمر الثانى، أن تتوافر لديه مهارة تفكير يحتاج إليها للمقارنة والموازنة بين برامج المرشحين، ويستنبط من أقوالهم ومواقفهم ما يشير إلى مدى الصلاحية للتمثيل النيابى، ثم يمكن له، بعد أن ينجح من اختارهم، أن يزن ويقدر كم ونوعية خدمتهم للمواطنين.

هنا بدأت فكرة «التعليم العام» تظهر على السطح، والمقصود بها تعليم المواطنين كافة، ومن ثم ضرورة فتح أبواب المدارس لعموم الناس، ومن هنا أيضا برزت فكرة مجانية التعليم، وفكرة تكافؤ الفرص التعليمية.

ولما كانت الجسور قد امتدت وكثرت بين مصر وأوربا، خاصة فى عهد الخديوين، سعيد، وإسماعيل، وظهر مجلس نيابى لأول مرة فى عهد إسماعيل عام 1866، حيث قضت لائحته بتوقيتات معينة لابد بعدها أن تتوافر شروط معرفة القراءة والكتابة فى العضو المنتخب.

هنا وقف أحد النواب البارزين فى هذه الفترة «أتربى بك أبو العز» فى قاعة المجلس لينبه الأعضاء بأن ما تشترطه اللائحة يوجب أن تبدأ مصر «من الآن» – أى عام 1866- خطة لنشر التعليم بين ربوع البلاد، قُدر لها أن تستغرق من الزمن مدة عشرين عاما، من المنطلق نفسه، حتى يُحسن النائب تمثيل الأمة، ويُحسن الناخب، اختيار من ينوب عنه.

وأقر النواب ما اقترحه أتربى أبو العز، وتم تكليف «على مبارك» – أبو التعليم المصرى الحديث - بأن يضع مثل هذا المشروع، وانتهى منه بالفعل، حيث عُرف فى تاريخ التعليم المصرى، «بلائحة رجب»، لصدورها فى شهر رجب.

وتكرر هذا «العزم»، وظهرت هذه «النية» عدة مرات بعد ذلك، أبرزها مشروع «عدلى يكن» سنة 1917، والشيخ عبدالعزيز جاويش سنة 1925، وهلم جرا..

تخيل عزيزى القارئ، أننا الآن، ونحن نقترب من انتهاء العام الأول من القرن الحادى والعشرين، كم «عشرون عاماً» مرت، منذ عام 1866 إلى عام 2011 (مدة 145 عاماً)، أى، أكثر من سبعين فترة، كل منها: عشرين عاما، وما زالت الأمية منتشرة فى مصر، بل، ومن حيث العدد الخام، وصل عددهم الآن إلى ضعف مجموع سكان مصر جميعا، فى العام الذى بدأت فيه الدعوة إلى القضاء على الأمية!

لا تتصور أنى أبالغ، ففى أحسن الأحوال، ستجد أن نسبة الأمية الآن لا تقل عن ثلاثين بالمائة، وإذا تذكرت أن عدد السكان الآن لا يقل عن 85 مليون نسمة، فمعنى ذلك أن بمصر خمس وعشرين مليون مواطن لا يعرفون القراءة والكتابة، فى الوقت الذى تجاوز فيه العالم فكرة أمية القراءة والكتابة، وبدأ ينتقل إلى صور أخرى من الأمية، مثل الأمية «الكومبيوترية»، مثلا، وما تردد، حتى فى بلادنا منذ عدة عقود، ما يسمى بالأمية الحضارية وهكذا!

 وإذا تنبهت عزيزى القارئ إلى أن قاعدة احتساب المواطن من الأميين تقوم على من يزيد عمره على 15 عاما، حتى الأربعين، أو الخمس وأربعين من العمر، ولا يستطيع قراءة صحيفة يومية، فسوف تجد بالإمكان أن نضيف إلى النسبة الرسمية، وبالتالى إلى عدد الأميين الخام، ملايين أخرى بكل أسف!!

قد يقول البعض إن «القراءة والكتابة» لم تعودا الآن هما السبيل الوحيد للحصول على المعرفة، فهناك مئات القنوات التليفزيونية، تبث كما ضخما من المادة الإعلامية التى يمكن أن يتلقاها المشاهد دون معرفة بالقراءة والكتابة، وهذا غير صحيح، لأن الكثرة من القنوات التليفزيونية، لا تهتم كثيرا بالبرامج الثقافية، حيث تغلب برامج التسلية والترفيه، إذا استثنينا برامج «التوك شو» والتى تغلب عليها المناقشات السياسية، وإن كان كثير منها يصل الأمر به إلى حد المناقشات البيزنطية، مثلما رأينا: بين فريقين: نعم أو لا على التعديلات الدستورية، ثم: الدستور أولا أو الانتخابات.

هنا نجد أن ملايين المشاهدين الأميين، يمكن أن يقعوا فى شَرَك هذا وذاك من ذوى المهارة الكلامية، التى لا تساوى دائما المهارة الفكرية، ومن يمكن أن يكتشف هذا ويميز الخبيث من الطيب، هو المتعلم الحقيقى.

ولابد هنا أن نُذَكر بأن المحرك الرئيسى للثورة كان من خلال شبكة التواصل الاجتماعى «الفيس بوك»، على «النت»، وما زالت، وسوف تظل، هذه الآلية، هى الباب الرئيسى لنشر المعلومات والمعرفة، والتواصل بين الملايين، ونشر الدعوات والمذاهب والآراء، وهى بالأساس كما هو معروف غير ممكنة الاستعمال بالنسبة للأمى.

إننى أتعجب كثيرا: كيف نفخر ونزهو بأننا قمنا بأروع ثورة، ثم لا ننتبه إلى أن ما قمنا به هو الشق الأول من الثورة، والذى لا يستغرق أكثر من أسابيع، أو شهور قليلة، ألا وهو الشق الخاص بهدم النظام السابق البالى، لكن الشق الثانى هو المترجم الحقيقى لمقومات الثورة، ألا وهو بناء نظام جديد، وتتنوع الآراء، وتتباين وجهات النظر، وتزدحم الساحة بكم ضخم من المناقشات، لكنها جميعا تتصل بسلطة الحكم، أو «بالسياسة» كما نعبر ونقول!

وإذا كانت السلطة هى مربط فرس حقيقى

فى بناء النظام الجديد، لكن النظام المنشود ليس نظاما سياسيا فحسب، وما لم نفكر فى الآن نفسه، فى: كيف يكون البناء الاجتماعى؟ وكيف يكون البناء الاقتصادى؟ وكيف يكون البناء التعليمى؟ فإن البناء السياسى، الذى يستأثر بكل اهتماماتنا الحالية، يمكن أن ينحرف إلى ما هو أسوأ.

إننى أصارح القارئ، بأننى لم أُضَمّن المقال فى عنوانه، أو فى سطوره الأولى أنه يدور حول الأمية، لأننى «حدست» أن القارئ لو شعر بهذا من أول جملة، فسوف ينصرف عن قراءة المقال، فكثيرا ما سمع عن هذه القضية، سنوات طويلة، حتى ملّ الكلام والحديث فيها، بل وكان هذا أيضا موقف أبيه، وكذلك – دون مبالغة - جده، وجد جده، إذ لا جديد هنا، فما لزوم القراءة والاهتمام؟!

لقد سعدنا منذ عدة عقود بإنشاء ما عرف بالهيئة القومية لمحو الأمية وتعليم الكبار، لكن من أبرز ما عانته من صور تعثر، وأخشى أن أقول «الفشل»، أن السلطة نظرت إليها وكأنها «مقهى معاشات» لضباط القوات المسلحة، نقول هذا، وبصراحة شديدة، فى وسط أجواء الحب والتقدير اللذين يملآن قلوب المصريين الآن، للموقف المشرف، النادر، للقوات المسلحة من الانحياز للثورة الشعبية، لكن الحق أحق أن يقال، بغير سوء فهم، وإساءة ظن، فمهمة الهيئة لها رجالها وعلماؤها المتخصصون الأقدر على أدائها، دون أن يمثل هذا أدنى مساس بضباطنا الأجلاء، تماما مثلما نقول إن أعظم عالم فى الزراعة أو الحقوق أو علم النفس، أو غير هذا وذاك غالبا ما لا يصلح للكثير من المهام التى تتضمنها مهام القوات المسلحة، والحمد لله أن تقلد أمر الهيئة حاليا أستاذ أكاديمى تربوى هو الدكتور مصطفى رجب، لأول مرة منذ إنشاء الهيئة، ومما له دلالة طيبة حقا أن هذه الخطوة غير المسبوقة قد تمت، فى فترة يتولى فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة العليا فى البلاد، وهذا مما يحسب له حقاً.

وبطبيعة الحال فليس هذا هو السبيل الوحيد، ولكن، ما لا يقل عن ذلك أهمية هو أن الجرس – إداريا – لا ينبغى أن يعلق فى رقبة وزارة التربية والتعليم وحدها.. إن الأمر هنا مثله مثل أن تبتلى – لا قدر الله – بلادنا باحتلال أجنبى، صحيح أن من يجب عليه التصدى لدحر الاحتلال هو القوات المسلحة، لكن تصور أنها وحدها تتحمل المسئولية كلها، فهذا خطأ، فالقطاع الاقتصادى يسارع بأن يكون اقتصاد حرب، والنظام السياسى لابد أن يكون على أعلى درجات الوطنية والقدرة على تقدير المواقف وإصدار الأحكام، ورسم السياسات، وآلاف العاملين فى مواقع مختلفة يتركون أعمالهم لينضموا إلى صفوف القوات المسلحة، والدعاة، والإعلام.. وهكذا.

الأمر نفسه كذلك بالنسبة لقضية الأمية، فلِم لا تكون القضية مثلا مثل مشروع القراءة للجميع، حيث تضافرت هيئات متعددة فى التمويل، مما أعان الهيئة العامة للكتاب أن توفر ملايين الكتب لملايين المصريين بقروش زهيدة؟

بل إن هناك صور معاونة لا حصر لها بالنسبة للقوات المسلحة نفسها، التى تستقبل آلاف المجندين سنويا، ومنهم أميون كُثْر، يمكن أن يكون جزءا من تعليمهم العسكرى، تعليمهم القراءة والكتابة، خاصة أن القيادة العسكرية المصرية أدركت، منذ أن بدأت تستعد لإزالة آثار هزيمة 1967، أن لابد أن تعتمد على المتعلمين:، بل لا أى متعلمين، وإنما «المؤهلات العليا»، وكان هذا انقلابا رائعا فى التفكير العسكرى المصرى لصالح الوطن والمواطنين، قاده الراحل العظيم، الفريق محمد فوزى.

أكرر مرة أخرى.. إذا كان جوهر الثورة هو «الديمقراطية»، فإن هذه الديمقراطية، لا يحميها إلا رشد ممارستها، ولن تستقيم هذه الممارسة إلا إذا تخلصنا من هذا «الإيدز» الثقافى، الذى يُفقد المواطن القدرة على مقاومة الجهل والخرافة، وسوء الظن وتقدير الأمور، والقدرة على حسن الاختيار بين البدائل المطروحة.