رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تعليم مغشوش للفقراء ومتميز للقادرين!

تستطيع أن تخصص بنزينا مثل(80) لأدنى الأسعار، لمحدودى الدخل، وتستطيع أن تخصص مساكن للفقراء وأخرى للقادرين، وتستطيع أن تصنع خبزا رخيصا للفقراء، قليل الجودة، وآخر فاخراً للقادرين...وهكذا، إلا تعليم المرحلة الأولى، حيث لا ينبغى أن يحكم مسيرته مثل هذا المنطق؛ لأنه هو الذى يؤسس للمواطنة، وهو الذى يضع حجر الأساس للمعرفة، مما يجعلنا لا نبالغ فى قليل أو كثير عند النظر بعين الهلع، والإدانة المؤكدة لمن يفكر عكس هذا، لا رغبة فى افتراض صحة رأينا وخطأ الآخرين، ولكنها مسألة لا تقل شأنا فى عصرنا الحاضر عن غش الغذاء للأطفال الرضع.

فمنذ الثمانينيات، وحتى أقل من شهر، ونحن نحذر من هذه المدارس المسماة بالتجريبية، وما هى بتجريبية، حيث هى صورة من صور التحايل الصارخ والصريح للالتفاف حول مجانية التعليم الأساسى، الذى استقر عليه العرف فى كل بلاد الدنيا منذ أمد غير قرب، وفى مصر، منذ عام 1944
لقد تفضل السيد وزير التربية بالاتصال بنا عقب نشر مقالنا السابق(رفقا بالفقراء يا وزير التربية) حول القضية نفسها، وكان هذا كرما منه، لكن الحديث تطرق إلى أمور أخرى عامة، وبلغ من كرمه أن طلب دعوته إلى الصالون الثقافى الذى أنظمه، لولا ظروف شخصية تعطل انعقاده فى وقتنا الراهن، لكنا بالطبع سعداء لسماعه لنا وسماعنا له.
وعلى الرغم من هذا وذاك، فما زالت وزارة التربية ماضية فى التوسع فى المدارس التجريبية، على حساب المدارس الحكومية العامة.
إن ما يتم الترويج له من أن هذا التعليم يقدم تعليما متميزا، إنما هو الحد المفروض الذى يجب أن تقدمه المدرسة، فهل عندما يهبط مستوى الخدمة التعلمية كثيرا فى هذا التعليم البائس، ويتدنى إلى الدرجة التى يمكن فيها أن تتخيل تلاميذ بالآلاف، يمكثون سنوات، ويتخرجون، وهم بعد لم يعرفوا القراءة والكتابة، نقول لهم: «اللى ممعاهوش ما يلزموش؟»
إن الحد المتفق عليه فى كل الدنيا، أن يتخرج تلميذ المرحلة الأولى وقد استطاع أن يقرأ فى جريدة يومية، وأن يتقن العمليات الحسابية الأساسية، وأن يلم ببعض المعارف الرئيسية فى العلوم، وأن يقف على قدر من أساسيات عقيدته الدينية...وهكذا، لكن شيئا من هذا لا يحدث، فقد حدث أن عرفت أن ابن بواب العمارة التى نقيم فيها، وقد أمضى بالمدرسة الابتدائية خمس سنوات، ما زال لا يقرأ ولا يكتب، فسألته بدهشة: وكيف مررت بامتحانات السنوات السابقة؟ قال كلاما أخجل أن أسوقه هنا، لأنه مشين ويدين كثيرين، وفى الوقت نفسه- بلغة القضاء- لا أملك دليلا ماديا، ومن ثم يمكن أن أُتهم بسوق اداعاءات لا دليل عليها.
لكن يكفينا هنا أن أعيد ما سبق أن استشهد به من قول المسئول عن التعليم الفنى، فى اجتماع رسمى حضره كثيرون، برئاسة الدكتور أحمد جمال الدين، وزير التربية وقتها، حيث قال المسئول إن 20% من طلاب التعليم الفنى لا يعرفون القراءة والكتابة، فإذا عرفت عزيزى القارئ أن التعليم الفنى يضم ثلثى عدد طلاب التعليم الثانوى عامة، لعرفت أن هذا يعنى أن عشرات الألوف، تعلموا ست سنوات ابتدائى، وثلاث إعدادى،

وأجريت لهم عدة امتحانات، وأنفقت عليهم الدولة ملايين الجنيهات ، وتخرجوا، وهم كما دخلوا من الأمية!
ربما يستند المسئولون إلى هذا ليقولوا أن المدرسة التجريبية، تعوض هذا، فتقوم بالخدمة التعليمية كما يجب أن تكون، ونكرر نحن، أن هذه الخدمة التى تقدمها المدرسة التجريبية هى نفسها تمثل الحد المفروض أن يقدم مجانا فى التعليم الأساسى العام الحكومى.
أما أن أولياء الأمور هم الذين يلحون على المزيد من المدارس التجريبية، مما يؤكد أنها مدارس جيدة، تحظى بالإقبال، فهذه حقيقة لا ننكرها، لكن بدلا من أن نسأل: لماذا يقبل الناس على المدارس التجريبية، فلنصغ السؤال عكسيا، وهو: لماذا يهرب الناس بأبنائهم من التعليم العام الحكومى، ويتحملون فى سبيل ذلك مبالغ باهظة بالنسبة إليهم؟
إن المسألة هنا شبيهة بالدروس الخصوصية، فليس من المعقول أن يتحمل الآباء والأمهات دفع آلاف الجنيهات عن طيب خاطر، لمجرد أن الدروس الخصوصية تسد حاجة أبنائهم إلى التعلم، وإنما القضية يجب أن تبرز لتؤكد : أنه نظرا لأن أولياء الأمور، لا يلمسون تعليما جيدا يتم تقديمه إلى أبنائهم، فهم يتكلفون آلافا من الجنيهات سنويا، وكأننا هنا أمام تلك العبارة الشعبية الشهيرة( إيه اللى رماك على  المر؟ اللى أمرّ منه!!).
نحن نعى تماما الأوضاع المالية السيئة التى تعيشها مصر حاليا، ولكن، مثلما تفكر الحكومة فى كيفية توصيل الدعم إلى مستحقيه، فى مجالات الطاقة، فلتفكر أيضا فى كيفية حصول الفقراء على الحد الأدنى من التعليم، الجيد، وإلا لأجزنا أن تقدم الدولة خبزا للفقراء مغموسا بالتراب، والقش، ثم تقول لمن يشكو: أمامكم « العيش الطباقى»، والأمر نفسه بالنسبة للأرز السياحى!!
وهل نقدم للناس ماء ممزوجا بالمخلفات، فإذا شكا مستخدموه، أشرنا لهم إلى أن يتجهوا إلى ما يسمى بالمياه المعدنية المعبأة فى زجاجات، فإذا أكدوا حقهم فى الحصول على الحد الأدنى من التعليم « الصحيح «، البانى لأساسيات المواطنة، أشرنا لهم أن يتجهوا إلى التعليم « الطباقى «، أو « المعدنى»، « السياحى»، مرددين: « اللى ممعاهوش، ما يلزموش»؟!