رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رفقا بالفقراء يا وزير التربية!

لأن وزارة التربية لا تهتم بإعلام أمثالنا بخططها وسياساتها وأفكارها، فلا مفر لنا من الاعتماد على ما ينشر على صفحات الصحف من أنباء التعليم، مع الأخذ بعين الاعتبار هذه العبارة التقليدية (إذا صحت هذه الأنباء)، ذلك أن مما حملته إلينا الأخبار أن وزارة التربية، إذ لاحظت إقبال الناس على المدارس التجريبية، فإنها تتجه إلى أن تحول بعض المدارس العادية إلى تجريبية، وربما بعض الفصول كذلك.

والمدارس التجريبية هذه خدعة كبرى قامت بها الدولة، كى تلتف على مجانية التعليم، وكتبنا فى ذلك منذ صدور القانون الخاص بالمدارس التجريبية عام 1979، بل لقد صدّرت جريدة الأهالى فى أعلى الصفحة الأولى فى الثمانينيات عنوان مقالنا الذى دعا إلى أن يتقدم أحد المحامين بدعوى عدم دستورية هذا القانون.
وجه الخدعة فى هذه المدارس، أنها «اسم على غير مسمى»، فلا يوجد فيها تجريب ولا يحزنون، وإنما هى حيلة لتبرير أن تكون بمصروفات، بالزعم بأنها تقدم «خدمة متميزة»، أما هذه الخدمة المتميزة، فأبرزها التعليم بلغة أجنبية، وهذه مأساة أخرى، تلخص «حمى» اجتاحت مصر منذ سنوات الانفتاح، والتى ساعدت على التراجع الشديد للغة العربية، ومعروف أن كل أمة تحترم نفسها، إذ تهتم بتعليم لغة أو أكثر أجنبية، لكنها تظل محتفظة بتلك القاعدة المهمة ألا وهى أن يكون التعليم بلغتها القومية.
إن التراجع المؤسف المتراكم لحال التعليم الابتدائى، جعل الوزارة عندما تقوم برفع مستوى الخدمة فى بعض المدارس، إلى الحد المفروض فى أى تعليم محترم، تطلب مصروفات، بعدة مئات من الجنيهات، مع أن هذا المستوى الذى تقدمه هو المستوى المفروض القيام بها، باستثناء التعليم بلغة أجنبية.
إن مما يجب أن يخجل منه كل مصرى، أن تستطيع حكومة الوفد عام 1943/1944، حيث كان أحمد نجيب الهلالى وزيرا للمعارف، ومعه د. طه حسين مستشارا، تقرير المجانية فى التعليم الابتدائى، ثم إذا بنا، وبعد تسعة وستين عاما، حيث قامت ثورتان، 1952، و2011، تبشرنا وزارة التربية أنها بصدد التوسع فى إلغاء المجانية، عن طريق التوسع فى المدارس التجريبية.
إنك قد تجد من يجادلك إلى حد ما فى مدى ضرورة المجانية فى التعليم العالى.
وقد تجد من يجادلك إلى حد متوسط فى مدى ضرورة المجانية فى التعليم الثانوى.
لكنك لا تجد من يجادلك فى ضرورة المجانية فى التعليم الابتدائى، أو الأساسى، باعتباره يقدم أساسيات المواطنة التى يجب أن يتزود بها كل طفل مصرى فى مبتدأ حياته.
والأدهى وأمر فى القضية أن هذا التعليم غير المجانى الذى تقدمه الدولة، يتم على أرض «عامة» ملك الشعب، وفى مبان، مُولت من الميزانية العامة، ويقوم بالتدريس فيها معلمون يتقاضون أجورهم من الميزانية العامة للدولة، وكذلك من فى هذه المدارس من موظفين وعمال وما فيها من تجهيزات، فإذا كانت الدولة تريد الدخول فى حلبة المنافسة مع المدارس الخاصة، فليكن ذلك من غير الميزانية العامة للدولة.
إن ذلك ربما يتسق مع نهج حكومى بدأ منذ سنوات غير قليلة، يتحايل على التراجع التدريجى عن

الخدمات المجانية، كما رأينا فى بعض المستشفيات، من إنشاء قسم يكون فيه العلاج بمصروفات.
وكما رأينا فى الجامعات الحكومية من افتتاح تخصصات قالوا إنها متميزة، وفى سبيل ذلك يطلبون آلافا من الجنيهات تحايلا على النص الدستورى بمجانية التعليم فى جميع مراحله.
ومثل هذه الصور من التحايل، تزيد من تراجع الخدمة فى الأقسام المجانية وتدهورا، حيث سيبذل العاملون جهدهم الأكبر فى «أبو قرش»، وما يتبقى، بعد استنفاد الجهد والطاقة، يكون لـ «اللى ببلاش»! وتتحقق مقولة كارل ماركس: الفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون غنى!
طبعا سوف يبرز من وزارة التربية من يقول بأن «الأهالى»: أنفسهم هم الذين يطلبون هذه المدارس، ويبدون استعدادهم لدفع ما تطلبه من مصروفات، بل إن الوزارة لا تستطيع أن تلبى رغبات كثيرين يلحون على طلب هذا النوع من التعليم، ونحن نقر بذلك ونعترف به، ولكن الفرق بين منطقنا ومنطق الوزارة هو أننا على يقين من تلك القاعدة القائلة:«إيه اللى رماك على المر؟ الأمر منه»، فماذا يفعل أولياء الأمور الذين لا يرون مستوى لائقا من الخدمة التعليمية فى التعليم الابتدائى، والذى لو أخضعت خريجيه لامتحان فى القراءة والكتابة لفُجعت فى كثرة من انتهوا منه، وما زالوا لا يعرفون القراءة والكتابة!!
وكم أتمنى أن يقوم باحث بدراسة الأصول الاجتماعية والاقتصادية لطلاب التعليم الابتدائى الحكومى، حيث- هكذا نرجح- سوف يجد أن هؤلاء الطلاب من أسر لا نقول «محدودة» الدخل، بقدر ما نقول إنها قد تكون «معدومة» الدخل!
أما هؤلاء الذين يمثلون «قاع» المجتمع، فهم الذين يعجزون عن دفع آلاف الجنيهات أجر تعليم أطفالهم فى مدارس اللغات الخاصة، لكن يمكنهم- مضطرين- أن يدفعوا عدة مئات من الجنيهات فى هذا المسمى بالمدارس التجريبية الحكومية.
وفى النهاية نسأل وزير التربية: هل توسيع دائرة الخدمة لمن يدفع، فى مثل هذا المستوى من التعليم الشعبى العام، ركن من أركان مشروع النهضة الذى يحمله رئيس انتخبته الجماهير لأول مرة فى تاريخ مصر، فأراد أن يرد لهم الجميل؟!