رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل يُبقى الدستور الجديد على المجالس القومية ؟

  من عادتنا فى التفكير، أننا لو أنشأنا مؤسسة لتحقيق أهداف معينة، ثم قرأنا أو سمعنا، أن هذه المؤسسة لم تحقق ما نرجوه، تنادت أصوات كثيرة على الفور بضرورة إلغاء المؤسسة، دون التوقف عند خطوات أساسية لحسن التفكير ورشد القرار، ألا وهى:

• هل فكرة المؤسسة فكرة سليمة؟
• هل ما يقال عن أنها لم تحقق ما رجوناه منها من أهداف صحيح؟ وما مظاهر هذا؟
• ما أسباب التقصير إن ثبتت صحته؟
• ما الحل الصحيح؟
قلما نفكر بهذه الطريقة العلمية، فى كثير من شئون حياتنا، ولعل هذا أحد أسباب ضعف خطواتنا على طريق التقدم، فكيف نطبق نهج التفكير السليم بالنسبة للمجالس القومية المتخصصة، بالنسبة لما قرأناه فى بعض الصحف، فيما يتعلق بالمناقشات الداخلية بالهيئة التأسيسية لوضع الدستور، أن هناك أصواتا علت تطالب بألا يكون للمجالس القومية المتخصصة مكان فى الدستور الجديد، بزعم أنها لم تثبت جدواها، فضلا عن أسباب أخرى سنعرض لها فى سياق الكلام.
فالحق نقول، إن بعض الأمم المتقدمة تعرف ما يمكن تسميته ببنوك التفكير القومى العام، تجمع كوكبة من كبار العلماء والمفكرين الذين لديهم من الرؤية الكلية، والبصر النافذ، والتعمق فى التخصص، والقدرة على استشراف المستقبل، ما يمكنهم من أن يقدموا رؤى فكرية لهموم الأمة الحاضرة، وآفاق المستقبل المرجو، ويَمْهَرون فى تشريح حاضرها، وتحليل مشكلاته، ودقة وضع اليد على العلل والأسباب، وعمق البصر بما يجب أن يكون، وإمكان أن يكون بالفعل.
   كانت هذه هى الفكرة، التى دفعت أولى الأمر لإنشاء المجالس القومية، لتكون «بنك استثمار فكرى قومى كلى» لترسم خطى المستقبل، فهل يمكن لأحد أن يتردد فى استحسانها، بل ووجوب تحقيقها فى مصر؟
أما بالنسبة لما حدث على أرض الواقع بالفعل، فلعل خبرتى عضوا بالمجالس منذ عام 1984 تتيح لى أن أشير إلى عدد من السلبيات أسفرت عنها التجربة، مثل:
• اعتبار ما تصل إليه المجالس القومية المتخصصة من آراء وتحليلات، أمرا استشاريا، وفى البلدان المتقدمة، يتعاملون مع رأى أهل الخبرة والمستشارين باعتباره مُلزما بغير نص، فالأمر مَثله مثل ما يحدث للمحكمة فى بعض القضايا عندما تطلب رأى خبير فى البصمة، مثلا أو فى أى أمر دقيق، نجد المحكمة تلتزم بما يراه الخبير، الاستشارى، بينما نحن فى كثير من المواقف نفهم من كلمة الرأى الاستشارى، وكأنه مجرد «حِلية» لصاحب القرار، يمكن أن يأخذ به أولا يأخذ، والغالب أن أهل التنفيذ، لم يأخذوا بما كانت المجالس تصل إليه إلا فيما ندر، مما جعلنا فى كثير من الأحيان، نضطر إلى إعادة البحث فى موضوعات وقضايا سبق بحثها، فضلا عما بدأ يتسرب إلى نفوس عدد غير قليل من الأعضاء (وأنا أولهم ) بأن المجالس أصبحت مجرد «حائط مبكى»، حيث لا تحفل سلطات التنفيذ بما تجريه من دراسات وتنتهى إليه من تقارير، مما جعل أحد قدامى مسئوليها يجب على شكاوى بعضنا من أن آراءنا يُرمى بها فى مخازن رئاسة الجمهورية، حيث رد بقوله بأن ما نقوم به هو من قبيل: «إبراء الذمة».
• بعد الفترة التى تولاها مؤسس المجالس، الدكتور عبد القادر حاتم، حيث كان العمل جادا ومنضبطا للغاية، تحولت المجالس إلى «مقهى معاشات»، فبعد خروج عاطف صدقى من رئاسة الوزارة، عين مشرفا، مع أن صحته كانت غير

طيبة، وقلما بالتالى ما باشر العمل جديا، وزاد الطين بلة، عندما استطاع فريق جمال مبارك وأحمد عز أن ينحيا كمال الشاذلى عن الحزب الوطنى، وتم تعيينه مشرفا على المجلس، وكانت تلك مصيبة كبيرة، فأنّى لمثل هذا أن يرأس ويشرف على تجمع لأبرز علماء مصر ومفكريها؟ لقد تعامل مع الأمر بالفعل على أنه «رَكْن» و«استبعاد»، وترتب على ذلك أن الرجل جمّد أعمال المجالس فتوقفت اجتماعاتها، وتكدست دراستها بغير عرض ومناقشة، لمدة لا تقل عن عامين.
• وكان الدكتور حاتم يحرص حرصا شديدا على اختيار الأعضاء الجدد، وقد خَبَرت ذلك بنفسى، فما جاء إلحاقى بها إلا بناء على رأى أكده له شيخ التربويين العرب الأول الراحل الدكتور عبد العزيز القوصى الذى قال فى شخصى كلاما أخجل أن أردده، وشدد علىّ حاتم بألا أنشر خبر عضويتى، حيث إن هناك وزراء ومسئولين يرجونه فى الانضمام وهو يرفض، بل وحدد لى مرة اجتماعا ثنائيا زاد على الساعة، كان بمثابة رحلة له عبر تفكيرى وعقلى، ليطمئن إلى إمكاناتى الحقيقية فى المساهمة!
لكن الأمر، بعد أن ذهب الدكتور حاتم، أصبح سداحا مداحا، وتخلل فيروس «الوساطة» القائمة على مجرد العلاقات الشخصية، والرغبة فى الوجاهة الاجتماعية والثقافية، ضم أعضاء جدد، حرص من البعض بأن يكون «عضو المجالس القومية المتخصصة»، ففتح الباب لنوعيات ما أنزل الله بها من سلطان، قلوب واجفة، أبصارها زائغة، عقولها خاوية، أصحاب صوت عال، وضوضاء فارغة.. 
• نتيجة لما سبق، انتفى حماس عدد غير قليل للحضور، مما «أجدب» إلى حد ما بعض ما يجرى من مناقشات، وما يتم من دراسات، خاصة أن ما كان يرصد للمجالس من تمويل كان ضعيفا للغاية، تكاد مكافأة حضور الجلسة تكفى مشوار العضو من بيته إلى مكان المجالس، ويقل كثيرا عما يتلقاه مدرس ابتدائى فى حصة درس خصوصى لطفل الصف الأول!!
• وهكذا يكون الحل، بالتصدى لأوجه الخلل التى أشرنا إليها، لا فى إلغاء فكرة المجالس التى هى من أروع التنظيمات الحديثة لتوفير «تمويل فكرى»، من أضخم بنك للاستثمار الثقافى والعلمى، يمكن أن يبث دماء صحة وعافية فى عروق جسم الأمة، وخاصة وهى تمر الآن بحالة «وَهَن» مُقلق.