رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

محنة العربية فى التعليم المصرى

فى حياتنا اليومية نستخدم أدوات مختلفة من أجل تحقيق وظائف معينة، ومن ثم لابد أن يكون هناك ضمان لصحة وسلامة وجودة الأداة حتى نضمن الحصول على الوظيفة المرجوة منها، وهو منطق لا نحتاج إلى كثير أدلة وبراهين على إقناع القارئ به، ومع ذلك، فنحن نفرط تفريطا بشعا فى أداة كبرى، بها وعليها تقوم حياتنا الفكرية والتعليمية والثقافية، كيف؟

فتش فيما يصعب حصره من اختراعات وصور تقدم، منذ أن بدأ الإنسان حياته على وجه الأرض، فلن تجد ما هو أعظم وأخطر من توصله إلى «لغة» يفكر بها ويتفاهم مع آخرين، ويتبادل بها المصالح مع غيره من الناس، وبها يسجل تقدمه العلمى ليقف عليه من سوف يأتون بعده على مر التاريخ، فيصير تقدم، وتندفع عجلة التطور، لتأتى لنا كل فترة بما هو جديد.
يطوف ذلك المعنى فى ذهنى، كلما أمسكت برسالة ماجستير أو دكتوراه، أشرف عليها لفحصها، أو يشرف عليها غيرى، ويطلب منى المساهمة فى مناقشتها، فأجد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الأخطاء اللغوية، كثير منها مما يفترض أن تعلمه قد تم فى المرحلة الابتدائية. ويغلى الدم فى عروقى أكثر عندما أنبه وألوم، فيكون الرد، أن المهم هو المضمون، وأن تلك مسألة شكلية!!
وتبلغ المأساة ذروتها أن زحف هذا التراجع حتى فى كتابات أعضاء هيئة التدريس، وليس فقط صغار الباحثين وشبابهم، وأدهى من ذلك وأمر، أن بعض هؤلاء قد حصلوا على مرتبة الأستاذية، وكثيرا ما أقول لنفسى، إننى اكتشفت هذا الكم الكبير من الأخطاء ولست خبيرا فى اللغة العربية، فماذا يا ترى يكون الحال لو أننى كنت فعلا خبيرا؟!
كلا أيها السادة، ليست هذه مسألة شكلية، ونعود مرة أخرى للتشبيه، ولنتناول أداة بسيطة مثل «الشاكوش» التى نؤدى بها بعض الأغراض، وخاصة فى دق المسامير: تصور لو أن يد الشاكوش من ورق، أو أن قطعة الحديد التى تشكل رأسه، غير مثبتة جيدا فى اليد الخشبية، أو أن واحدا وضع شيئا لينا وطريا بدلا من الرأس الحديدية، هل يمكن أن يؤدى الشاكوش وظيفته؟ بل أليس هناك احتمال كبير فى أن يصاب هذا أو ذاك؟ وهل يجرؤ أحد أن يدعى أن تلك مسألة شكلية؟
إننى لا أستطيع أن أقف على المعانى المتضمنة فى الجمل والكلمات، ما لم تستقم لغة التعبير، ولعل هذا ما نلمسه بوضوح فى الكثرة من الكتب المترجمة فى السنوات الأخيرة، مقارنة بالترجمات التى كانت تتم منذ نصف قرن مثلا، فالمترجمون المحدثون، يتقنون بالفعل لغة أجنبية أو أكثر، لكنهم لا يتقنون لغتهم العربية، ومن هنا يكون صعبا فهم ما يترجمون، ذلك لأن الترجمة ليست مجرد ترجمة حروف وكلمات، بل لابد من إتقان اللغتين: المنقول منها والمنقول إليها، وكذلك الأخذ بعين الاعتبار منطق اللغة وروحها، وما يرتبط بها من قيم وسياقات ثقافية.
وكثيرا ما يجىء إلىّ هذا الطالب أو ذاك بكلمات فى كتاب مطلوب منه أن يدرسه، ليسأل عن معنى كلمات، تبدو أمامى بسيطة وسهلة، لكن اللغة العربية، قد غمُضت، وصارت غريبة فى بيتها وبين أهلها.
إن القضية واسعة، تحفل بالكثير من العوامل والسياقات مما يستحيل معه الوفاء بها

من خلال مقال، لكن، فلنحصر أنفسنا فى جانب منها، حيث تسهيل أو تعويق التعلم.
فقد كان من التقاليد الثقافية فى مصر- مثلا- أن يلحق الطفل، قبل أن يلتحق بالمدرسة، أو حتى، إن لم يقدر له الالتحاق بمدرسة، بكُتّاب، يتعلم فيه القرآن الكريم، فيحفظ بعض سوره أو كلها، ومن المعروف أن القرآن الكريم، هو النبع الصافى الكامل المتكامل للغة العربية، فإذا حفظ المتعلم أجزاء منه، ودخل المدرسة، امتلك منذ البداية ناصية لغة التعلم والتعليم، فلا يعانى بأى حال من الأحوال صعوبة فى فهم محتويات الكتاب المقرر.
وإذ تقفز عدة عقود، تجد، مئات الآلاف ممن قضوا عدة سنوات فى التعليم الابتدائى، ثم إذا بهم لا يعرفون القراءة والكتابة، فكيف بالله علينا يمكن لهم أن يفهموا الكتب التى يطَلبون بمذاكرتها؟
لقد فرحنا بأن عددا غير قليل منا، إذ يرسل أبناءه إلى حضانة ورياض أطفال قبل الالتحاق بالمدرسة الابتدائية يكون التعليم فيها بلغة أجنبية، إنهم قد عرفوا فى وقت مبكر لغة أجنبية، وهذا لا ندينه، ولا نندد به، لكن ما نندد به أننا لم نبد الحرص نفسه على تعليم اللغة القومية، لغة الوطن، وقبل هذا وذاك لغة القرآن الكريم!!
لقد عَرَض لى أن فحصت كتابا مقررا على الثانوية العامة، تحت الطبع، فهالنى كم الأخطاء اللغوية المنبثة، فى كل صفحة، حتى لقد دونت ملاحظة متكررة «ما هذا العبث؟»، وطلبت أن يراجعه متخصص فى العربية « قديم التخرج «، حيث تراجعت ثقتى فى الخريجين المحدثين، من أقسام اللغة العربية بكليات التربية والآداب، حيث أُصيبوا بالعدوى نفسها، فماذا تتوقع من ضعيف لغة يتصدر لمهمة تعليمها؟!
إن المسئولين، والخبراء وأساتذة التربية، وهم يشخصون أسباب تراجع التعليم، يشيرون إلى كثير من العوامل، لكنهم غالبا ما ينسون أبرزها وأهمها، ألا وهى لغة التعليم والتعلم نفسها!
وإنى أُحَمل مجمع اللغة العربية الكثير، لا وزارة التربية وحدها، حيث يكاد جهده ينحصر على أعضائه والمتصلين بهم، وهم صفوة، وصفوة الصفوة، فمهمة المجمع لا تقف عند حد تطوير اللغة العربية وتقدمها والحفاظ على قواعدها وسلامتها، ولكن يجب أن تمتد إلى المعاونة فى «تعليمها وتعلمها».