رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الوزير المُعَلّم...

تكاد وزارة التربية أن تنفرد من بين سائر الوزارات، عند تعيين وزير، أن يرفع شعار «الوزير.. منصب سياسى»، لتبرير الاختيار من بين غير التربويين- علما ومهنة- بينما تستند الوزارات فى معظمها إلى معيار «الوزير  منصب فنى»..

وفى عام 1986 توزر للتربية والتعليم الراحل منصور حسين، خلفا للدكتور عبد السلام عبد الغفار، الذى كنا قد فرحنا به، حيث كانت مرة نادرة أن يتولى وزارة التربية «أستاذ تربية فى أكبر كلية تربية فى الوطن العربى. وكان منصور حسين يعلن عبر أنصاره، أنها مرة نادرة أن يتولى الوزارة واحد من أبنائها، ترقى من أول السلم حتى وصل إلى موقع وزير.
وكتبت عدة مقالات فى جريدة الأهالى حملة على الوزير الجديد، كان أبرزها مقالا بعنوان- على ما أتذكر- (وزارة التربية التربية بين المختصين والمتخصصين)، محاولا التفرقة بين «مختص»، أى مسئول إدارى، وبين «متخصص»، أى «عالِم فى التخصص».
وإلى حد ما فقد تكرر هذا العام سيناريو قريب إلى حد ما– شكلا- مما سبق بتولى السيد جمال العربى مقاليد الوزارة، ومع ذلك، أُسجل هنا تقديرا وتحية له، حيث هى مرة نادرة أن يكون أصل وزير التربية «معلم».
لا أريد أن أستطرد طويلا فى الماضى، الذى أحاطت به ظروف مغايرة، شكلت موقفى السابق، حيث تم إبعاد الدكتور عبد السلام، وفق مؤامرة شيطانية، كان الذى جاء بعده أحد أطرافها الرئيسيين، فضلا عن أبعاد أخرى يمنعنى الحياء عن ذكرها الآن، حيث الرجل فى رحاب الله..
وجه التقدير للعربى، يكشف عنه المثل القائل: تكلم حتى أراك.. فقد عرضت لى مناسبات متعددة أن أسمع الرجل متحدثا طويلا، ليس أمام أجهزة إعلام، حيث يبدو الوزراء والمسئولون دائما كمن لم تلد أم مثله، ولم يشهد الموقع طوال تاريخه مثله، ولكن الرجل كان وسط عدد غير قليل من أساتذة كلية التربية بعين شمس، وفى اجتماعات عملية متعددة بعض الشئ، ربما كان آخرها اجتماع مجلس إدارة المركز القومى للبحوث التربوية..
صحيح أننى كنت قد انتقدته على ما قاله أمام مجلس كلية تربية عين شمس، لكن كان ذلك نتيجة تباين وجهات النظر، واختلاف الاجتهادات، بينى وبينه، بيد أن هذا لا يمنع من أن أسجل اعترافى بأننا كنا أمام متحدث يعرف جيدا طبيعة الأرض التى يقف عليها، ويدرى دراية متميزة بالأجواء والمناخ، وما هو متاح مما هو ليس متاحا، والنتائج المحتملة لهذا السيناريو وذاك.
ظهر لى الرجل فى عدة مواقف، حتى تلك التى لم أكن منخرطا فيها، مثل لقاءات أجرتها معه هذه القناة التلفزيونية أو تلك، فاهما جيدا لدهاليز قضايا التعليم، وخلايا الأمور التربوية، بحكم تخرجه من تربية عين شمس، فصلاً عما مر به من خبرات عملية طوال عمله بالوزارة فى مواقع مختلفة، حيث وضح أمامى كيف أن بعض من تولوا أمر الوزارة من خارج الدائرة التربوية- تخصصا واختصاصا - كان يقع فريسة مستشاريه، إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر، فعدم علمه بجغرافية

التربية والتعليم، تدفعه دفعا إلى أن يعتمد على هؤلاء المستشارين.
   وإذا كان واحداً من وزراء التربية السابقين مثل كمال الدين حسين كان ضابطا صغيرا لا دراية له بأرض العمل، لكن كان وراءه مستشار تاريخى عملاق، مثل الدكتور عبد العزيز القوصى، وكوكبة من تلاميذه، دون أن يمنع هذا من وقوع بعض أخطاء، لكنها كانت أخطاء ظروف واجتهادات عمل، وليست أخطاء سوء تدبير، وشىء من الجهل.
كانت المشكلة تعرض فى اجتماع مجلس إدارة المركز، فيبدى هذا وذاك رأيه، فإذا بالرجل يظهر وعيه بأبعاد القضية، لا تسحره كلمة من هنا أو هناك، ولا تسحبه فكرة براقة مظهرا، سيئة جوهرا.
وأبرز ما لفت نظرى حقا، أن يعرض على الجميع الموقع الوظيفى لمدير المركز، الذى تم اختياره منذ ما يقرب من عام، ويسألنا رأينا: هل يستمر أم لا؟ بعد أن طلب من بعض الأطراف ذات المصلحة ترك الاجتماع مؤقتا..
فى البداية، بدا لى هذا الأمر غريبا حقا، فالوزراء يستشيرون فى التعيين والتجديد، من خلال اتصالات ثنائية شخصية بعيدا عن الأضواء، أما أن يتم هذا من خلال جمع كبير إلى حد ما فقد كان هذا غريبا.
وكان واضحا عند سماعه كل رأى أن الرجل كما قلت، ليس سهل الوقوع فى براثن هذا أو ذاك ممن يلتقونه أو يحيطون به، وكأنه ممن يقعون تحت مظلة المقولة الشهيرة: «يوديك البحر ويرجعك عطشان»، لا بالمعنى الظاهر للمقولة مما قد يعنى مكرا ودهاء، ولكن بمعنى صعوبة أن «يضحك عليه» أحد ، ويجره من حيث لا يدرى إلى قرار يتمناه ويريده هذا أو ذاك.
وبعد أن استمع الرجل إلى وجهات نظر كل الحاضرين، بدا له أنه قد كوّن موقفا، لكنه آثر أن يرجئ إعلانه بعض الوقت.
وأقوم من الاجتماع، وأنا أشعر بتقدير كبير للرجل، مُثَمنا  لما أعلنه فى الاجتماع، من أن فضل الله عليه أنه « معلم وزير» أو « وزير معلم «، ليوحى لى بفكرة وعنوان مقالنا الحالى.