رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

المجالس القومية المتخصصة: كنز مُهدر!!

عندما تنادى البعض بأن المجلس العسكرى فى حاجة إلى أن يتعاون معه جمع من الخبراء والعلماء والمفكرين المدنيين، يشيرون عليه بالرأى الأقرب إلى الصواب، والخطط الفاعلة، والرؤى التى تتسم بالحكمة، وأصدر المجلس بالفعل قراره بتشكيل المجلس الاستشارى،

تذكرت على الفور الحكمة العامية التى تقول ما معناه: « ابنك على كتفك وتدور على اللى يساعدك!!»، ذلك أن من الحسنات النادرة التى فعلها الرئيس الأسبق أنور السادات، تشكيل ما عرف بالمجالس القومية المتخصصة، والتى بدأت عملها منذ عام 1974، أى عقب حرب أكتوبر، على أساس أن مهمتها هى حرب من نوع آخر: حرب على التخلف، والأمية، والفقر، والمرض، والثقافة المُفَرِّقة، وحرص على أن تكون تابعة لرئاسة الجمهورية حتى تكتسب استقلاليتها وقوتها.
وتكونت المجالس من خمسة:
- المجلس القومى للثقافة، والذى يضم بدوره عدة شعب لتستوعب مجالات الثقافة المختلفة.
- المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى والتكنولوجيا، ويضم شعبا للتعليم العام، والتعليم العالى، والبحث العلمى.
- المجلس القومى للإنتاج، وكذلك المجلس القومى للخدمات، وكل منهما يضم أيضا مجموعة من الشعب التى تستغرق مجالاتيهما المختلفة.
وكان هناك حرص واضح على أن تضم هذه المجالس، أفضل العقول المصرية فى شتى التخصصات، وأن يقوم على رأس كل شعبة قيادة علمية وفكرية مشهود لها، ويكفى أن أشير- مثلا - إلى أن من كان يرأس شعبة التعليم العام، الراحل العالم الفذ: الدكتور عبد العزيز القوصى، وأن من قاد شعبة التعليم العالى: الراحل الفذ الآخر الدكتور محمد مرسى أحمد، الرئيس الأسبق لجامعة عين شمس، وأستاذ الرياضيات الكبير، أما كل مجلس، فكان على رأسه قيادة أخرى متميزة، نادرة، ويكفى أن أشير إلى أن من يشرف المجلس القومى للثقافة برئاسته حاليا هو العالم الجليل الدكتور حسين نصار، عالم اللغة العربية وآدابها الكبير، وأن من كان يرأس شعبة الثقافة، هو الراحل الدكتور سليمان حزين، منشئ جامعة أسيوط.
كان أول رئيس لهذه المجالس هو الدكتور محمد عبد القادر حاتم، والحق يقال أن الرجل كان حريصا أشد ما يكون الحرص على مقاومة ضغوط كثيرة لضم هذا وذاك إلى المجلس، لكنه أمسك « بالفرازة»، والقطّارة حتى لا يسمح بضم إلا من هو «عَلَم» بالفعل فى تخصصه.
لكن هذا التدقيق الشديد فى قبول الأعضاء، بدأ يتراجع قليلا، شيئا فشيئا، بعد ترك الدكتور حاتم قيادة المجالس، حيث كان عصره هو العصر الذهبى لها حقا.
وكان من حسن حظى، الانضمام عضوا بالمجلس القومى للتعليم منذ عام 1984، بترشيح من الراحل رائد علم النفس فى الوطن العربى الدكتور عبد العزيز القوصى.
ويكفى للوقوف على طريقة الدكتور حاتم فى قبول أعضاء جدد، حرصه على أن أجلس معه فى مكتبه منفردين أكثر من ساعة، لتدور مناقشة عامة فى موضوعات شتى، ولما حِرت فى سبب هذه الجلسة، أخبرنى أحد كبار العاملين فى إدارة المجالس، أنها كانت جلسة «للاختبار» غير المباشر، ليسبر الرجل غور شخصيتى، وثقافتى للتأكد من مدى أهليتى للانضمام للمجالس!
وتعقد كل شعبة اجتماعين فى الشهر لمدارسة قضية من القضايا الخاصة بمجالها، وعلى سبيل المثال، ما قامت شعبة الثقافة بدراسته مما يتصل بثقافة البيئات الحدودية لمصر، مثل النوبة، وسيناء، وكذلك العلاقات الثقافية بين مصر وعدد من الدول المهمة بالنسبة لنا.
وبعد أن تستوفى الشعبة مناقشة القضية المعروضة عليها من قِبل أعضاء الشعبة، تنتهى إلى تقرير، يُحال على المجلس القومى الذى تقع فى دائرته، حيث يعقد اجتماعا، كان شهريا لجميع أعضاء المجلس المختص، للانتهاء إلى وضع تقرير نهائى.
لكن المجالس القومية مرت بفترة ركود مؤسفة عندما تولى أمرها الراحل كمال الشاذلى، حيث بدا الأمر له وكأنه عمابة «رَكْن»، بعدما كان هو الشخصية المحورية فى الحزب غير الوطنى ومجلسى

الشعب والشورى، حيث حلّ محله الطفل المدلل أحمد عز، وترتب على ذلك أن تباطأ عقد المجالس، إلى أن توقفت تماما، وإن ظلت الشُّعَب توالى اجتماعاتها، لكن الفتور أصابها بعض الشىء عندما شعر الأعضاء أن ما ينتهون إليه من تقارير، لا يُصَعّد إلى المجلس العام.
لكن القائم بالأمر الآن المستشار أحمد رضوان، عاود بث الروح فى اجتماعات المجالس، ومناقشة ما تنتهى إليه الشُّعَب من دراسات، بعد ثورة يناير، على الرغم من الخسارة الفادحة التى أصيب بها المجلس، حيث كان مقرها فى هذا المبنى الضخم الذى كان ملصقا لمقر الحزب غير الوطنى، فأصابه الحريق ليدمر كل شىء.
ومن حسن الحظ أن قد كانت التقارير مُجَمعة على «سيديهات» سلمت من التدمير.
وليتصور القارئ، كم من القضايا والمشكلات التى يمكن أن تكون هذه المجالس المختلفة، بشعبها المتنوعة، قد درستها عبر سبعة وثلاثين عاما؟!
ولتدهش، ما شاءت لك الدهشة، عندما يروح المجلس العسكرى باحثا عن مجموعة من المفكرين والعلماء والخبراء كى يشيروا عليه فى أمور مصر...هل هناك ما يدعو للسخرية أكثر من هذا؟
هل هناك هزل فى معرفة «عقل» مصر، أكثر من هذا الهزل؟!!
ألا إنها لفرصة ذهبية، ونحن نسعى إلى إعادة بناء مصر، أن تتم الإفادة من هذا الكنز المهدر، حيث لا تلتفت جهات التنفيذ فى الدولة إلى ما انتهى إليه خبراء المجلس من رأى فى دراسة أبرز المشكلات، فقد كان من سلبيات نظام المجالس هو أن ما تنتهى إليه هو رأى «استشارى»، حيث درجنا مع الأسف الشديد على ترجمة «الرأى الاستشارى» إلى ألا ضرورة لتنفيذه، إذا رأى المسئول ذلك، وهو – تقريبا – ما حدث للكثرة الغالبة من تقارير المجالس، مما قلل من فعاليتها، وأفقد كثيرين من الأعضاء حماسهم.
ويكفى مثلا على ذلك، أن كاتب هذه السطور، كان قد كُلف بوضع تقرير ضخم باستراتيجية لتطوير التعليم الجامعى فى مصر عام 2000، وقضينا فى إنجازها شهورا عدة، وعرضناها لتحظى بمناقشات طويلة ومتعددة، داخل شعبة التعليم العالى، عدة شهور، ثم؟ لا حياة لمن تنادى، بل كانت وزارة التعليم العالى قد عقدت مؤتمرا لتطوير هذا التعليم فى الوقت نفسه، غير عابئة بما انتهينا نحن إليه، مما أدى بى إلى عدم المشاركة فى أى تقرير جديد منذ ذلك الوقت!
إننى أكرر الدعوة إلى أولى الأمر، بأن يوقفوا هدر هذا الكنز الفكرى والعلمى النادر الذى لا مثيل له فى كثير من الدول حتى المتقدم منها.