رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

2011....وتحديات " التغيير " محلياً وعالمياً .

حمل عام 2011 احداثاً فارقة وتاريخية فى العالم ،سوف يتناولها السياسيون والمحللون لفترة طويلة من الزمن لدراستها ،اسبابها الحقيقة ،ونتائجها ،وما سوف ينتج عنها ،وكان اكثرها وضوحاً فى الحدث على الصعيد العالمى ،حدوث الثورات فى عدة دول عربية ،بشكل متتال وسقوط لانظمة عتيقة فى فوران شعبى لم يستطيع تلك الانظمة مواجهته او استيعابه

او التعامل معه ،مما احدث تغييراً فى صعود تيارات سياسية جديدة واهمها التيارالاسلامى تحت قيادة جماعة الاخوان المسلمين،وفشل تيارات عديدة توصف باليبيرالية فى الصمود او اغتنام الفرصة لتكون القائدة فى المنطقة ، فنجحت ايدولوجية " حسن البنا " بعد عدة عقود منذو نشأتها فى الاربعينات ،وتهاوت ايدولوجية الناصريين واليبيراليين .

لقد غادر المشهد السياسى او غادر الحياة كلية شخصيات توصف بالكريزما ، كان بن لادن ، وومؤخراً زعيم كوريا الشمالية، كيم يونج إيل، الذي فارق الحياة، بالإضافة إلى مغادرة ثلاثي عربي هم: بن علي في تونس ومبارك في مصر، وأخيراً القذافي في ليبيا الذي كان خروجه من المشهد مأساوياً، لكن رغم تشابه النهايات هناك اختلافات جوهرية تفرق بين الرجال الذين ودعناهم في عام 2011، فبن لادن الذي هُلل كثيراً لمقتله على يد القوات الأميركية في شهر مايو الماضي فإن موته وإن لم يكن طبيعياً كان متوقعاً وأسبابه مفهومة، وحتى "كيم يونج إيل" الذي توفي بذبحة صدرية كانت صحته معتلة منذ فترة بعد تعرضه لجلطة دماغية قبل عدة سنوات، لذا فإن الرجلين معاً كان بإمكان الموت في أي لحظة خلال السنوات القليلة الماضية فقط تصادف موعد انتهاء الأجل مع 2011.

أما فيما يتعلق بالقادة العرب الذين فقدوا مناصبهم وخرجوا من الصورة فقد تعاونت ظروف معينة وخاصة دفعتهم إلى المصير المحتوم، فهم أطيح بهم فيما يشبه انتفاضات شعبية كاسحة خرجت إلى الشوارع واحتشدت في الميادين العامة حركتها مشاعر الإهانة الجماعية والإحباط المقيم بسبب غياب أفق سياسي وافتقاد الفرصة الاقتصادية القادرة على ضمان حد أدنى من الحياة الكريمة.

وفي تفسير ما جرى في العام العربي على امتداد العام الجاري لا يمكن أبداً الركون إلى بائع فواكه تونسي الذي أشعل انتحاره فتيل الثورات في المنطقة، أو الاستناد إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي لم يتعدَ دورها التنظيم والتنسيق فقط ، لكن التغيير التاريخي يحصل عندما يحدث تماس خطير بين الشرارة وعود الثقاب،فعندما يتوفر الحطب الجاف تكفي أي شرارة مهما كانت صغيرة لإشعال النيران وإذكاء الحريق، وهو بالفعل ما حصل في الشرق الأوسط الذي بعد عقود من الحكم السيئ أصبح ناضجاً للتغيير.

ليس السؤال ما الذي أشعل الثورات بقدر ما هو ماذا بعد؟ وما الفرق اليوم بعد رحيل هؤلاء الرجال؟ الحقيقة أنه عندما نعود إلى سنة 2011 فإنها تتبدى كسنة انتقالية أكثر منها سنة تحول جذري، ففي حالة بن لادن لن يتغير الشيء الكثير بعد مقتله، فحتى قبل سقوطه كانت الأحداث المتعاقبة في المنطقة بدأت تتجاوز زعيم "القاعدة"، لا سيما بعدما ظهر واضحاً أن الذين تظاهروا في ميدان "التحرير" بالقاهرة وخرجوا مطالبين بالحرية والكرامة ورحيل النظام لم يستلهموا في شيء أيديولوجية "القاعدة"،فجاء موته كمحطة في الطريق وليس كنقطة تغيير حاسمة، بل والأكثر من ذلك أن غياب بن لادن لا يعني انتهاء ايدولوجية " القاعدة " ، بل حتى في غيابه سيواصل آخرون عمليات التمويل والتخطيط والتنفيذ  لسنوات وربما لعقود مقبلة .

وبرحيل "كيم يونج إيل" تبقى وراءه دولة مازالت تنتهج النظام الشمولى الاقرب الى الفاشية ، وليس معروفاً على المدى القصير ما إذا كان ابنه الذي خلفه سينجح في تعزيز سلطته دون مغامرات، أم سيلجأ إلى العنف ضد كوريا الجنوبية لفرض سلطته، ولو فعل ستكون المجازفة كبيرة لأن كوريا الجنوبية لن تقف متفرجة دون رد عسكري، لكن السؤال دائماً هو ماذا بعد؟ وكيف سيكون مصير كوريا الشمالية؟ فالبلد هو قطعة من الماضي بجيش نووي دون شيء آخر عدا سكان جوعى، وهي تعتمد على الصين كمصدر الغذاء والوقود الوحيد التي تعتبر البوابة الأولى لتصريف تجارة كوريا الشمالية، وهو ما يؤهل الصين للعب دور أساسي في تحديد مصير البلاد. ومعروف مخاوف بكين من انعدام الاستقرار لدى حليفتها وتدفق

اللاجئين إليها، والأسوأ من ذلك تخشى الصين توحد الكوريتين تحت سيطرة سيؤول وبرعاية أميركية، لذا من المرجح أن تواصل الصين دعمها للوضع الحالي في بيونج يانج حتى وهي تحث القادة الجدد على ضبط النفس والقيام بإصلاحات اقتصادية.
لكن ماذا عن البلدان العربية التي نفضت عنها حكامها المستبدين؟ لا بد أولاً من التخلي عن عبارة "الربيع العربي" لأن الربيع فصل لا يتعدى ثلاثة أشهر فيما الأحداث التي جرت في العالم العربي ستستغرق عقوداً كي تنكشف نتائجها وتفصح عن مكنونها، كما أنه من غير المعروف ما إذا كانت المحصلة ستبعث على الارتياح والترحيب، فمهما كانت صعوبة الإطاحة بالأنظمة القمعية التي لا تتردد في استخدام العنف المفرط لإخراس شعوبها وضمان خضوعهم يبقى الأصعب من ذلك بناء نظام أفضل يحل مكانه .

وحتى التجربة العراقية التي كان يفترض أن تعطي المثال وتقدم النموذج فشلت بعدما أفضت الإطاحة بنظام صدام إلى صعود الطائفية والحرب الأهلية، ومع أن الأمور هدأت في العراق مقارنة بسنوات سابقة يبقى المستقبل غامضاً بالنسبة للعراقيين، بل إن موجة العنف الأخيرة جاءت لتؤكد مجدداً حالة الشك والضبابية التي تحوم حول العراق، إذ يمكن بسهولة تخيل مصير يغلب عليه الصراع الطائفي والحكم الشمولي، أو ببساطة دولة مشلولة تتخللها أعمال عنف وضعف الحكومة المركزية.

ولسنا نعرف ما إذا كانت البلدان التي أطاحت بأنظمتها في العام 2011 ستواجه صعوبات مماثلة أم أنها ستنجح في مشوارها، فقد شهدت تونس انتخابات برلمانية حرة ونزيهة مع تقدم واضح للأحزاب الإسلامية، فيما ليبيا تواجه تحدي بناء مؤسسات الدولة غير الموجودة مع تعقيدات أخرى تتمثل في التوترات القبلية والانتشار الواسع للأسلحة.

و من بين كل الدول التي مسها "الربيع العربي"، تظل مصر المحك الحقيقي، فهي تضم ربع سكان العرب وتمثل النموذج الذي ينظر إليه جميع السنة في العالم الإسلامي، وإلى حدود هذه اللحظة يبدو واضحاً سيطرة الإسلاميين بجميع ألوانهم على الحياة السياسية حتى في ظل تردد الجيش وتمنعه عن التخلي عن سلطته وامتيازاته، فيما الشباب الليبرالي الذي ساهم في إشعال الثورة يفتقد للحضور والقوة، لكن المشكلة الأكبر تبقى في الاقتصاد الذي يعرف تراجعاً ملحوظاً بسبب فقدان السياحة والاستثمارات مع استمرار الاضطرابات.

ورغم أن الديمقراطية هي من دون شك هدف تستحق الدفاع عنه، سيكون من الحكمة  التركيز على حماية وتكريس شروط الديمقراطية بنفس التركيز والاهتمام المنصب على العملية الانتخابية، تلك الشروط التي تتمثل في سيادة القانون ودستور يحفظ التوازن بين السلطات، ومجتمع مدني قوي وفعال وسوق مفتوحة.

لذا فإنه من السابق لأوانه إعلان 2011 سنة الاحتفال بالتغيير، فكما أن الأمور قد لا تختلف كثيراً في المستقبل عما هي عليه اليوم وان تخيل ان المستقبل أفضل فان هذا السيناريو سيتطلب أكثر من مجرد الإطاحة برؤوس في القمة.
[email protected]