رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية رضا

من اين أبدء قصتك يا رضا ؟
من يوم مولدك؟
او من يوم استشهادك ؟
وهل أتناول قصة حياتك ؟ ام قصة حياة جيل باكمله ؟

جيل!!! اى جيل هذا الذى عاصرته وكنت جزء من مكوناته ؟ 
من انت ؟
من نحن بالنسبة إليك؟
هل كنت تعى وتدرك ما يدور حولك ؟
هل السياسة و الديموقراطية و الأحزاب و مدنية الدولة او هويتها الاسلامية والدستور وخلافه ..  هل كانت تلك المصطلحات تعنى شئ في تفكيرك ؟ ام انها لوغاريتمات الكترونية ومصطلحات فوق كونية غريبة علي عقلك و تفكيرك ؟
ما معنى الثورة لديك؟ وما تأثيرها على حياتك بشكل عام ؟
هل اهتممت يوما ما بان رئيس الدولة هو المخلوع او غيره ؟
هل شغلت يوما باسم رئيس الحكومة او رئيس البرلمان او الاحزاب او خلافه؟
ما ذنبك يا رضا الذي اقترفته حتى تحيا من يوم مولدك وحتى يوم استشهادك تلك الحياة الشقية فى الوقت الذى تنعم فيه غيرك بكل مباهج الحياة ؟
ما المعيار الذي على اساسه يتم تقسيم البشر الى فئتين الاولى تترف فى نعيم وهناء و اخري محكوم عليها بالعناء والشقاء و البؤس ؟
الذى اعلمه انك ولدت ونشات فى الشارع ....      
ولد رضا مع بداية الثمانينات و كان مولده متزامنا مع بداية عصر المخلوع وتوفي في نهاية عام ٢٠١٢ بعد نحو عام على قيام الثورة ضد نظام المخلوع الذي جثم على الشعب وعلى ارض مصر
نحو ثلاثون عاما
لقد كانت حياة رضا بشكل واضح تعبر عن تلك المرحلة الغريبة و الرهيبة في تاريخ بلدنا وكان رضا بتفاصيل معيشته وحياته تعبيرا و ترجمة صريحة لتطور او قل تدهور الأوضاع يوما بعد يوم وصولا الى الحالة المتردية التي وصلت اليها الاوضاع في مصر على كافة المستويات والاصعدة .
خرج رضا للحياة مثل كل أطفال الدنيا . قطعة لحم بداخلها روح . مثل سائر المخلوقات يتمتع هذا الكيان و المخلوق الضعيف برعاية من حوله . سلوك غريزي يمارسه الانسان و الحيوان على حد سواء . فى المجتمعات المتحضرة تصل درجة الاهتمام و العناية و الرعاية للطفل مرحلة عالية جداً ، تشعرك بان هذا المخلوق هو اخر المخلوقات وهو امل و مستقبل البشرية جمعاء . يتمتع الطفل فى تلك المجتمعات بمميزات وحقوق لا يستطيع احد النيل منها او منازعته فيها . حتى الوالدين ليس لهما الحق فى ممارسة اي نوع من فرض الراى او التعدى على حرية الطفل ، وكونهما يملكان حق الأمومة او الأبوة لا يعطيهما الحق فى ممارسة سطوة او جبروت على الطفل.
اما  هنا ...  ماذا اقول ،،، كلنا مجرمون فى حق أطفالنا .. كلنا مذنبون فى قضيتك يا رضا. الجميع شارك فى تشويه مستقبلك الذى هو مستقبل مصر. كلنا كان يراك و يشهد على العشوائية و البدائية التى كنت تحياها اقصى ما كنا نفعله تجاهك هو الشعور احيانا بالشفقه ومصمصة الشفايف . لم نكن نعى ان حالك هذا هو حال مصر و ان هذا التشويه وتلك الحالة العشوائية التى انت عليها هي حال مصر بكل مكوناتها وعناصرها . انه حال نيلها العظيم و ثقافتها العريقة وفنونها وأدبها و إرثها الحضاري و الزراعة والصناعة والعلوم و مشروعها القومى و هويتها الدينية السمحة وعلاقاتها الدولية المتوازنة و مناهج تعليمها و ريادتها البحثية و تميز أبنائها ونبوغهم فى شتى المحافل الدولية . لقد تعرضت كل تلك العناصر لما تعرضت انت له يا رضا . كان البعض ينظر إليك والى امثالك على انك حالة خاصة ، مجرد طفل بائس او طفل شارع . ولم يتنبه الكثيرون الى كون مسيرة حياتك انعكاسا صريحا و مباشرا للواقع المصرى خلال تلك الحقبة الكئيبة من تاريخ مصر .لقد تمت محاولة تدمير مصر بالكامل فى شخصك انت يا رضا . كنت انت  والكثيرون من امثالك نموذجا حيا متحركا للعشوائية و الحالة الفوضوية التى وصل اليها المجتمع المصري .
انني هنا لا أرثيك يا رضا و لكنني أرثى  حالنا جميعا . انت عارنا جميعا الذى لا يمكن الفكاك
منه . انت جريمتنا آلتى اقترفتها ايادينا  وبمحض إرادتنا . انت ابننا الذي أنكرناه جميعا وتخلصنا منه وتخلينا عنه . ألقينا بك فى جب الشارع و لم تلتقطك ايد رحيمة لترعاك و تنشئك او تاخذ بيدك . اكتفينا بالنظر إليك فى شفقة وكان الكثيرون يضحكون لحالك و كأنك مشهد من رواية كوميدية نشاهده بعيون بلهاء وعقول خاوية . رد فعلنا على حياتك كان غبيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى . تصورنا اننا ننظر الى حالة بعيدة عنا او انك جزء منفصل عن واقعنا ولم نتأثر به . هذا المنطق الغبى الذى ساد و هيمن على تفكيرنا طوال تلك الحقبة الكئيبة حيث ينظر المرء لنفسه فقط دونما اي اعتبار للآخر .   (المهم أنا ) ولا يعنيني حال الاخر . أنا افضل منه . أنا احق منه بكل شئ . ادركنا فى الوقت المتأخر جداً انك انت نحن . نحن انت . لا انفصال بيننا ولا تباعد . حياتك هى حياتنا و نعيش نفس العشوائية التى تعيشها . لماذا لم يدرك الكثيرون منا تلك الحقيقة مبكرا . هل كان لابد من مرور هذا الوقت الطويل لنعى تلك الحقيقة ؟ هل تحتم علينا ان نخوض تلك التجارب المريرة لندرك ونفهم انه لا فرق البته بيننا وبينك . لا فرق بين ساكنى المقابر و اصحاب القصور .. لا فرق بين المقيمين في العشوائيات وقاطنى البنايات الفخمة على نهر النيل او فى الزمالك او مصر الجديدة وخلافه . لا اختلاف بين راكبى السيارات الفارهة والباحثين عن أية وسيلة مواصلات لا يهم ان كانت آدمية او غير ذلك . لا فرق بين الذين يتلقون العلاج في المصحات والمستشفيات الاستثمارية وغيرهم الذين يموتون اصلا من عناء البحث عن مكان للعلاج او الطالبون لأدوية خالية حتى من المادة

الفعالة . لا فرق بين من يترفون فى رغد العيش و الملبس وأولئك الذين لا تكفى دخولهم وجبة واحدة .
كلنا نعيش فى بيئة واحدة... فسادها تشعب و تجذر ... مشكلاتها واقعة على الجميع بشكل او باخر ...
الهواء الذي نتنفسه واحد و لم يخترع لنا الغرب حتى الان وسيلة للتمييز بين الغنى والفقير فى استنشاق الهواء .
المياه التى نشربها او نستخدمها فى حياتنا اليومية واحدة ... حتى تلك العبوات البلاستيكية التى يستخدمها البعض درءً لشرور المياه العادية .. ليست بمنأى عن الاتهام .
الحالة المرورية البغيضة يعانى منها  الجميع حتى أولئك الذين يحملون الحصانة و الذين تفتح لهم إشارات المرور .
التعليم وويلاته والدروس الخصوصية وتدنى مستوى التحصيل لدى الطلبة ....
الرشوة والمحسوبية والفساد حالة واحدة تفرض نفسها على الجميع ومن كافة المستويات ...
الجميع بدرجة أو بأخرى يعانى من تدنى مستوى الخدمات فى كافة المجالات و الإهمال الذى يصل إلى عدم الإكتراث حتى بإزهاق أرواح البشر.
لقد حيينا نفس حياتك يا رضا وان كنا قد خدعنا انفسنا باننا كنا نحيا حياة افضل من حياتك .
وكان الكثيرون يرددون الحمد لله . متوهمين انهم فى درجة افضل منك .
برغم كل ذلك  يا رضا كانت سيرتك تعطينا الأمل .
أبشركم بان رضا رغم كل تلك الماسي لم يتلوث . رغم حياته فى الشارع لم يدمن . رغم فقره كان اكثر آمانة من كثير ممن نعرفهم . لم تبطش يده ولم تسرق رغم حياته الفقيرة . لم يمتهن التسول كالكثير ممن م فى نفس ظروف حياته . كان يسعى و يشقى طوال يومه ليكسب  بضعة جنيهات يقيم بها حياته . يسعى لاهثا الى حضن امه ويوقظها لو كانت نائمة ليطعمها معه وجبة شقى طوال اليوم فى تحصيل ثمنها بالعرق والجهد و الصبر و المعاناة .
ضوء خافت كان رضا فى محيط من الظلام والفوضى. حوله تراب وغبار كثيف ويعلوه طبقات من الصدأ السميك . تحمل كثيرا وعانى طوال حياته  . لم يعي الى ان انتهت حياته تلك المسافة الشاسعة بينه وبين حتى مجرد الأمل فى غد افضل . حتى تجربة الزواج التى فرضتها عليه ظروف حياته لم يكتب لها النجاح . هجرته الشريكة فى بداية الرحلة وذهبت لحال سبيلها باحثة عن شخص اخر اكثر طموحا واشد قسوة فى مواجهة الحياة .
قتلناك يا رضا . قتلتك الفئة الباغية
قتلنا خطيئتنا و اعتقدنا اننا بذلك محونا عارنا
اعتقدنا ان دمك ارخص من دمائنا
أوهمنا انفسنا ان جثتك ارخص من جثثنا
توهمنا انه في الخلاص منك نجاة لنا ولاولادنا 
فكرنا اننا بذلك وصلنا للحل السحرى لجميع مشاكلنا
لم نتوقف لحظة للتفكير فى سيرة حياتك التى هى بالتطابق سيرة حياتنا جميعا
لم ندرك أبدا اننا نحن الذين قمنا بتشويهك ولما استقبحنا منظرك قررنا الخلاص منك
البعض يتصور ان قتلك لم يكن مقصودا او مخطط له ، او انها حالة من الفوضى والشجار بين عصابات وبعضها وكنت انت الضحية بلا ذنب .
لقد قتلك اهلك يا رضا عن عمد وان كانت الحبكة القانونية للواقعة تبدو كالقضاء والقدر
كنت خارجا من منزلك لتسعي على لقمة عيشك فى رحلتك الروتينية اليومية فإذا برصاص الغدر المنطلق من آلات القتل التى لا نعرف حتى الان هوية حامليها ولا لمن ينتمون ، تنطلق نحو جسدك فتصيبك فى مقتل . اللاهون بالسلاح والعابثون بالأرواح لم يدركوا او لعلهم يدركون انهم لقتلك يا رضا يقتلون زهرة برية . ان دمائك الزكية التى سالت على ارض معركة عبثية لم تختار انت المشاركة فيها قد تركت بقعة على ارض مصر لن تمحوها السنون ، حتى لو حاولنا إزالتها بشتى السبل .
لترتاح يا رضا فى قبرك ولكن الى اين نخفى عارنا
سنتذكرك دوما ولن نتنكر لك او لملابسك البالية و حياتك التى وهبتها بثمن بخس
لقد رحلت وحدك وتركتنا لاثامنا وجرمنا
أملنا الوحيد ان تكون تضحيتك من اجلنا سهم لامع يضيء لنا الطريق الذى لايزال طويلا .