رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نهب مصر من زمان وحتى الآن

لم يبدأ نهب مصر وتبديد ثروتها في عهد المخلوع فقط، بل كان قبل ذلك بزمان، وأرجو أن يفتح من بيدهم الأمر الملفات القديمة للنهب، وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً نجد أن محمد علي باشا وعائلته والاستعمار البريطاني من بعده قد وزعوا الأرض الزراعية عليهم وعلى من يضمنون ولائهم،

وبقي الوضع على ما هو عليه، أو ما كنا نطلق عليه مجتمع النصف في المائة، إلى أن جاءت ثورة 1952م، والتي قامت بتحديد الملكية وصادرت أراضي الإقطاعيين والخاصة الملكية، ووزعتها على الفلاحين المعدمين، بموجب قوانين الإصلاح الزراعي، ليذوقوا طعم الملكية لأول مرة، ومع تقديري للرئيس عبد الناصر، والذي كان صاحب مشروع نهضوي لم يتمكن من إنجازه لأسباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها، فقد حدثت في عهده عمليات نهب من خلال ما جرى من تمصير وتطهير ومصادرة وتأميم وحراسة، بل إن كثيراً ممن كانوا حوله حصلوا على شقق وأراضي وعمارات وعقارات، من رجال العهد السابق، أو الأجانب الذين غادروا مصر، أو أجبروا على بيعها، برخص التراب، وما زالت معهم حتى اليوم، وفي عهد عبد الناصر فإن كثيراً من أعضاء التنظيم الطليعي وكبار الاتحاد الاشتراكي، والذين كان منهم كثير من رموز الفساد في عهد السادات والمخلوع، قد استولوا على ما كان تحت أيديهم من شقق وعقارات ومقرات في مختلف أنحاء مصر، تتبع الدولة أو الاتحاد الاشتراكي، كذلك نتذكر عمليات تعيين كبار الضباط المسرحين في مناصب عليا في الدولة كرؤساء مجالس إدارات ومديرين لشركات القطاع العام ورؤساء النوادي والمدن والمحافظين والمستشارين، والتي ما زالت سنة جارية نعاني منها حتى وقتنا هذا، إلا أنه يمكن القول أن عمليات النهب في عهد عبد الناصر كانت متواضعة إلى حد ما، ولا تتعدى حصول الأفراد على منافع شخصية لهم ولعوائلهم لرفع مستواهم المعيشي والوظيفي، ولم تكن الأمور بالسوء الذي حدث بعد ذلك، لأن عبد الناصر كان عفيفاً شريفاً، لا يقرب المال الحرام، حتى وإن اختلفنا معه في بعض السياسات والسلوكيات .
وبتولي السادات الحكم بعد عبد الناصر وتطبيقه لما يسمى بسياسات الانفتاح
(أو الانفضاح) الاقتصادي بدأت عمليات النهب تأخذ شكلاً مجتمعياً واسعاً، وتزامن ذلك مع بزوغ نجم كثير من الحيتان الكبيرة كعثمان أحمد عثمان وسيد مرعي، وكبار ضباط البزنس وغيرهم، كذلك دخول زوجته النصف مصرية وأخوها وكثير ممن حولهم إلى عالم المال والأعمال، لتتم عمليات نهب واسعة، من خلال الانفتاحيين الجدد، ومن خلال مؤسسة الوفاء والأمل التي أنشأتها زوجة السادات، والتي تعيش في أمريكا حتى الآن .
وبعد اغتيال السادات وخلافة المخلوع له بإعداد وتدبير إسرائيلي أمريكي، فقد سار على نفس الطريق، ولكن بشكل أيدولوجي وممنهج، لتكوين طبقة المصالح الجديدة، والتي تختلط فيها السلطة مع الثروة، لتكون رأس جسر للتبعية للقوى الخارجية، تقودهم زوجة الرئيس النصف إنجليزية (الخواجاية) وأولادها، وحاشيتهم، والتي كان كل همها أن يتولى ابنها (الكوتوموتو) حكم مصر لتبقى سيدة القصر إلى ما شاء الله، ولقد عاشت مصر أكبر عملية نهب وتبديد للثورة في التاريخ، حيث بيعت أراضي مصر بأبخس الأثمان إلى مافيا رجال الأعمال، والذين ليس لهم جذور من قبل، كذلك بيع أصول مصر قطعة فقطعة بأثمان تقل كثيراً عن أثمانها الحقيقية، إضافة إلى ما وجدوه من دعم من الخارج من خلال المعونة الأمريكية وقوانين الاستثمار والضرائب المتحيزة لهم واتفاقيات الكويز وبيع موارد مصر الطبيعية،

كالغاز والنفط والفوسفات والذهب، من خلال اتفاقيات رخيصة مهينة، وهو ما كان وبالا على مصر وشعبها، أدى إلى تقزيمها سياسياً واقتصاديا، وبلوغ حد الفقر لأكثر من 60%، وتزايد البطالة والعنوسة والطلاق والزواج العرفي والفشل الكلوي والأورام، وتدهور التعليم ومنظومة القيم المصرية الأصيلة، وليمتلك عشرين من كبار مافيا رجال الأعمال ما يزيد على ثلثي موارد مصر، ويبقي الفتات للشعب المسكين، وهو ما كان من دوافع الحراك الثوري الذي أدى إلى قيام ثورة 25 يناير المجيدة، وإن كان رموز حكمه وورثته مازالوا حتى الآن يحاولون باستماتة إعادة استنساخ النظام القديم، ولكن بوجوه جديدة .
وتتراوح أرقام المبالغ المهربة من مصر في بعض التقديرات حوالي 700 مليار دولار، بالإضافة إلى 800 مليار دولار فروق ثمن الأراضي التي استولى عليها مافيا رجال الأعمال، منها 70 مليار دولار تخص المخلوع وحده، إلى أن جاءت كاترين أشتون بالخبر اليقين عندما ذكرت أن ما هرب من مصر خلال العشرين سنة الأخيرة من حكم المخلوع تبلغ 5 تريليون دولار (خمسة وأمامها 12 صفر – ولتحويلها إلى الجنيه المصري يُضرب هذا الرقم × 6) وهو ما يكفي لعمل 90 ألف مليونير كبير، وهناك في مصر حتى الآن مَن لا يجد قوت يومه، أو ما يستر به عورته، أو ما يشتري به الدواء، إذ أن في مصر أغني أغنياء المنطقة، أو ما يطلق عليهم (هبة الأرض)، والذين يعيثون في الأرض فساداً هم وشركاؤهم في السلطة الانتقالية، ولا يخفى أن كل ما يجري الآن من مشاكل وانفلات أمني متعمد وانهيار اقتصادي معد له مسبقاً ومن بلطجة وجرائم وإضرابات فئوية، هي من نتاج عهد المخلوع والاستغلال والمظالم التي حدثت في عهده.
ثم يقولون : تصالح أو تسامح، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ، إِنْ يَّقُوْلُوْنَ إِلَّا
كَذِبَا} (5: الكهف)، إن الشعب المصري كله هو صاحب الحق في الفصل في هذه القضية والحكم فيها، فهل يمكن أن يأتوا بكل من نهبوا مصر أو بددوا ثروتها، أو امتهنوا شعبها وأهانوه إلى معقل الثورة في ميدان التحرير ليقفوا أمام الشعب، ليحاكمهم ويصدر حكمه فيهم، حتى ولو كانت البراءة، فهل أنتم يا رؤوس الثورة المضادة على استعداد لذلك؟ ... لنرى .

--------
الدكتور/ زكريا مطر
[email protected]
http://www.facebook.com/pages/Zakaria-Matar-essays/297006830364906