رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إدارة السياسات الإعلامية.. البُعد الغائب في الدولة المصرية

 

تمثل إدارة السياسات الإعلامية تحدياً جديداً أمام دول العالم فدول المستقبل لن يكون لها وجود حقيقي دون أن تكون لها سياسات إعلامية، قرأت كثيراً في هذا الاتجاه باللغة الإنجليزية، أما باللغة العربية فلا يوجد مؤلف محدد في هذا الاتجاه، فقط مؤلفات في الإعلان وأسسه، في الاتصال الجماهيري، الإعلام ومعالجة الأزمات إلي غير ذلك.

 

إذ كانت هناك خبرات متراكمة ورصد متتابع مني لجهود العديد من المؤسسات في هذا المجال، لكن لابد من أن أكون أكثر تحديدا لمسألة إدارة السياسات الإعلامية، إن هذه الإدارة هي فن من فنون الدبلوماسية شديدة التعقيد والتركيب، إذ هي تجمع بين توازنات داخل المؤسسة قد تتطلب في وقت ما كبح جماح التوجه نحو الإعلام بسرعة غير مطلوبة من بعض إدارات المؤسسة، وفي وقت آخر حث وإقناع بعض الإدارات علي التوجه نحو الإعلام وتلبية متطلباته، كما أن هذه الدبلوماسية قد تمارس داخل الدولة وخارجها، إذ من المطلوب تكثيف المادة الإعلامية التي قد يجري بثها للوسائط الإعلامية المختلفة، أو التقليل من حجم هذه المادة، لكن متي يتم هذا ومتي يتم ذاك، لا شك أن ذلك يتطلب قراءة جيدة يومية من شخص ما للحياة السياسية والثقافية والأحداث الجارية، حتي يتسني لهذا الشخص اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

ثم يلي هذا نوع المادة التي ستقدم للجمهور من خلال العديد من الوسائط الإعلامية التي أصبحت من الكثرة بحيث قد تربك الشخص المسئول، لكن هنا يبقي الفيصل هل حدد هدفه؟.. هل حدد نوعية المادة؟.. هل حدد وسيلة الاتصال المناسبة؟.. هل يستخدم كل الوسائط أم بعضها؟.. المهارة التامة تكمن في استخدام كل الوسائط لكن الاكتفاء بوسيط دون الآخر قد يضعف أداء الإدارة، فالاتصال المباشر وهو أقدم الوسائط التي عرفها الإنسان مازال أكثر الوسائط فاعلية وأكثرها صعوبة، لأن فيه إما أن يفقد المتصل به إلي الأبد، أو يكسبه إلي الأبد؟!

هنا يبرز الإقناع ولغة الحديث ولغة الخطاب كوسيلة من وسائل الإعلام، في عصر السماوات المفتوحة والإنترنت، قد يبدو مستغرباً أن العديد من المؤسسات بل حتي الحكومات تلجأ إلي الاتصال المباشر بالجماهير، لأن العلاقة المباشرة تحمل حميمية التواصل الإنساني، حتي الولايات المتحدة الأمريكية واليابان تلجآن إلي مثل هذا النوع من الدعاية، فالولايات المتحدة لديها برنامج الزائر، حيث تستضيف من خلاله أحد الأشخاص المرشحين في بلد ما للصعود السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي لزيارة الولايات المتحدة لمدة شهر، ليبهر ببلد العام سام، تم من خلال هذا البرنامج استضافة شخصيات تبوأت مناصب عليا فيما بعد في بلادها سواء من أوروبا أو أفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية، اللافت للنظر عند حديثي مع العديد من الأشخاص سواء من مصر أو من دول أخري ممن استفادوا من هذا البرنامج، أن كل فرد منهم أعد ملفاً مسبقاً عنه، حدد من خلاله ميول وأهواء هذا الشخص وما يحبه وما يكره، بحيث تخطط الزيارة وفق هذه الدراسة التي هي في جانب منها لها بعد نفسي وآخر انثروبولوجي، ولكي أوضح الجانب الأخير، فلابد وأن أنبه له، فلا يستحسن أن تدعو شخصاً من بلد مسلم لديسكو، في حين من المحبب أن تجعل زائر أوروبا ينبهر بالحداثة في مجال التكنولوجيا، علي حين يجب أن تري صينياً ذا تراث عريق متحف المتروبوليتان، في جانب آخر تقدم الولايات المتحدة نفسها علي أنها أرض للتعايش الحضاري بين ثقافات متعددة، ولا مانع هنا من زيارة ناسا أو مفاعل نووي أو مشاهدة مترو لوس أنجلوس أو وادي التكنولوجيا في كاليفورنيا أو مصانع بيونج للطائرات مع العروج علي البيت الأبيض ومكتبة الكونجرس، المهم في نهاية الأمر أن يتم غرس نوع من الحب والانبهار، وتركك وقد اقتنعت بعظمة أمريكا أم الدنيا المعاصرة.

اللافت للنظر في مثل ترتيب هذه الزيارات أن المرافق للزائر، يحمل بتعليمات تتوافق مع طبيعة الزائر، بل قد تكون تركيبته الشخصية أو كيمياؤه النفسية تتكامل معه، لكي يتحول الاثنان إلي أصدقاء، هكذا تنشأ الدول العظمي لها أصدقاء في مختلف أنحاء العالم.

في عصر الرئيس جمال عبد الناصر، كان طلبة المدارس والعامة من الشعب لديهم حالة إبهار بكاريزما الزعيم، لذا كان يرسلون له طالبين صورة شخصية منه، سرعان ما يقوم مكتبه بإرسالها ممهورة بتوقيعه، تخيل طفلاً في نجع في صعيد مصر في منطقة منسية مهملة، تصله فجأة أمام أهل قريته رسالة من رئيس الجمهورية، فيها صورة عليها توقيعه، كيف سيكون رد فعلها لدي أهل القرية، لاشك أنه سيكون كبيراً، بل ها هو تأثيرها لدي الطفل سيدافع عن عبدالناصر مدي الحياة، لذا لم أكن مستغربا أن أري صورة جمال عبدالناصر معلقة في بعض المحال أو المنازل، لأن من أعدوا له صورته لدي الشعب أحسنوا وأدركوا أهمية الاقتراب من رجل الشارع.

هنا يجب أن ألفت الانتباه إلي الحضور الإعلامي، فهناك أشخاص ليس لديهم حضور إعلامي وآخرون تجذبهم الكاميرا، بل وآخرون يخطفون الكاميرا الفرق بينهم شاسع، لذا فمن المهم دراسة سيكولوجية الأداء الإعلامي، وتجنب السلبيات الخاصة بضعف شخصية أمام وسائل الإعلام، فعلي الرغم من جاذبية جورج الابن احتاج لمعالجات عديدة وتدريبات حتي يصبح لديه قابلية جماهيرية.

إن تفهم طبيعة الجمهور المخاطب وسيلة أساسية من وسائل النجاح الإعلامي، بل نجد كثيراً من الساسة لجأوا إلي حيل عديدة لكسب الجمهور، فها هو نابليون عند غزوه لمصر يشهر إسلامه ويتبني منشورات تدعو المسلمين في مصر لمساندته ضد الظلمة المماليك، ويحضر الموالد الإسلامية، بل نري الرئيس السادات يبرع في هذا حين يرتدي أحدث الأزياء في القاهرة وعند سفره خارج مصر، ويلبس الجلباب والعباءة في ميت أبوالكوم، فالأولي لديه طبقة وجمهور معين يتناسب معه البذلة ورابطة العنق المتناسقة معها وطريقة الإيليت في التعامل، والثانية كان لدي السادات فيها جمهور آخر يخاطبه هو جمهور الفلاحين والعمال وأهل المدن الصغيرة، الذي كان يهدف إلي إقناعهم بأنه واحد منهم يأكل البط والأوز في

المولد النبوي علي الطبلية، بل نشأ مثلهم، وأن لديه قيم الريف الأصيلة.

كان السادات رجل إعلام عشق الصحافة منذ صغره، لذا كان من المتوقع أن تستقل شخصيته عن محمد حسنين هيكل الإعلامي البارز الذي لعب دوراً كبيرا في صناعة صورة وشخصية عبدالناصر أمام الرأي العام المحلي والعربي الدولي. لعل هذا هو المنشأ الحقيقي للخلاف بينهما بعد العام 1973 علي الرغم من كونهما صديقين، لكن السادات أراد أن يقدم نفسه برؤيته التي اكتسبها وبناها من عمله في الإعلام.. لكن في عصر الإنترنت والفضائيات والصحف الإلكترونية والتلفاز والمذياع وغيرها من الوسائط الإعلامية، هل يصلح أن يعتمد شخص علي ذاته في صناعة صورته، أو تعتمد مؤسسة علي فرد في تقديم صورتها، أو شركة علي وكالة إعلانات ذات اتجاه واحد في تقديم منتجها، أو دولة علي سياسات ثابتة في تقديم إنجازاتها، لاشك أن هذا لم يعد يجدي في عصرنا؟!

من هنا جاء هذا الكتاب، لا أعرف هل ما أهدف إليه منه سيكون مؤثراً بصورة أو بأخري، لكنها محاولة لعلها تكون مفيدة، ثم هل هناك أصلاً علم لإدارة السياسات الإعلامية، لعل هذا العلم موجود في الغرب، وحوله دراسات وأبحاث، ولعلني هنا أحاول، وقد يكون هناك من حاول قبلي، لكنها كلها إسهامات أرجو أن تكون مفيدة.

لكن مثل هذا العلم لا يبني علي العشوائية بل يخضع لقواعد وخبرات متراكمة، لا تخرج في نهاية الأمر عن كونها تخضع للتخطيطPlanning  وتعني به توظيف الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة والتي يمكن أن تتاح خلال سنوات السعي من أجل تحقيق أهداف معينة مع الاستخدام الأمثل لهذه الإمكانيات، ويقوم علي مجموعة عناصر: المدي الزمني، معرفة الواقع، تحديد الأهداف والوسائل، ويرتبط هذا المفهوم دائما بمفهوم السياسة، وإن كانت السياسةPolicy  أوسع من الخطط فهي تحدد الأسس العريضة التي يتم في إطارها أوجه النشاط المتصلة بالتخطيط فتنفيذ السياسات من مهام التخطيط.

لسنوات طويلة ظل المجتمع العربي تسيطر عليه فكرة الهيمنة الأمريكية علي وسائل الإعلام وصناعته، وغاب عنه التحولات والتقلبات في الإعلام الأمريكي (iii) لكن هناك هيمنة الدولة الأمريكية علي العالم من خلال الاقتصاد والقوة المسلحة والأدوات الإعلامية التي تسيطر علي عقول البشر (iv) بحيث يصبح البشر أسري هذه الأدوات ومنها الأفلام السينمائية التي تبث السطوة الأمريكية بطريقة ناعمة لدي المشاهد ومثلها المسلسلات الأمريكية، وهي قضية مثارة حتي في أوروبا، وبصورة خاصة في فرنسا التي لديها تخوفات حادة من الهيمنة الأمريكية، حتي في مجال محركات البحث علي شبكة الإنترنت إذ أن سيطرةGoogle  علي محركات البحث تجعل دائماً المواقع الإلكترونية الأمريكية في المقدمة أمام الباحث عن أية معلومة علي الشبكة الدولية للمعلومات(v) إن هذا النوع من الهيمنة يفرض علينا ضرورة البحث عن تفعيل محركات بحث عربية.

الحقيقة التي يقررها الواقع العملي أكثر تعقيداً، لأن مراكز صنع القرار لا تمارس فعلها في المثالي المفترض، وإنما تمارسه تحت سطوة صراعات تاريخية كبري ومصالح يتعارض بعضها مع بعض، والكثير منها غائر في زمانه، أو جامح في مقاصده، أو عنيف في ممارسته، وفي ظل هذه الأحوال فإن القرار السياسي تحكمه بالقطع عوامل غير مثالية!

إن هناك شيئاً يتقاطع بين المثالي المفترض والواقع الذي يعبر عن المصالح أيا كانت هذه المصالح هل هي مصالح دولة أم مجتمع أم شركة أم فرد، لذا فدور السياسات الإعلامية عادة هو صناعة صورة مضيئة للمؤسسة أياً كانت، وتبرير أفعالها أو إنقاذ القرارات المتضاربة لها أو الضعيفة، باتت السياسات الإعلامية في طور التحول إلي علم له تشابكه مع علوم مختلفة، فهي ليست قائمة علي الخبر أو وسائط الإعلام، بل تستخدم علوم الأنثربولوجي والاجتماع والتاريخ، فضلاً عن التقنيات الحديثة.

صناعة هذه السياسات إذا ليست بالسهولة التي قد يتخيلها البعض، فهي تحدد للمؤسسة أهدافها وطريقة الوصول لها، وفلسفتها، وعملية التغيير اللازمة في الوقت المناسب، فضلاً عن كونها الوسيط الفعال بين المؤسسة والجمهور، لخلق حالة من التوافق بينهما، وتبادل التأثر لصالح الطرفين.