رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الموازنة والعجز.. رؤية مختلفة لمواجهة المشكلة

 

تأتى مشكلة عجز الموازنة سنوياً على قمة المناقشات والتحديات بين الحكومة والرئاسة، وظلت هذه المشكلة وما زالت وكأنها مرض مزمن لا نستطيع التصدى له أو التقليل من آثاره الضارة.

للأسف لم يحاول أى من المسئولين عن إعداد موازنة الدولة السنوية أن يقدم الحلول لوقف نزيف عجز الموازنة وإنما وللأسف ظل هذا العجز يتزايد من سنة إلى أخرى إلى إن أصبح يوازى 15% تقريبا من الدخل القومى للدولة أو بمعنى آخر أصبح يمثل حوالى 75% من الإيرادات النقدية للدولة.
عجز الموازنة يمثل الفرق بين المصاريف والإيرادات وفى حالتنا هنا يمثل المصاريف التى تتكبدها الدولة من خلال جهازها الإدارى مقابل ما تحصل عليه من إيرادات نقدية ممثلة فى الآتى:
< ضرائب="" الدخل="" من="" الأفراد="" والشركات="" وضرائب="">
< الرسوم="">
<>
< فائض="" التشغيل="" من="" شركات="" قطاع="" الأعمال="">
< صافى="" الدخل="" من="" تشغيل="" قناة="">
< صافى="" الدخل="" من="" مبيعات="" البترول="" والغاز="">
ما ذكر هو مصادر الدخل التى يتحقق منها للدولة التدفقات النقدية لاستخدامها فى تغطية مصاريفها وموازنتها الاستثمارية وغالبا ما تتمثل هذه المصاريف فى الآتى:
< المرتبات="" والأجور="" والمكافآت="" وما="" يتعلق="" بها="" للعاملين="" بالجهاز="" الإدارى="">
< المستلزمات="" السلعية="">
< الدعم="" الموجه="" للمواد="" الغذائية="" والطاقة="" (الكهرباء="">
< مصاريف="" خدمة="" الدين="" المحلي="">
< سداد="" أقساط="" الدين="" المحلى="">
وبتحليل أهم بنود الدخل والذى يمثل من 60 إلى 70% من مجموع الدخل النقدى السنوى للدولة نجده هو بند ضرائب الدخل من الأفراد والشركات، وبالتالى يجب مباشرة العمل على إعادة هيكلة النظام الضريبى بما يحقق للدولة العائد أو الدخل النقدى الذى يمثل حقيقة الأنشطة المالية والتجارية والمهنية للدولة.
من الأبحاث الميدانية التى قامت بها مجموعتنا الاستشارية توصلنا إلى أنه يوجد بالدولة نشاط نستطيع أن نصفه أنه متهرب من سداد الضرائب يصل إلى أكثر من مجموع الدخل القومى للدولة او أكثر من تريليون وخمسمائة مليار جنيه، وهذا النشاط يتمثل أساسا فى مهن الأطباء والمحامين والمكاتب الاستشارية الهندسية والمالية هذا بالإضافة إلى الأنشطة التجارية الأخرى التى يطلق عليها مجازاً «أنشطة تحت بير السلم»
وعليه إذا ما تم إخضاع هذه الأنشطة للضرائب كما يجب أن تكون وبمعنى آخر إذا أمكن تطبيق نظام ضريبى جديد يمكن الدولة من التحقق من الإيرادات الحقيقية لهذه الأنشطة المهنية والتجارية لاستطاعت الدولة تحصيل ضرائب دخل من هذه الأنشطة لا تقل عن 50 مليار جنيه مصرى سنويا وهذا المبلغ يمكن حسابه كالآتى:
< إجمالى="" الدخل="" من="" الأنشطة="" المتهربة="" تريليون="" وخمسمائة="" مليار="" جنيه="">
< الخاضع="" للضريبة="" من="" إجمالى="" الدخل="" «افتراضاً»="">
< يكون="" وعاء="" الضريبة="" مبلغ="" 375="" مليار="" جنية="">
< وبحساب="" 15%="" متوسط="" سعر="" الضريبة="" تكون="" الضرائب="" المتوقع="" تحصيلها="" مبلغ="" 56="" مليار="" جنيه="" مصرى="" «وقد="" يكون="" أكثر="" من="">
وهذا يبين أنه إذا ما كانت الدولة جادة فى تطبيق القوانين وتشديد الجزاءات على المتهربين من الضرائب لاستطاعت أن تزيد تدفقاتها النقدية بما لا يقل عن هذا المبلغ أى الـ 56 مليار جنيه.
إذا انتقلنا لبند آخر من مصادر الإيرادات والتى يمكن أن يتم تعظيم الدخل منها فورا وفى خلال السنة المالية الواحدة نجد أنه بند فوائض التشغيل من شركات قطاع الأعمال العام.
مجموع الأصول التى يملكها قطاع الأعمال العام والمستثمرة بمعرفة الدولة لا تقل قيمتها عن ثلاثة تريليونات جنيه مصرى وتحقق للدولة ما بين 60 إلى 70 مليار جنية أى أن العائد على الاستثمارات فى قطاع الأعمال العام يساوى 2% تقريباً، وهو معدل لا يمكن قبوله ويمثل إهداراً لأصول الشعب المصرى.
إذا لو تم تخصيص هذا القطاع بالكامل وتم تمليك الشعب المصرى ما لا يقل عن 51% من أصوله فى صورة أسهم إسمية قابلة للتداول فقط بين المصريين وطرح الـ 49% الباقية للاكتتاب العام للعرب والأجانب سيحقق هذا القطاع طفرة رائعة فى معدلات الاستثمار وسينعكس ذلك أيضا على زيادة حصيلة الضرائب كما سيؤدى إلى الاستقرار الاجتماعى وتفرغ العمال والعاملين بهذه الشركات للعمل على زيادة الإنتاجية والحفاظ على الأصول واختفاء المطالبات الفئوية، حيث إنهم الآن أصبحوا الملاك الحقيقيين لهذه الأصول وكلما زاد الإنتاج وزادت الأرباح زادت دخولهم الدورية وارتفعت قيمة الأسهم التى يملكونها بما يحقق لهم أرباحاً رأسمالية عند تنازلهم بالبيع لهذه الأسهم لحملة أسهم مصريين آخرين.
بهذا الأسلوب قد يصل معدل الاستثمار لأصول هذا القطاع ما يعادل فى بدايته فى الثلاث سنوات الأولى من 12 إلى 15% أى مبلغ حوالى - بعد خصم الضرائب - من 360 إلى 450 مليار جنيه صافى ويكون نصيب الدولة من الضرائب على الأرباح بمعدل 20% حوالى من مبلغ 90 إلى 112 مليار جنيه مصرى.
من البندين السابقين يمكن للدولة أن تحقق زيادة فى تدفقاتها النقدية بما يعادل من 140 إلى 160 مليار جنيه مصرى كالآتى:
< من="" الضرائب="" على="" الأنشطة="" المتهربة="" 50="" مليار="">
< من="" شركات="" قطاع="" الأعمال="" بعد="" تخصيصها="" من="" 90="" إلى="" 112="" مليار="" جنيه="">
ولتحقيق ذلك فى المدى الفورى والقصير حتى ينعكس على موازنة الدولة عن العام المالى 2014/2015 يجب اتخاذ إجراءات قانونية ودستورية فورية متعلقة بقانون الضرائب وقانون بتمليك أصول شركات قطاع الأعمال العام للشعب المصرى.
من الأمور المهمة التى يمكن أيضا أخذها فى الاعتبار لخفض مبلغ عجز الموازنة التطبيق الفورى للحد الأعلى للأجور على كافة إدارات الجهاز الإدارى للدولة بما فى ذلك قطاع البنوك العامة وإعادة هيكلة نظام التمثيل الدبلوماسى وتقليص عدد السفارات خاصة بالدول التى لا يتواجد بها أعداد الكبيرة من المصريين والتى يمكن خدمتهم من خلال أقرب سفارة مجاورة.
معنى هذا أنه كان يجب على الجهاز التنفيذى للدولة (الحكومة الحالية) أن تقدم موازنة تقشف ترمى إلى خفض المصاريف بدلا من زيادة العبء على موازنة الدولة باستحداث وزارات جديدة تلقى بعبء مخصصاتها المالية على عجز الموازنة وهو فى نظرى يعبر عن افتقاد الحكومة للرؤية المالية والاقتصادية للدولة!
والأهم من هذا كله وما ناديت به من سنوات طويلة ولكن للأسف لم يكن لما ناديت به أى صدى لدى المسئولين عن إعداد موازنة الدولة، وهو أن يتم إعادة صياغة الموازنة العامة للدولة على أساس الموازنة الصفرية والمرتبطة بموازنة البرامج والأداء وهو النظام المعمول به الآن فى غالبية ومعظم دول العالم، فكلما ارتبطت الموازنة ببرامج محددة استطعنا تقييم الأداء لكل وزارة أو جهاز إدارى وقياس ما تم تحقيقه من برامج تنموية فى كافة المجالات والأنشطة التى 

تقوم بها الدولة.
يضاف إلى ما سبق إذا ما اعترفت الدولة بأن جهازها الإدارى مستثمر فاشل والنتيجة أنه يحقق فقط 2% عائد استثمار على أصول تصل إلى 3 تريليونات جنيه مصرى، لذلك أقترح كإجراء فورى لخفض عجز الموازنة هو تخلى الدولة عن موازنتها الاستثمارية وتحويلها للقطاع الخاص والاحتفاظ فقط بمشاريع البنية الأساسية الضرورية التى لن يكون للقطاع الخاص أى دور فيها أو لن تحقق له أية إيرادات على استثماراته.
منظومة دعم السلع الغذائية والطاقة: وممكن أن نقول إن هذه المنظومة هى التى تؤرق الجهاز الإدارى للدولة لما لها من تأثير مباشر على الشعب المصرى بأجمعه وليس فئة منه.
لاشك أننا متفقون على أن الدعم الموجه للمواد الغذائية والطاقة لا يستفيد منه الفئة التى تستحقه ولكن للأسف يستفيد منه جموع الشعب المصرى والأجانب المقيمين والزائرين وكأنه لزاماً على الدولة تحمل هذا العبء الضخم من الأموال لزيادة رفاهية الفئات المقتدرة والتى تحقق دخولا مرتفعة ومنهم للأسف قد يكون متهربا من سداد الضرائب المستحقة عليه.
إننى لست ضد إلغاء الدعم عامة أو ترشيده ولكننى ضد أى حلول عشوائية متسرعة نتيجة لظروف عجز الموازنة وفى النهاية يكون لها أضرار اجتماعية وسياسية وأمنية غير مرغوب فيها وأن الحديث عنها دون مصداقية أو شفافية سيكون له نفس التأثير المتوقع إذا ما تم أخذ قرار عشوائى متسرع.
الجهاز الإدارى والرئاسى للدولة يعلم جيداً أن نسبة لا تقل عن 60% من الشعب المصرى فى حاجة إلى دعم السلع الغذائية ودعم الطاقة الكهربائية وللأسف ظل دعم رغيف الخبز هو محور المشكلة التى تقابل الجهاز الإدارى للدولة الحالى والسابق وقد تمتد إلى المستقبلية، فإذا لم تتم دراسة مستفيضة وجدية بعيدة عن العشوائية وإرضاء للإدارة الرئاسية سيكون لهذا القرار الأثر السيئ أكثر من أى  قرار سياسى آخر لما لهذا القرار التأثير المباشر على الاحتياجات المعيشية لما يعادل 60% أو أكثر من الشعب المصرى.
إذا أردت تقليص الدعم على السلع الغذائية أو على الطاقة عليك أولا أن تحسن من دخول الأفراد وتحقق لهم الدخل العادل الذى يمكنهم من حياة كريمة على أرض وطنهم.
وها نحن اليوم وقد صدر القرار العشوائى بزيادة أسعار الطاقة بعد تصريحات الحكومة بأنه لن يتم زيادة أسعار الطاقة بأشكالها فى خلال شهر رمضان كما وأن رئيس الدولة صرح فى أحد أحاديثه بأنه لن يمس منظومة الدعم إلا بعد أن يعمل على تحويل الفقراء إلى أغنياء، فهل تم ذلك؟.. طبعاً لم يتم ذلك والحال كما هو بالنسبة للفقير ولكن جاءت هذه القرارات لتزيد من فقره ومعاناته والأهم من ذلك كذب تصريحات الحكومة وعدم مصداقية رئيس الدولة فى وعوده.
إن المؤتمر الصحفى الذى أعده رئيس الحكومة لشرح وجهة نظر الحكومة ومبررات هذه الزيادات أظهرت الحكومة فى شكل ضعيف جدا وكأنها أخطأت وتحاول تبرير خطأها.
ثم تبع ذلك قرار السيد رئيس الجمهورية بتعديل بعض أحكام قانون المرور وتضمين الدراجة البخارية والمعروفة بالتوك توك أنها وسيلة انتقال ويتم ترخيصها! هل هذا القرار جاء فى هذا التوقيت لامتصاص غضب الشارع من سائقى الميكروباص والتوك توك؟
يجب علي الدولة أن تضع الاستراتيجيات للتنمية الشاملة بدلاً من إضاعة الوقت في إيجاد مبررات كانت هى فى غنى عنها بشأن سوء أوضاعنا الاقتصادية.
وللتدليل على أن قرار خفض عجز الموازنة هو قرار عشوائى أن تصريحات السيد رئيس الحكومة ووزير ماليته بأن مبلغ الخفض بـ 40 مليار جنيه سيوجه لدعم التعليم والرعاية الصحية وتحسين حال محدودى الدخل!.. من أين سيأتى بهذا المبلغ؟.. هل دعم المواد الغذائية والطاقة والمواد البترولية يتم تمويله أصلا من إيرادات الدولة أم يتم تمويله من القروض التى تحصل عليها الدولة بإصدار أذونات الخزانة، أى أنه إذا صدق ما دبره رئيس الحكومة ووزير ماليته من توجيه هذا الخفض من مبلغ الدعم وتوجيهه للأنشطة الأخرى التى ذكرت سيظل مبلغ عجز الموازنة هو نفسه الـ 280 مليار جنيه وليس 240 ملياراً كما يدعون!
إننى لست ضد ترشيد الدعم والعمل على وصوله لمستحقيه ولكننى ضد أى قرارات لا تحقق هذا الغرض فى هذا الوقت وتأتى بنتائج معاكسة نحن فى غنى عنها لو تريثنا فى إصدار قراراتنا دون دراسة ومعرفة بفنون صناعة القرار.
المستشار المالى والخبير الاقتصادى