رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ليس إدمانا للمفاعلات النووية ولكنه ضرورة قومية

أكتب هذا المقال تعليقا على ما نشر بعنوان "إدمان المفاعلات النووية" فى الأهرام بتاريخ 24 مايو بقلم الطبيبة سهير منصور والتي تلقب نفسها بالناشطة البيئية ... ونحن نحترم أن يكون فى مصر من يهتم بالنواحي البيئية والحفاظ على نظافة البيئة ولكنى أعجب أنى لا أرى أى نشاط متعلق بالبيئة من صاحبة المقال اللهم غير مهاجمة المضي قدما فى تنفيذ مشروعات استخدام الطاقة النووية فى توليد الكهرباء بحجة المحافظة على البيئة.

وقبل التعليق على كل نقطة من النقاط التى تناولتها الكاتبة أود القول أن الإدمان هو الإسراف فى الممارسة بما يفوق الحد المعقول فى أى من الأنشطة الإنسانية محرمة أو غير محرمة كإدمان الكذب أو إدمان التدخين أو إدمان شراء اللوحات الفنية... أما الإدمان النووى فكيف يكون وليس لدينا ولو محطة نووية واحدة لتوليد الكهرباء... ربما الولايات المتحدة الأمريكية لديها إدمان نووي لوجود 104 محطة نووية شغالة على أراضيها أو الصين لوجود 23 محطة نووية تحت الإنشاء بها أو فرنسا حيث 75% من إنتاج الطاقة الكهربية بها هو من المحطات النووية... أما نحن فأتمنى أن يكون عندنا هذا الإدمان النووى...

أما قول الكاتبة "قبل الثورة عشنا أجواء فيلم الضبعة والبطل والذي أنقذها من أيدي المستثمرين" فهذا لم ينطل علي أحد لسببين, أولاهما أن العاملين بالحقل النووي منذ الستينات- وأنا منهم- يعلمون أن الرئيس السابق هو المسئول مباشرة عن إيقاف المشروع النووي في الثمانينات وقبل التوقيع مباشرة مع الفائزفي العطاءات للبدء في التنفيذ وما ترتب عليه من خسائر تفوق الخيال وأهونها خسارة مادية تعدت المائتي مليار دولار, ثانيهما أن عدم التنازل عن الضبعة للمستثمرين لم يأت طواعية ولكن بسبب قوة المعارضة وبسبب ما نشره الكثيرون- وأنا منهم- عن مدي الخسائرالمادية والسياسية في حال التنازل عن الضبعة للمستثمرين لأغراض السياحة والإنتقال إلي موقع بديل للمحطة النووية, والتي تتعدي 15 مليار دولار (أي أكثر من 90 مليار جنيه مصري), بالإضافة إلي الخسائر الأخري الإقتصادية والإجتماعية.

وسأعقب فيما يلي على كل نقطة من النقاط الواردة بالمقال  على حده وبسبب ضيق المساحة المتاحة فقد يستغرق ذلك مقالات أخري تالية بمشيئة الله.

النقطة الأولى:-

تقول الطبيبة "سكان الضبعة مصريون وعددهم حاليا سبعين ألف مواطن سيكونون أول من يتعرض للإشعاع سواء أثناء عمل المفاعل أو عند وجود حادثة نووية وهى ليست أمرا نادرا..."

وتعقيبا على ذلك أقول الأتى:-

أولا : أثناء العمل العادى للمحطة النووية فإن الإنسان المقيم بجوار سور المحطة النووية إقامة كاملة،  يتنفس من هوائها ويأكل ويشرب من نباتات وحيوانات المنطقة وماء المنطقة، يتعرض لجرعة إشعاعية أقل بأكثر من عشرة آلاف مرة عن متوسط الجرعة التى يتعرض لها من الطبيعة بل أقل مائة مرة عن متوسط الجرعة الإشعاعية التى يتعرض لها الإنسان المقيم  بجوار محطة توليد الكهرباء باستخدام الفحم... وقد تعجبون إن قلت لكم أن محطات الطاقة النووية أكثر حفاظا على نظافة البيئة من محطات الطاقة الشمسية أو محطات الفحم والغاز والبترول والحديث عن هذه الحقيقة يطول وليس هنا محله.

ثانيا : حوادث المفاعلات النووية شأنها شأن أى تكنولوجيا أخرى لابد من التعامل معها والتعايش معها وإلا فعلينا أن نمتنع عن ركوب الطائرات وعن قيادة السيارات وعن استخدام الكهرباء وعن العمل بالمناجم وعن سكنى العمارات وغيرها... وإذا استعرضنا الحوادث النووية الثلاثة التى ساقتها الكاتبة لعلمنا أن الدروس المستفادة منها تجعلنا نشعر بالثقة فى مشروع المحطات النووية المصرية. فحادث ثرى مايلز أيلاند عام 1979 لم يسفر عنه أى خسائر أو إصابات بشرية أو أى تأثيرات بيئية قصيرة أو بعيدة المدى، وحادث مفاعل تشيرنوبل عام 1986 وإن كان وقوعه بسبب خطأ بشرى إلا أن تصميم المفاعل وطبيعة استخدامه حالت دون وجود غلاف حاوي خرسانى يمنع تسرب أى مواد إشعاعية الى البيئة الخارجية ومع ذلك فإن الخسائر البشرية من جراء هذا الحادث لا تتعدى حادث سقوط طائرة

واحدة أو غرق  عبارة أو تصادم قطارين...

وأما حادث مفاعل فوكوشيما باليابان الذى وقع فى مارس من العام الحالي فرغم أن المفاعل من النوع المغلى  حيث يمر ماء تبريد الوقود النووى بعد تبخره الى التربينه مباشرة، ورغم أن المفاعل هو من الجيل الأول من المفاعلات والذي أنشئ فى الستينات، ورغم أن تصميم المفاعل لم يسمح بتوفر حدود سماح كافية لإمكانية تجاوز شدة الزلازل أو التسونامى حدود التصميم... ورغم كل ذلك فلم تقع حالة وفاة واحدة من جراء الإشعاعات النووية المنبعثة من المحطة وحتى التلوثات الإشعاعية التى أعلن عنها لم تتجاوز الحدود المسموح بها وكان تهجير السكان من المنطقة  المحيطة بالمفاعلات إجراءا احترازيا خشية تصدع الغلاف الحاوي للمفاعل النووى وهو ما لم يحدث، حيث لم يتأثر هذا الغلاف وأمكن احتواء الوقود النووى داخله وإن كان قد تم التنفيس عن بعض الأبخرة داخل الغلاف الحاوي الى الجو الخارجي ولكن فى الحدود الإشعاعية المسموح بها وقد عكس الإعلام – بقصد أو بدون قصد – مدى التهويل فى تناول هذا الحادث للمفاعلات النووية وتناسوا عشرات الآلاف الذين قضوا نحبهم أوفقدوا من جراء التسونامى.

وهذا يقودنا الى مواصفات تصميم المحطة النووية المصرية والتي روعي فيها مقاومتها للزلازل والتسونامى بما يفوق فى شدته الزلازل والتسونامى التى وقعت فى المنطقة منذ أربعة آلاف عام، كما أن المفاعل من نوع الماء العادي المضغوط والذي لم ينتج عنه أى تأثيرات ضارة بالبيئة منذ تشغيل هذا النوع من المفاعلات فى أوائل الستينات. أضف الى ذلك أن تصميم المفاعل هو من الجيل الثالث والذي روعي فيه عوامل أمان إضافية متمثلة فى التعامل مع حوادث المفاعلات بأساليب أمان ذاتية لا تعتمد على مصدر كهرباء خارجي... ومع ذلك فقد روعي أيضا فى المواصفات استيعاب الدروس المستفادة من حادث مفاعلات فوكوشيما.

ونشير هنا  أنه يوجد من مفاعلات الماء العادي المضغوط (ذات نوع مشروع المفاعل المصرى) فى العالم 271  محطة نووية ( من إجمالى 440 محطة نووية شغالة على مستوى العالم كما يوجد 54 محطة نووية تحت الإنشاء من ذات النوع (من إجمالى 64 محطة نووية تحت الإنشاء على مستوى العالم ) وذلك طبقا لإحصائيات مايو عام 2011

وإلى  مقال آخر نتناول فيه النقاط الثلاث الأخرى التى تعرضت لها الكاتبة والتي بناءا عليها ترفض استخدام الطاقة النووية كما ترفض إقامة مشروع المحطة النووية الأولى بالضبعة ثم نتناول الانعكاسات الإيجابية التى سيعود بها هذا المشروع على مصر عامة وعلى أهالي منطقة الضبعة ومن حولها خاصة.

*خبير الشئون النووية و الطاقة

كبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية (سابقا)