رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الطاقة النووية المظلومة بين الشمس والهواء

 

 

من المعروف أن مصادر الطاقة التقليدية  من البترول  والغاز والفحم هي

مصادر ناضبة على مستوى العالم كما أنها ملوثة للبيئة عند استخدامها فى توليد الطاقة مما دفع بالعديد من دول العالم الى تنفيذ تشريعات للحد من استخدام هذه المصادر والحد من تأثيراتها الضارة على البيئة.

وفى مصر على وجه الخصوص فإن هذه المصادر ناضبة إن آجلا أو عاجلا ومن المتوقع نضوبها فى خلال  عشرين أو ثلاثين عاما، بل إن مصر بدأت بالفعل فى شراء حصة الشريك الأجنبي من الغاز والبترول، وإذا استمرت معدلات الاستهلاك الحالية من الغاز والبترول فسنضطر فى القريب العاجل الى استيراده من الخارج أو استيراد الكهرباء مباشرة من خلال شبكات الكهرباء الدولية. وعليه فإن وزارة الكهرباء والطاقة وضعت الكثير من الخطط التى تكفل معها ترشيد استخدام مصادر الطاقة المتاحة ومنها الاستخدام الأمثل لكل مساقط المياه الحالية بالإضافة الى إدخال نظام الدورة المركبة فى محطات الكهرباء المستخدمة للغاز الطبيعى، مما أدى الى رفع كفاءة استخدام الغاز الطبيعي، وذلك من خلال التربينات الغازية الى جانب التربينات البخارية فى ذات محطة توليد الكهرباء.أضف الى ذلك خطة وزارة الكهرباء والطاقة الى رفع نسبة مساهمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الى 20% من إجمالى مصادر توليد الطاقة الكهربية بحلول عام 2020.

غير أن ارتفاع معدلات استهلاك الكهرباء بأكثر من 7% سنويا لتغطية احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية يلزم معه توفير المزيد من محطات توليد الكهرباء مع الحد من  مزيد الاعتماد على الغاز والبترول.فبينما يبلغ إجمالي القدرة الكهربية الحالية حوالى 25000 ميجاوات كهرباء فإنه يلزم إضافة على الأقل 40000 ميجاوات كهرباء خلال الخمسة عشرعاما القادمة.

والسؤال الآن كيف يمكن توفير مصادر توليد هذه الطاقة الكهربية، هذا بالإضافة الى احتمالات الحاجة مستقبلا الى توفيرالمزيد من الطاقة أيضا لتحليه مياه البحر.هل يمكن الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحدهما لتوفير هذه الاحتياجات المستقبلية للطاقة الكهربية ؟ الإجابة القاطعة على هذا السؤال هو أنه لا يمكن الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحدهما فى توفير احتياجات الطاقة المستقبلية بل من الضرورى الاعتماد على الطاقة النووية ( للحد من مزيد الاعتماد على الغاز والبترول) فى توفير الجانب الأعظم من هذه الاحتياجات الكهربية مدعومة  باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ما تسير عليه جميع دول العالم المتقدم والنامى ومن لديه خطط طموحة لتوفير الطاقة. ومن يقول أنه لدينا الشمس الساطعة والرياح وهما كافيتان لتوفير هذه الاحتياجات هو كمن يدفن رأسه فى الرمال أو يصم أذنيه أو يغمض عينيه عن حقائق كثيرة لا يمكن معها الاعتماد على الشمس والرياح وحدهما لتوفير هذه الاحتياجات الطموحة من الطاقة الكهربية.

وأول هذه الحقائق هي أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ليست بالطاقة الكثيفة والمعول عليها فى أى بلد من بلاد العالم بمعنى أنها لا يمكن الاعتماد عليها فى توفير الجانب الأساسي من الاحتياجات الكهربية بغض النظر عن مستوى سطوع الشمس أو توفر الرياح بالسرعة المناسبة.

ويرجع ذلك الى كبر المساحة اللازمة لتوليد كل ميجاوات كهرباء كما يرجع الى انخفاض معامل الاستخدام الى اقل من 25% . فعلى سبيل المثال، فقد تم إنشاء مجمع طاقة شمسية حرارية

Energy Generating Systems ( SEGS)  Solar

لتوليد الكهرباء فى  ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكثر بقاع الأرض فى مستوى سطوع الشمس وبما يفوق أى موقع آخر بدول أخرى مثل مصر أو اليابان أو اسبانيا أو غيرها. وهذا المجمع هو أكبر مجمع شمسي على وجه الأرض حاليا ومع ذلك فإنه يتكون من 9 مجمعات شمسية  إجمالي قدرتها الكهربية فقط 354 ميجاوات كهرباء فى حين أن متوسط القدرة الإجمالية للتشغيل لا تتعدى 75 ميجاوات كهربـــــاء

( اى معامل التشغيل يعادل 21% فقط ) وفى حالة غياب الشمس فانه يتم تشغيل تربينات غازية تعمل بالغاز الطبيعى. ويغطى هذا المجمع مساحة 6.5 كيلو متر مربع ويشمل حوالى مليون مرايا عاكسة لو تم صفها فى خط واحد لبلغ طوله 370 كيلو متر. وهناك نوع آخر من محطات الطاقة الشمسية والمسمى بالمحطات الكهروضوئية photovoltaic وأكبر محطة حاليا من هذا النوع على مستوى العالم تبلغ قدرتها 80 ميجاوات كهرباء وهى محطة سارنيا الكهروضوئية لتوليد الكهرباء والمقامة فى أونتاريو بكندا،  وتتكون هذه المحطة من وحدتين إحداهما بقدرة 20 ميجاوات والأخرى بقدرة 60 ميجاوات، وتغطى هذه المحطة حوالى 4 كيلو متر مربع ويتوقع منها طاقة كهربية سنوية مقدارها 120000 ميجاوات ساعة  فى العام وتعمل بكفاءة تشغيل فقط 17% على مدار العام أى تعادل فقط حوالى  1.54ميجاوات كهرباء مقارنة بمعامل تشغيل المحطة النووية.

فإذا نظرنا الى موقع الضبعة والمخطط إقامة من 4-6  محطات قوى نووية بها بإجمالي قدرة كهربية يمكن أن تصل الى 10000 ميجاوات كهرباء  وبمعامل تشغيل حوالى 90% وتوفر طاقة مقدارها حوالى 80 مليار كيلو وات ساعة فى السنة الواحدة، فهل تعلم لو تقرر استبدالها بمحطات طاقة شمسية حرارية وبمعامل تشغيل حوالى 20% فإننا نحتاج الى توفير محطات

طاقة شمسية حرارية تشغل مساحة لا تقل عن حوالى 700 كيلو متر مربع أى ما يعادل المسافة من الإسكندرية الى الضبعة بمحاذاة البحر وبعمق حوالى خمسة كيلو مترات ... هل يمكن تخيل ضخامة هذه المساحة وهذا فقط لإحلال محطات الطاقة النووية بموقع الضبعة  بمحطات طاقة شمسية فما بالك بالمساحات المطلوبة فى حالة الاحتياج الى قدرات كهربية إضافية، كما تحتاج هذه المحطات الشمسية الى أكثر من  100 مليون مرايا عاكسة يبلغ طولها لو صفت فى خط واحد حوالى 40000 كيلو متر أى حوالى أربعون مرة المسافة من الإسكندرية الى أسوان.وهل تعلم حجم أعمال الصيانة لهذا العدد الضخم من المرايا وما تحتاجه من عمالة ووقت وتكاليف ؟ وهل تعلم مدى الخسارة التى قد تنجم عن هبوب أى عواصف رملية أو ترابية أو رياح شديدة.

هذا يوضح لنا لماذا مساهمة الطاقة الشمسية تبلغ فقط حوالى  0.02 %  فى توفير احتياجات الكهرباء على مستوى العالم( مقارنة بمساهمة الطاقة النووية والتي تبلغ أكثر من  16% ).  ويوضح لنا أن الولايات المتحدة الأمريكية رغم توفر سطوع الشمس بها فإنها تأمل أن تصل بنسبة مساهمة الطاقة الشمسية بها الى 10% بحلول عام 2025. وهنا نشير الى أن الولايات المتحدة الأمريكية بها 104 محطة نووية تساهم بمقدار 20.02% فى تغطية احتياجاتها من الكهرباء( حسب إحصائيات إبريل 2011). وكمثال آخر نجد أن اعتماد اسبانيا على الطاقة الشمسية لا يتعدى 2.7% فى حين أن مساهمة الطاقة النووية بها تبلغ  17.5 %  خلال 2010 ورغم أن أسبانيا هي أكثر دول أوروبا فى سطوع الشمس بها كما أن أسبانيا هي رابع أكبر دول العالم فى تكنولوجيا الطاقة الشمسية.

وهذه ألمانيا نجد أن اعتمادها على الطاقة الشمسية يبلغ حوالى 2% فقط من إجمالى الكهرباء المولدة بها فى حين أن الطاقة النووية بها تبلغ مساهمتها 26.1%.

أما طاقة الرياح فلا يمكن الاعتماد عليها وحدها فى توفير الاحتياجات الأساسية من الطاقة الكهربية بسبب محدودية المواقع التي يتوفر بها سرعة الرياح المناسبة والتي يلزم ألا تحدها موانع من منشآت أو مباني , بالإضافة أن محطات الرياح تحتاج الى مساحات واسعة لضرورة توفير حد أدنى من المسافات بين مراوح الرياح وبالإضافة الى عدم ثبوت سرعة الرياح على مدار اليوم وعلى مدار العام.

أضف الى ذلك أن تكاليف تشغيل وصيانة محطات الطاقة الشمسية والرياح  تؤدى الى سعرإنتاج كيلو وات ساعة  من الكهرباء أعلى بكثير من محطات القوي النووية.

من هنا أقولها صريحة، نحن فى خطر ومقبلون على أزمة طاقة خطيرة وإن لم يتخذ القرار بسرعة البدء فى إستراتيجية بعيدة المدى لتنفيذ مشروعات محطات القوي النووية لتوليد الكهرباء فستكون المشكلة مستعصية على الحل مستقبلا. إن أزمة المياه قد يمكن حلها بتحليه مياه البحر ولكن أزمة الطاقة كيف يمكن حلها لحظة وقوعها وخاصة أن محطة القوى النووية الواحدة سيستغرق إنشاؤها على الأقل خمس سنوات.

كاتب المقال حاصل علي جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الهندسية عام 1986 وحاصل علي نوط الاستحقاق من الطبقة الاولي عام 1995 وحاصل علي جائزة نوبل عام 2005 ضمن مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مناصفة مع الدكتور محمد البرادعي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ذلك الوقت.

*خبير الشئون النووية و الطاقة

كبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية (سابقا)