رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العرب والتكنولوجيا النووية

تتسارع دول العالم في إقامة محطات القوي النووية بها لتغطية احتياجاتها المستقبلية من الطاقة وذلك إقتناعا من هذه الدول بمزايا الطاقة النووية الإقتصادية والبيئية والسياسية وخاصة في ظل تنامي سياسة ترشيد إستخدام البترول في الصناعات البتروكيميائية بدلا من حرقه لإنتاج الكهرباء أو تحلية المياه المالحة.

والدول العربية ليست بمعزل عن دول العالم بهذا الخصوص فهاهي دول كثيرة بالمنطقة تعلن عن برامجها النووية لإقامة محطات نووية لإنتاج الكهرباء بل ومنها من تعاقدت بالفعل علي إقامة هذه المحطات.

وتعد مصر أول دولة عربية اهتمت بوضع برنامج قوي للطاقة النووية. فقدأنشأت عام 1955 لجنة الطاقة الذرية التي تحولت إلى هيئة الطاقة الذرية عام 1957. وتملك هذه الهيئة اليوم مراكز عدة للأبحاث النووية، بما في ذلك مركز البحوث النووية في أنشاص وفيه مفاعلان للأبحاث أحدهما بقدرة 2 ميجاوات والآخر بقدرة 22 ميجاوات، والمركز القومي لبحوث وتكنولوجيا الإشعاع، وهيئة الرقابة النووية والإشعاعية. ويعتبر مشروع المحطة النووية في مصر لتوليد الكهرباء من أهم وأقدم مشاريع مصر القومية إن لم يكن أهمها وأقدمها على الإطلاق. فقد بدأت أولي محاولات تنفيذ هذا المشروع  عام 1963 والذي بناءا عليه أنشئ قسم الهندسة النووية فى أوائل الستينيات فى جامعة الأسكندرية ليعمل خريجوه فى هذا المفاعل مع بدء تشغيله وشمل هذا المشروع إقامة محطة نووية بقدرة 150 ميجاوات كهرباء بموقع برج العرب (غرب الإسكندرية )  وملحق بها مصنع للوقود النووي ومفاعل أبحاث بقدرة 40 ميجاوات حراري... وتوقف المشروع لأسباب سياسية ... وفى السبعينات، وبعد زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لمصر،كانت  المحاولة الثانية وشملت إقامة محطة نووية بقدرة 600 ميجاوات  كهرباء بموقع سيدي كرير( غرب الإسكندرية) وتوقف المشروع أيضا لأسباب سياسية ... ثم كانت المحاولة الثالثة والتي شملت إقامة محطة نووية بقدرة 900 ميجاوات كهرباء بموقع الضبعة ( على بعد حوالى 150 كيلو متر غرب الإسكندرية) وتوقف أيضا المشروع  لأسباب  داخلية وخارجية.والآن مصر فى المحاولة الرابعة من محاولات تنفيذ مشروع المحطة النووية فى مصر والتي شملت إنشاء محطة نووية بقدرة تتراوح من 900 الى 1650 ميجاوات كهرباء بموقع الضبعة , يتبعها محطات أخري في ذات الموقع . وتم خلال هذه المحاولة الانتهاء من وضع المواصفات والشروط العامة والتعاقدية  والتي تمت مراجعتها من مجلس الدولة وذلك تمهيدا لطرح المناقصة العامة لإقامة هذه المحطة. هذا كما أبدت العديد من الشركات فى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا والصين وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها الاستعداد للتقدم بعطاءاتها لإقامة هذه المحطة واستعدادها لتقديم حزم تمويلية لتنفيذ المشروع  ... وكان مقررا طرح هذه المواصفات فى  مناقصة  عامة فى شهر يناير2011  ولم يتم ذلك حتى الآن ونحن فى شهر مايو 2012 وذلك  بسبب الثورة المصرية في 25 ينابر 2011 وما تبعها من أحداث سياسية  طرأت علي مصر.
فهاهي دولة الإمارات العربية المتحدة تعلن في أبريل 2008 سياستها بشأن تقييم وإمكانية تطوير برنامج سلمي للطاقة النووية  المبنية على معايير صارمة فيما يخص الشفافية والسلامة والأمن وتطبيق أعلى معايير منع الانتشار النووي. وبدأ العمل بقانون دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية في أكتوبر 2009. وقد مكن هذا القانون من وضع نظام لترخيص ومراقبة المواد النووية. كما نص على تشكيل هيئة منظمة  لصناعة الطاقة النووية في دولة الإمارات العربية المتحدة هي الهيئة الاتحادية للرقابة النووية  وهي وكالة اتحادية مستقلة مسؤولة عن تنظيم وترخيص جميع النشاطات المتعلقة بالطاقة النووية في دولة الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك العمليات التي تقوم بها مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، مع ضمان  السلامة العامة كهدف أساسي.وتعمل مؤسسة الإمارات للطاقة النووية وفق التوجيهات والمعايير التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي 27-12-2009 أطلقت الإمارات برنامجها للطاقة النووية بمنح عقد بقيمة 40 مليار دولار لكونسورتيوم كوري جنوبي لبناء مفاعلات نووية وتشغيلها بصورة مشتركة لمدة 60 عاما. تسلمت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية رخصة التشييد لإقامة أولى المحطات في دولة الإمارات علي موقع براكة, بالمنطقة الغربية في أبوظبي, في أكتوبر 2011، وذلك لضمان تشغيل أول محطات برنامج الطاقة النووي السلمي في دولة الإمارات العربية المتحدة وفقاً للجدول المحدد في 2017 . كما تسلمت الموافقة على البدء بالأعمال ذاتها من قبل هيئة البيئة في أبوظبي التي تعد الجهة الرقابية البيئية في إمارة أبوظبي.
وهاهي الأردن , ووفقا لوكالة الطاقة الذرية الأردنية، تدخل في مباحثات مع كونسرتيوم يضم الشركة الفرنسية أريفا وشركة ميتسوبيشي اليابانية للصناعات الثقيلة ومع شركة أتومستروي الروسية لبناء مفاعلين قدرة كل منها 1100 ميجاوات للتشغيل بحلول عام 2020. ويتوقع أن يختار الأردن موردا واحدا هذا الشهر (مايو 2012)، ولكنه قرر الدخول في مفاوضات موازية نظرا 'لدرجة المنافسة' بين العرضين.  وتقوم شركة أريفا حاليا بالتنقيب عن احتياطات يورانيوم في وسط الأردن والتي تقدر بنحو عشرين ألف طن واعتبرها المسؤولون وقودا لبرنامج الطاقة النووية في البلاد. وكانت وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية قد أكدت العام الماضي  2011 تمسكها ببرنامج الطاقة النووية كمشروع إستراتيجي لاستغلال مصادر محلية من الطاقة والمياه، معتبرة أنه لا حل لمشكلة المياه في المملكة إلا بتحليتها وهو ما يتطلب مصادر كبيرة من الطاقة الرخيصة الثمن.  وترى عمّان أن بناء مفاعل نووي أردني وتوليد الطاقة النووية ستبدد المخاوف المتعلقة باستمرارية توفر مصادر طاقة المستقبل في الأردن، وسيعطي البلاد استقلالية في توليد طاقة اقتصادية وآمنة ومستقرة بعيدا عن التقلبات السياسية العالمية ويمثل موطن قوة في خطط التنمية الوطنية الشاملة.
وهاهي المملكة السعودية تسعي, من خلال مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة والتي تم تأسيسها في أبريل 2010, إلي دعم جهود أعمال التنمية المستدامة التي تشهدها المملكة و تلبية الطلب السعودي المتزايد على الطاقة الكهربائية والمائية من خلال مضاعفة هذه الطاقة ثلاث مرات تقريباً خلال عشرين سنة من الآن وذلك. بالاعتماد على الطاقة النووية مدعومة بمصادر الطاقة المتجددة الهائلة، مثل الطاقة الشمسية ة طاقة الرياح والطاقة الجوف أرضية. وبذلك تتمكن المملكة من التحول والاعتماد على مزيج متوازن ومستدام من مصادر الطاقة. وتخطط السعودية لإنفاق أكثر من 100 مليار دولار لبناء 16 محطة نووية لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء والحفاظ على مستوى تصدير نفطها الخام.
وهاهي الجزائر تعلن في مطلع 2011 عن نيتها بناء محطات عدة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية، بحيث يبدأ بناء أول محطة سنة 2020، يليها بناء محطة كل خمس سنوات. وتملك الجزائر حالياً مفاعلين للأبحاث، كما تملك في أراضيها ما تصل كميته إلى 56 ألف طن من خامات اليورانيـوم التي يمكن الاستفادة منها.
وكذلك أعلنت بعض الدول العربية نيتها إقامة مثل هذه المحطات.النووية نذكر منها البحرين التي أعلنت عام 2010 نيتها البدء بإقامة أول محطة نووية سنة 2017.و الكويت التي أنشأت عام 2010 اللجنة الوطنية للطاقة الذرية، و تسعى لبناء أربع محطات نووية بقدرة 1000 ميجاوات لكل منها، بحيث تبدأ الدراسات لهذه المحطات سنة 2013، وتبدأ المحطة الأولى بالعمل في حدود 2020.وفي يوليو2010 أعلنت المغرب

خطة وطنية للطاقة تتضمن إقامة محطات نووية عدة بدءاً من سنة 2022، على أن يتم قبل ذلك إنشاء الهيئات الرقابية والتشريعية اللازمة لمثل هذا البرنامج.
غير أن دخول الدول العربية هذا المجال فرادي يفقدها ميزات كثيرة عن دخولها هذا المجال مجتمعة من خلال شركة أو هيئة أو جمعية واحدة تضمها.

لذا ندعو الى تبني اقتراح تأسيس شركة أو هيئة عربية للمحطات النووية تضم جميع الدول العربية المعنية باستخدام الطاقة النووية  لتوليد الكهرباء وتحليه المياه تكون خطتها إقامة  سلسلة من الوحدات النووية لتوليد الكهرباء وتحليه المياه لتغطية الاحتياجات من الطاقة الكهربية او المياه العذبة لجميع الدول العربية المساهمة . ويمكن الاتفاق بين الدول المؤسسة للشركة إقامة هذه الوحدات النووية فى بلد واحد يتوفر فيه المواقع المناسبة لإقامة المحطات النووية  أو إقامتها بعدة بلدان عربية معنية  وكذلك الاتفاق على شروط التمويل وتوزيع الطاقة الكهربية المنتجة . وعلي هيئة الطاقة الذرية العربية دورا رئيسيا في هذا المجال من حيث وضع المواصفات والتنظيمات والتشريعات الموحدة وتنسيق إعداد وتنمية الكوادر البشرية  وكذلك تطويرمركزا عربيا للضمانات النووية يقوم بأعمال التفتيش النووي للتأكد من سلمية إستخدامات الطاقة النووية في الدول العربية.

ومن مزايا هذا الاقتراح الآتي:-

1. التفاوض مع المورد / الموردين من موقف تفاوضي متميز وبالتالي الوصول الى أفضل الأسعار ، حيث أن حجم التعاقد سيشمل على الأقل ثماني وحدات نووية أو أكثر كما سيشمل اتفاق شراكة يمتد  لعشرات السنين .
2. إمكان التفاوض والاتفاق على إنشاء مركز إقليمي ، ويكون خاضعا للضمانات النووية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لإثراء اليورانيوم ولصناعة الوقود النووي ولتخزين الوقود النووي المستنفذ ،  حيث أن خدمات شراء وتصنيع وتخزين الوقود المستنفذ ستكون اقتصادية فى هذه الحالة لأنها ستغطى على الأقل ثماني وحدات نووية وهو الحد الأدنى من الوحدات النووية التى تتيح توفير خدمات الوقود النووي محليا وبأسعار منافسة . وهذا بطبيعته سيوفر تأمينا لاحتياجات المحطات النووية من الوقود النووي .
3. أساليب إنشاء المحطات النووية الحديثة تتضمن إنشاء مئات النماذج سابقة التجهيز والتي يتم تجميعها فى موقع إقامة المحطة النووية ، وذلك للوصول بفترة إنشاء المحطة النووية الى اقل فترة ممكنة ( قد تقل عن الأربع سنوات ) مما يوفر فى تكاليف إنشاء المحطة . وبالتالي فى حاله التفاوض على عدد كبير من الوحدات النووية  فإنه يمكن إقامة  مصانع لعمل هذه النماذج محليا كما يوفر دفعة قوية للصناعة المحليه ونقل التكنولوجيا.
4. توفير التكامل فى توزيع الأحمال الكهربية مما يتيح التشغيل الأمثل للمحطات النووية حيث أن ذروة الأحمال الكهربية تختلف من بلد الى آخر من حيث التوقيت وطول الفترة الزمنية.
5. تحقيق التكامل بين الدول العربية من حيث الإمكانيات والتمويل والكوادر البشرية والصناعات المحلية وغيرها.
6. توحيد التشريعات النووية ومتطلبات الأمن والأمان النووي مما يوفر فى إجراءات تراخيص إقامة المحطات النووية وتكاليف  إنشائها وتشغيلها وصيانتها ويتيح تبادل خبرات الإنشاء والتشغيل والصيانة.
7. تكون هذه الشركة بداية نحو الانطلاق الى آفاق أوسع للتكامل بين الدول العربية (وخاصة أنه يجمعها كلها لغة واحدة ) مما يمكن أن يؤدى وبطريقة تلقائية الى إقامة الإتحاد العربي فى آخر المطاف وذلك على غرار الاتحاد الأوروبي .  وهنا يجدر الاشارة  أن الاتحاد الأوروبي الحالي بدء  بتشكيل جمعية الفحم والفولاذ الأوروبية عام 1951 والتي ضمت ألمانيا ( الغربية) وفرنسا وايطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج . تبعها بعد ذلك  تأسيس أول   وجدة جمركية عرفت بإسم السوق الأوروبية المشتركة ( أو المؤسسة الاقتصادية الأوروبية ) عام 1957 والتي تطورت بعد ذلك الى الاتحاد الأوروبي. والآن نري الإتحاد الأوروبي وقد تجاوز من مجرد كيان تجاري إلي شراكة إقتصادية وسياسية ولها برلمان واحد وعلم واحد وعملة واحدة ورغم تعدد لغاتها (الإتحاد الأوروبي يشمل 23 لغة رسمية ) وتعدد نظم الحكم في دولها.

من هذا المنطلق ندعو الدول العربية وجامعة الدول العربية الى تبني هذا الاقتراح وبحث الخطوات اللازمة لتنفيذه حتى يمكن أن يرى النور فى أسرع وقت ممكن. وربما تكون هذه الشركة العربية للمحطات النووية منطلقا إلي قيام الإتحاد العربي مستقبلا كما كانت جمعية الفحم والفولاذ الأوروبية منطلقا إلي قيام الإتحاد الأوروبي.

    كاتب المقال حاصل علي جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الهندسية عام 1986 وحاصل علي نوط الاستحقاق من الطبقة الاولي عام 1995 وحاصل علي جائزة نوبل عام 2005 ضمن مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مناصفة مع الدكتور محمد البرادعي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ذلك الوقت واستشاري نظم الطاقة وجدوي المحطات الكهربية بترخيص من نقابة المهن الهندسية المصرية.

خبير الشئون النووية و الطاقة
كبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية (سابقا)