رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

برد "الهوية" والدستور!

                               
كان المناضل والمفكر العربى الكبير ضيفا على مائدة مستديرة فى القاهرة قبل بضعة أشهر من ثورة يونيو، وفوجئت به يبنى مداخلته على أساس أن المصريين يعانون من "أزمة هوية". تحدث الرجل، فقال أن السورى يشعر انه سورى والفلسطينى يشعر انه فلسطينى، أما المصريون فهم فى متاهة لا يحسون بمصريتهم بينما يشعر المسلمون منهم أنهم ناقصى الاسلام!!

المفاجأة أن أحدا من الحاضرين لم يقم بالرد على الضيف العربى، فاضطررت أن أرفع صوتى قبل انتهاء الجلسة لأنبه الى خطورة مايقوله..قلت له أن مصر الدولة والشعب ذات الاستمرار التاريخى منذ آلاف السنين ليس لديها اشكالية "هوية" على الإطلاق. أما من اخذوا "برد فى هويتهم"، هم الاسلامويون الوحيدون الذين يشعرون بنقص إيمانهم أو وهابيتهم بالأدق.
نفس الحديث تكرر بشكل شخصى مع مفكر إسلاموى كبير، فاتفق معى بأن الإخوان يتحدثون عن اشكالية وأخطار تتهدد الهوية بينما لا يشعرالشعب بنقص فى هويته (الإسلامية) على الإطلاق!
                          صناعة التاريخ
تصلح تلك الحادثتين كمقدمة للحديث عن موضوع "الهوية" وموادها بالدستور! "الهوية" لا يتم تغييرها بالدساتير ولا بقوانين ومقولات.."الهوية" يصنعها التاريخ والسنون على مهل، فتنضج بهدوء. لايمكن لأحد أن يفرض "هوية" على شعب ما بالقصر أو بالأمر. يظن الاخوان والسلفيون أن ألاعيبهم فى تمرير مواد دستورية معينة ستسهم فى فرض "هوية" وهابية سلفية على المجتمع! هم واهمون، لأن "الهوية" الجامعة للمصريين تضم مزيجا مدهشا من مكونات فرعونية وبحرمتوسطية وأفريقية ومسيحية وإسلامية. وتختلف الكثافة النوعية لكل مكون حسب طول الحقبة الزمنية التى شغلها ومدى حداثته واتصاله باللحظة الآنية.
                     "هويات" متنوعة
"هوية" المصريين، كجماعات داخل الأمة وكأفراد أيضا، تتنوع حسب التجربة التاريخية والثقافية، بل وحسب الموقع الطبقى أيضاً. هل يمكن المطابقة التامة بين "هوية" المسيحى المصرى وبين "هوية" المسلم المصرى؟! أو بين الرجل المصرى والمرأة المصرية؟ أو بين رجل الأعمال وبين الفلاح الأمى؟! أو بين البدوى وبين النوبى وبين ساكن الوادى؟! بالطبع لا..هناك "هوية" مصرية جامعة رئيسية، وهناك هويات تحت مستواها تأخذ تلك الاختلافات فى الاعتبار. المسألة ليست مطلقة، وإنما هى نسبية أيضاً.
فى مذكراته، أفرد اللورد كرومر سطورا للحديث عن "هوية" المصريين، فذكر انك لا يمكن أن تعرف المسيحى من المسلم من المظهر الخارجى، أو من الزى أو من اللغة أو التصرفات،

إلا اذا راقبت الاثنين ورأيت من يدخل منهما الجامع، ومن يدخل منهما الكنيسة. "هوية" المصريين الجامعة تظهر فى الثورات، ثورات 1919 و25 يناير و30 يوليو تنبئك أن هذا الشعب وحده التاريخ والثقافة والمحن.
                    علم الثورة
يحكى الشيخ النجار فى مذكراته عن ثورة 19 كيف ظهر العلم الذى يحمل الهلال محتضنا الصليب. كانت فكرة أزهرية صرفة، صنعه طلاب الأزهر علما كبيرا شبيها بالبساط الذى يحمله المسيحيون فى جنازاتهم، ووضعوا صليبا وسط الهلال بدلا من النجوم فى العلم المصرى! أتذكر الآن ذلك واتحسر على عقلية مثقفين يستفزهم منظر الصليب! يأخذونه كخلاف عقدى حول صلب المسيح عليه السلام، ولا يفهمون أنه رمز لأخوان لهم فى الوطن!
الحديث عن "هوية" تمنحها الدساتير، محض هراء لا لبس فيه. منذ أربعة عشر قرنا دخل الاسلام مصر، واحتاج الى أربعة قرون أو يزيد لتصبح العربية لسان أهلها، والاسلام دين أغلبية سكانها. عندما أقرأ تعبير "الفتح العثمانى" لمصر، أضحك بشدة. مصر المملوكية كانت اسلامية، والعثمانيون مثلهم مثل المماليك لم يكونوا سوى أجانب غير مصريين. ما الذى جعله فتحا وليس غزوا؟! بلا شك كُتاب التاريخ تحت سطوة أسرة محمد على! ولكن هل غيرت تلك السطور التى حولت الغزو الى فتح من "هوية" المصريين؟!
مواد "الهوية" التى يحزق فيها الاسلامويون، لا قيمة لها. الواقع والتاريخ والثقافة والتجارب هى التى تصنع الهوية. الهوية ليست الدين فقط. الدساتير لا تصنع هويات حتى ولو كتبوا سطورها بماء الذهب.
واللى واخد "برد فى هويته"، يروح يتعالج!